مطلوب عقلا ونقلا أن تأخذ الغيور المنتسب لدين الله على الحق والصدق عزة بالحق، فيطفق رادا مدافعا بالقلم ولسان الفم، وذلك من بقية الإيمان متى ما استطاع أو اسطاع إلى ذلك سبيلا، وإنما الرد في دائرة الإيمان ومنزلة الاقتداء يلزم المسلم الغيور المقتدى بسيرته، أن يحسن الرد ويحسن النسك لجيد الباطل والذبحة لعنق التجاسر على حمى الشرع وشعائر الإسلام وذلك من تقوى القلوب، متجنبا الوقوع في ما نهى الله عن مواقعته مصداقا لقوله تعالى:"وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ". ولا شك أن نباح السفهاء لا يقابل بعواء من الأسوياء، بل الهش والنش مقدم هاهنا وأولى، ولعل من تتبع مردوف خرجات "الفايد" بعد رد الشيخ وقف على ملحظ ما وقع منه من ازدياد كيل عشوائه التي صارت تخبط في كل صوب ونحو واتجاه، وذلك للإنصاف رد طبيعي من المستغضب الذي يشكو كبرا وتعجرفا على وهن علم وضعف حجة، وقد استفز كيان الأنا في دواخله وهو من هو؟! الدكتور الذي وإن كان الأخير زمانه فقد زعم أنه أتى بما لم تستطعه الأوائل، قلت إنه لرد طبيعي من مريض سقيم عليل استفز برد من شيخ وقور قد جانب محبوره الوقار حمية لدينه لا لعرضه وشخصه بملاسنة مقامية حشاها بسياقات وألفاظ تخدم مراد السب، قد مارست تراكيبها سطوتها اللغوية العالية المقام الفريدة المقال في كشف ضعف وجهالة السيد الدكتور. وإنما كان الأليق والمناسب والأوقع هو نسف ما تشدق به هذا الدعي من شبه، ورد عاديات ما أتى به من جهل مركب، ودحض ما تخرص به من رمي حائف، وسلخ ما تدثر به من إهاب نتن زائف، ونخل هشيم تهمه بمنخلة العقل والنقل، وبيان عوار وبوار بضاعته المزجاة، حتى يتبين غثاؤها ويذهب زبدها جفاء، وتخرص فتنتها وتشيع في صمت لتدفن في رمس الترك وجبانة النسيان، ولا شك أن من تتبع غرز ردود من سلف من علماء هذه الأمة متح ونهل من معين معاملتهم وتعاملهم مع المخالف المجافي قبل المحافي، يأخذونه بملاطفة العبارة ويردونه صريعا بقوة الدليل وثقيل الحجارة… وإنه لحري بأهل العلم وطلبته من الأخيار الربانيين من أمثال الشيخ القزابري أن ينكبوا على دراسة وتحليل وتفكيك مستبهمات حالات التحول الطارئة على من كانت لهم بدايات مشرقة، ثم صارت أحوالهم حارقة دون سابق إنذار ولا سالف إشعار، حقيق بهم أن يتتبعوا سوءات هذه الشبه وكشف مصادرها وبيان أنها ليست بدعا من القول وإنما هي قديمة تناور على بدء متجدد متكرر، شريطها المشروخ قد لاكه المستشرقون والمندسون المتسللون في جنح الظلام، ثم تبعهم منافقو الأمة حذو النعل بالنعل، ينفخون في رماد بارد سادن قد أطفأ الأولون السابقون نار موقده الأول، ولم يبق من عدوانه وبغي عنوانه إلا خيالات وأشباح وسرابات يحسبون عليها حتى إذا جاؤوها لم يجدوها شيئا مذكورا، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. والحقيقة أن هذا التحول المقيت صار يشكل ظاهرة مؤرقة ومؤثرة لا يزال اعتسافها يغنم منا ويغرم، سيما وأن ضرب القريب وغدر الحبيب أدهى وأمر وأوقع من رمي البعيد الغريب، ذلك أن الأول سل سيف الغدر من غمد الداخل، بينما أشهره الثاني من الخارج تحت طائلة المعهود المنتظر منه، وقد علمنا أن النفاق أشد تدركا من الكفر، نعوذ بالله من الخذلان، وقد أمرنا أن نحذر من الأول فهو العدو، وأن نخشى الله ولا نخاف من الثاني وقد كان كيده ضعيفا. نسأل الله الثبات وحسن العاقبة آمين.