بعد توقف اضطراري منذ 2013، يُنتظر أن توفر الدورة ال49 من «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» التي تنظمها وزارة الثقافة والاتصال وجمعية الأطلس الكبير، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، تحت شعار «ملتقى الرمزيات والإيحاءات: تثمين وتحصين الموروث الثقافي الوطني»، تظاهرة ثقافية واسعة النطاق للجمهور المراكشي وعموم المغاربة والزوار الأجانب، بشكل يضمن للمدينة، كوجهة سياحية وعاصمة للفنون والثقافات، مزيداً من الجاذبية والإشعاع، كما يقول المنظمون. وتتوزع فقرات التظاهرة التي تنطلق اليوم وتختتم السبت، على ساحات الحارثي وجامع الفنا وباب دكالة ومسرح دار الثقافة، فيما يستقبل قصر البديع التاريخي لوحات المهرجان الموسيقية التي تشمل الدقة المراكشية، ورقصة الركبة من زاكورة، وفرقة أحواش من ورزازات، وفرقة قلعة مكونة، وروايس سوس، وألحان الحساني، ورقصة الكدرة من الأقاليم الجنوبية، إلى جانب فرق تمثل مناطق وسط وشرق وشمال المغرب، من قبيل عبيدات الرمى والعيطة. كما يتضمن برنامج الدورة تنظيم ندوة دولية، بمشاركة جامعيين ومتخصصين في مجال التظاهرة، تتناول «الأغاني والموسيقى الأفريقية – المتوسطية، التأثيرات والمؤثرات». ويعد «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» حدثاً ثقافياً مهماً في تاريخ المغرب المعاصر، كما أُعلن من طرف اليونيسكو، من روائع التراث اللامادي منذ 2005. وعلى الرغم من أنه يعتبر أقدم مهرجان فني في المغرب، والتظاهرة الفنية الوحيدة التي تسلط الضوء على التراث الشعبي، النابع من مختلف مناطق المملكة، فضلاً عن أنه يشكل مناسبة لتثمين الموروث الثقافي المغربي، وفرصة لإنعاش القطاع السياحي في المدينة الحمراء، فإنه لم يستطع، حسب عدد من الملاحظين، أن يحافظ على الإشعاع المرجو منه، في الوقت الذي استطاعت مهرجانات أخرى أن تضمن لنفسها صيتاً ومكاناً على مستوى المتابعة والحضور الجماهيري والترويج الإعلامي. وإذا كانت الفنون الشعبية في المغرب، تشكل جزءاً من الحياة اليومية للمغاربة ومرجعية للهوية الوطنية، فإن «المهرجان الوطني للفنون الشعبية» الذي انطلق في دورته الأولى سنة 1960، تحت اسم «مهرجان فولكلور مراكش»، ظل يشكل، حسب عدد المتتبعين، شهادة للوحدة في التنوع، من خلال تقديم ثقافة تتشكل من ثلاثة مكونات أساسية: عربية وأمازيغية وأفريقية، تعتني بالموروث المتوسطي والآثار الأندلسية، فيما تنفتح باستمرار على الثقافات الأخرى من دون أن تفقد أصالتها. ومن المعروف أن الفنون الشعبية المغربية تتميز بالتعددية التي تتجلى في اللهجات المختلفة والإيقاعات والتعابير الجسدية والموسيقية المتنوعة التي لها بعدها الثقافي والميثولوجي العميق، سواء تعلق الأمر بالأهازيج الموسيقية أو بالتعابير الكوليغرافية. ويرى عدد من المتتبعين أن المهرجان الوطني للفنون الشعبية تعرض للتهميش لصالح الاتجاهات الفنية الجديدة، مع أنه يبقى واجهة لاستعادة الموروث اللامادي للبلد، وتقديم العروض الفنية الوطنية الهادفة إلى توفير مساحة للتعبير عن جميع الفرق التي تعمل في حقل الفنون الشعبية، وأيضاً من أجل الحفاظ على هذه الكنوز الفنية الثمينة. غير أن الفنون الشعبية، بقدر ما هي تراث لا يقدر بثمن، توجد اليوم في طور التهميش. في وقت يحذر المهتمون من أن هذه الفنون الشعبية تواجه اليوم خطر الاندثار؛ خاصة أن الخلف لم يعد مضموناً، فيما يسير المخزون الفني نحو الاندثار، كما أن غياب النساء أصبح واضحاً داخل هذه المجموعات الفنية، وصناع الآلات الموسيقية في انقراض متواصل، مع إشارتهم إلى مظاهر وتأثيرات العولمة والتمدن التي أحدثت تغييراً كبيراً في المجتمع المغربي وأضعفت الفنون الشعبية.