منذ زمان غير يسير ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في المغرب، تنتهج سياسة توقيف الأئمة وخطباء المساجد، والتضييق عليهم، لا لشيء إلا لكون بعضهم يؤدي مهمته ومسؤوليته الدينية على الوجه المطلوب، مراعيا في ذلك مقتضيات الشريعة والواقع. وطبعا فإن الوزارة لا يروقها أن يتطرق الخطيب إلى بعض الظواهر الاجتماعية المخلة أصلا بالشريعة الإسلامية، كالعري المخزي في الشوارع والشواطئ، وبيع الخمور وشربها، ودور القمار،… فيرى الخطيب الحديث عنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي هو إحدى أصول الشريعة الغراء، تأمر به آيات قرآنية مجيدة وأحاديث نبوية شريفة. مع العلم أن دستور المملكة المغربية ينص بصريح عباراته على أن " المملكة المغربية دولة إسلامية" وفي الفصل(3) "الإسلام دين الدولة" وأن الملك أمير المؤمنين (الفصل41). واليوم في غضون أحداث طوفان الأقصى المبارك، واحتلال فلسطين من قبل الصهاينة المجرمين، وما ينجم عن ذلك من تدمير، وتقتيل وتشريد، وتنكيل بإخواننا الفلسطينيين، تفاجئنا مندوبية سلا في شخص مندوبها بتوقيف خطيب مسجد مولاي علي الشريف بحي تبريكت الدكتور عبد الرحيم العبدلاوي، لا لشيء إلا لكونه تحدث عن القضية الفلسطينية وعن واقع المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين، وما يعانيه المسلمون هناك. ونحن نتساءل هل أصبحت قضية الأمة المركزية فلسطين، والمسجد المبارك من القضايا الممنوعة والمحرمة على الخطباء تناولها؟ هل تنكر المغرب يوما ما لتاريخه المجيد وإرثه الحضاري والجهادي والوقفي في البيت الأقصى وفلسطين؟ هل ما وقع دمار لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر يستدعي السكوت المطبق وغض الطرف عن ذلك كله؟ إن هذه السياسة الممنهجة في توقيف الخطباء سياسة خرقاء ورعناء، تصب –شعر بها المندوب أو من وراءه- في خدمة الصهاينة، وتقدم لهم دعما مجانيا، على حساب القضية الفلسطينية، ونصرة المسجد الأقصى، كما تتلكأ لرئاسة المغرب للجنة القدس، كما أنها تخالف إجماع المغاربة على نصرة القضية الفلسطينية التي عبروا عنها في مسيراتهم، ولم يخرق هذا الإجماع إلا القائل "كلنا إسرائيليون" ولا يعتد به قطعا في هذا الإجماع، لأنه ليس من أهله. ولهذا لا يليق بوزارة تدير الشؤون الإسلامية وأوقاف المسلمين، أن تكون أول محارب للمنبر الذي يصدع بالحق، ويناصر فلسطين التي يضعها الملك محمد السادس في مرتبة القضية الوطنية الأولى. ولقد سبق مني أن اقترحت في إحدى مقالاتي تشكيل لجنة من العلماء الكبار الراسخين في العلم للنظر في دواعي توقيف الخطباء والأئمة، تكون بمثابة مجلس إداري، حتى لا يبقى اتخاذ القرار تتحكم فيه الأهواء والسياسة الهوجاء. فالخطيب أو الإمام له حرمته وكرامته وإنسانيته، ولحفظ ذلك ينبغي تشكيل هذه اللجنة لينظر العلماء في مقتضيات التوقيف.