تواجه الجزائر تحديات كبيرة في تدبير صورتها وسياستها الخارجية، إذ أظهر النظام الحاكم هناك أنه يفتقد أبسط آليات حسن قراءة التحولات الجيواستراتيجية التي يعرفها العالم، بل إن الأمر استفحل مع الرئيس عبد المجيد تبون الذي لم ينجح في تجاوز صورة رجل الشارع العادي الذي يتحدث في أمور الحكم وفي العلاقات الدولية. على الأقل هناك حدث بارز يمثل فشلاً ذريعاً للقيادة الجزائرية، يتعلق الأمر بفشل الانضمام إلى مجموعة "البريكس BRICS" إضافة إلى الأوهام التي تم تسويقها عن المكاسب المرتقبة بعد الانضمام المزعوم، وأولها المكاسب السياسية والمالية. قبل أكثر من أسبوع شهدت جوهانسبورغ عاصمة جنوب أفريقيا البلد الحليف للجزائر، انهيار الوهم الذي حرص الرئيس الجزائري وجوقة من "النخبة" الجزائرية على تسويقه كفتح عظيم حال تحققه، فقد تم الإعلان في ختام قمة زعماء "البريكس" عن توسيع المجموعة لتضم دولاً جديدة عبرت عن رغبتها في الانضمام وهي: المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، مصر، الأرجنتين وإثيوبيا، وقد شكل ذلك صدمة لدى النظام الحاكم في الجزائر، ففي بداية شهر آيلول (سبتمبر) 2022 كان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون قد عبّر عن طموح بلاده للانضمام إلى دول "البريكس" وهو تحالف اقتصادي نشأ رسمياً منذ 2009 بتحالف كل من روسياوالصين والبرازيل والهند لتنضم إليهم في ما بعد جنوب أفريقيا. تمثل دول "البريكس" نحو 25 في المئة من حجم الاقتصاد العالمي وتهيمن الصين على 70 في المئة من حصة هذه الدول. الرئيس الجزائري الذي سيّر رحلات طويلة إلى كل من موسكووبكين لاستجداء الموافقة على طلب العضوية، كان يُظهر كثيراً من السذاجة وهو يتحدث في أكثر من مناسبة عن طموح التحاق بلاده بالمجموعة، مؤكداً أن الجزائر تتوافر على معظم شروط العضوية، بينما الواقع يؤكد أن المجموعة أصلاً لا تضع شروطاً معروفة للالتحاق بها، بينما يعلم الجميع أن أول دولة في "البريكس" وهي الصين، يفوق حجم ناتجها المحلي 12 تريليون دولار، وأن أضعف دولة في المجموعة وهي جنوب أفريقيا، يتجاوز ناتجها المحلي 350 مليار دولار، بينما الناتج المحلي للجزائر سنة 2020 لم يتجاوز 145 مليار دولار تمثل فيها المواد الطاقية ما يفوق 95 في المئة، وهو ما يعني أن الاقتصاد الجزائري سليل الاقتصاد الموجه والفساد المهيكل منذ بداية الستينات، لا يملك فرص المنافسة داخل المجموعة، وحتى من زاوية الشراكة فإنه سيبقى هامشياً وسيُعيد إنتاج منطق العلاقات الاقتصادية المؤطرة بقيم العولمة التي تعني هيمنة الدول الكبرى على الدول الصغرى، وإذا كان "البريكس" يرفع شعارات تنادي بقيام توازن في العلاقات الاقتصادية الدولية، فإن الأمر لا يتعدى تغيير البندقية من الكتف الأيمن إلى الكتف الأيسر، والدليل إلى ذلك ما شهدته سريلانكا في سياق ما يُعرف بفخ الديون الصينية. الرئيس الجزائري، فضلاً عن حديثه عن مؤهلات بلاده الاقتصادية، تحدث عن دافع آخر للالتحاق ب"البريكس"، وهو رغبة الجزائر في الخروج من منطق الثنائية القطبية التي، بحسب وصفه، تطبع العلاقات الدولية، وهو ما يؤكد أن الرجل ما زال يعيش زمن الحرب الباردة والثنائية القطبية بين الاتحاد السوفياتي والولاياتالمتحدة الأميركية، والحال أن ما يُستهدف اليوم هو جعل العالم متعدد الأقطاب وكسر الهيمنة الأميركية التي كرّست أحادية القطب منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، لكن المفارقة أن أحد طرفي التدافع القطبي الجديد في العالم، بخاصة بعد الحرب على أوكرانيا، ليس سوى الصينوروسيا، وهما طرفان رئسيان في مجموعة "البريكس"، لذلك يظهر أن اختيار القيادة الجزائرية محكوم باعتبارات سياسية وليس اقتصادية، باعتبار أن الصين مثلاً تقدم مسارات متعددة للتعاون الاقتصادي والجزائر جزء من هذه المسارات، بخاصة خطة الحزام والطريق التي تقدمها بكين من دون توابل أيديولوجية، علماً أن دولاً أساسية داخل "البريكس" نظير الهند والبرازيل تعارض تماماً أي دور سياسي للمجموعة، وبخاصة أي محاولة لجعلها أداة في مواجهة الغرب بزعامة الولاياتالمتحدة التي تعتبر حليفة لها في جنوب شرقي آسيا، بل إن للهند مشكلات كثيرة مع الصين بلغت حد المواجهة العسكرية على الحدود، لذلك يمكن القول إن النخبة الجزائرية الحاكمة هي ضحية أوهام بخصوص الأثر المتوقع من انضمام الجزائر إلى دول "البريكس"، إذ إن وجود الهند والتحاق كل من الأرجنتين والسعودية والإمارات وإثيوبيا، يحد من تحول المجموعة إلى خصم سياسي وأيديولوجي للغرب وعلى رأسه الولاياتالمتحدة. لذلك فإن العائد السياسي كان واضحاً أنه غير مضمون ويكاد يكون منعدماً وفقاً للوضعية الحالية، أما الجانب الاقتصادي فلم يكن بالإمكان أخذه على مأخذ الجد أصلاً، والخلاصة هي أن فشل انضمام الجزائر إلى "البريكس" يعكس مكانتها عند حلفائها الرئيسيين أمثال موسكو، بكينوجوهانسبورغ… البعد الآخر لفشل الالتحاق ب"البريكس" هو ضعف الاندماج الإقليمي في المنطقة المغاربية، ويعلم الجميع أن النظام الحاكم في الجزائر يتحمل المسؤولية الأولى عن وضعية شاذة تجعل من المنطقة أضعف منطقة من حيث الاندماج الاقتصادي في أفريقيا، لذلك فالدول التي لا تنجح في محيطها لا يمكن أن تقدم إضافة إلى تجمعات دولية جدية لا تقوم على منطق الدعاية والشعبوية في الحكم…