في إحدى مداخلاته القيمة والموضوعية حول موضوع مدونة الأسرة، قال الدكتور العلامة مصطفى بن حمزة: "الذين يدعون إلى تعديل المدوّنة لا يشرحون لنا بالضبط ماذا يريدون وعلى أي أساس يطلبون ذلك". هذه الجملة أثارت حفيظة العلماني المغربي أحمد عصيد فكتب يقول ((هذا تصريح أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه لشخص يعيش خارج البلد، إذ لو كان معنا لكان قد اطلع على مذكرات التنظيمات الحقوقية والمدنية والأحزاب السياسية إضافة إلى ما أصدره المجلس الاقتصادي الاجتماعي في تقاريره وكذا المجلس الوطني لحقوق الإنسان، إضافة إلى النموذج التنموي الجديد، دون أن ننسى ما كتبه باحثون وباحثات أفراد في كتبهم ومقالاتهم، وما تم تنظيمه من عشرات الندوات والمناظرات والبرامج الإعلامية التي خرجت بتوصيات واضحة لا لبس فيها، توضح المطالب ومنطق الإصلاح والمرجعيات المعتمدة في ذلك، فهل يُعقل أن كل هذه العقول النيرة لبلادنا تجتمع ولا تبلور أفكارا تقنع فضيلة الشيخ؟ الحقيقة أن الرجل قد تعب ولم يعد يستطيع مواكبة النقاش، أما المطالبون بالحق فلا يتعبون من ذلك أبدا لأنهم يؤمنون بأنه ما ضاع حق من ورائه طالب، وأما الظالمون فيشعرون بالتعب والإنهاك والملل، لأنهم لا طاقة لهم بمواجهة ما صنعوه من مظالم بسوء تدبيرهم وقسوة قلوبهم واحتقارهم للنساء)). قلت: تعقيب عصيد على ما ذكره العلامة بن حمزة برهان صادق على ما يتصف به عصيد من الظلم والجهل والصلافة، وهي صفات تلازم الرجل في جل مقالاته وخرجاته عن الإسلام وشرائعه. أما ظلمه فيتجلى هنا في إلصاق تهمة الجهل بما صدر عن الجموع النسوية والعلمانية من مذكرات ومقالات وكتب تتضمن الثورة على مبادئ الشريعة الإسلامية فيما يسمونه (التمييز العنصري ضد المرأة) فيرى عصيد أن د بن حمزة لم يطلع على هذا المنتوج الضخم والمتنوع، والواقع أن الرجل مواكب جدا لهذا المنتوج وخبير به وبأصحابه، بل يعرف حتى مصادر القوم فيما يكتبون ومراجعهم الأساسية التي تعود إلى كتاب غربيين ومنظمات غربية وفلسفات وافدة، وقد شرح ذلك بنفسه في مداخلات عديدة وشرحها شرحا مفصلا بينا، وله في ذلك مؤلفات قيمة نفيسة مثل: – نظرة في العوامل التي أسست روح العداء عند الغربيين نحو الإسلام 1996. – الأسس الثقافية لمنع تطبيق الشريعة – المساواة نموذجا 2001. – كرامة المرأة من خلال خصوصياتها التشريعية – مكتبة الطالب – وجدة 2002. – المساواة في البعدين الوضعي والشرعي – مكتبة الطالب – وجدة 2003. وإذا كان عصيد متخصصا في الفلسفة – وهو العلم الذين لم نر له فيه أي مقالة – فإن الدكتور بن حمزة يعتبر بحق فقيها بهذا العلم دون ادعاء، ومن يتابع مداخلاته ودروسه في كرسي المنطق يعلم جيدا ما أقول، ومع ذلك يترفع عنه عصيد ويصفه في تعقيبه هذا بالفقيه والشيخ وما أشبه ذلك من عبارات التنقيص، يحذو في ذلك حذو الذبابة التي طالبت النخلة بالاستمساك لأنها تريد المغادرة!! فاعجب لبقلة تطاول نخلة! وأما جهل عصيد في تعقيبه هذا فيتجلى في: عدم فهمه لمضمون كلام الدكتور بن حمزة الذي يعني: أن جموع المطالبين بتغيير نظام الأسرة لم يقدموا مشروعا بديلا بكل تفاصيله وأصوله وحيثياته، إنما قصارى القوم مناداتهم بالتغيير لا غير، يحبرون ذلك في عبارات خطابية وأساليب هجومية وتنقص من الشريعة الإسلامية الغراء، وهو ما عبر عنه عصيد بالمقالات والتقارير والكتب والمذكرات والبرامج الإعلامية والمناظرات الخ، فهذا الغثاء كله لا يتضمن أي مشروع علمي قانوني مفصل يصلح مثله للمناقشة والاقتراح وتقديمه ليكون شريعة جديدة للمغاربة. خذ مثالا على ذلك مسألة (المساواة في الإرث) فجماعة عصيد ما فتئوا ينادون بالتسوية بين الذكر والأنثى في المواريث من غير أن يضعوا ذلك في تصور شامل كما فعل الفقه الإسلامي، بل هم يتناقضون أشد تناقض، فتارة يقولون: ننادي بإسقاط التعصيب حتى تأخذ الأخت مثل نصيب أخيها، ويجهلون أن التعصيب إذا ما تم إسقاطه فمن شأنه أن يحرم 13 رجلا ممن يرثون بالتعصيب وعلى رأسهم أبناء الميت وإخوانه، وسوف تُحرم المرأة في كثير من حالات الإرث من الإرث بالكلية، وذلك في مسائل العصبة مع الغير وهو عند اجتماع الأخوات مع البنات، ويجب أن تسقط بنت الابن مع وجود ابن ابن الابن الذي هو أنزل منها وتحتاجه ليعصبها كما لو هلك هالك عن بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن. ثم إذا أسقطتم التعصيب فيلزمكم أن تفرضوا للعصبة فروضا محددة، فإن خالفتم بينهم فذلك ينافي مبدأ المساواة، وإن سويتم بينهم فذلك ينافي مبدأ العدل، فهل حقا يعي ما يقولوه هؤلاء الناس أم أنهم يضربون في عماية؟! وتارة يقولون: ننادي بالمساواة مطلقا، ويجهلون أن هذا المبدأ مستلزم لإلغاء الفروض المقدرة المتنوعة، كما يستلزم إسقاط مبدأ الحجب بين الورثة، فلو مات شخص عن أخ شقيق وأخ لأب وأخ لأم، فعلى رأي هؤلاء يجب أن يكون المال على قدر رؤسوهم وأن يرثوا بالسوية جميعا، ولو مات عن أم وزوجة وبنت وأخت وأب فكذلك على رأيهم، وهذا ظلم صريح فإن هؤلاء منزلتهم من الميت متفاوتة وألقابهم مختلفة فكيف يستوون في مقادير الإرث؟ كما يجهلون أن المساواة بمفهومها العلماني من شأنها أن تحرم المرأة من بعض الامتيازات في الإرث ويجعلها مثل الرجل كما لو ترك ثلاث بنات وزوجا إذ يكون المال على قدر رؤوسهم، أي أن البنات سيرثن على ما يريده العلمانيون ربع المال (25%) في حين أنهن يرثن في الشريعة ثلثي المال (66.6%) فأي الحكمين أهدى سبيلا وأقوم قيلا ؟؟ وماذا يقول هؤلاء فيمن ترك زوجة وأما وشقيقة وبنتا وأبا، هل نجعل المسألة من عدد رؤوسهم ونقسم عليهم بالتساوي، أم نصرف المال كله للزوجة وحدها؟ أو للبنت وحدها؟ أو للبنت والزوجة فقط؟ وعلى جميع التقديرات سوف يقعون في الظلم لا محالة. والمقصود: أن الشريعة الإسلامية حينما وضعت قانون الإرث أحكمت بنيانه وأصوله بدأ بحصر أسبابه وموانعه وتحديد من يرث ممن لا يرث وقانون التعصيب وقانون الحجب وقواعد الحساب الخ، وهؤلاء المنادون بتغييره لم يضعوا أي شيء من ذلك، لم يبينوا من يرث ممن لا يرث، ولا أسباب الإرث وموانعه، ولا فلسفته وأصوله، ولا مقادير الإرث وكم يستحق الورثة؟ الخ وحينما نبههم الدكتور العلامة مصطفى بن حمزة وأخبرهم أنهم لم يأتوا بشيء من ذلك، ثارت ثائرة عصيد الجاهل وراح يقول إنهم اصدروا مذكرات وأقاموا مناظرات !! فاعجب لهذا الجهل وهذه الصلافة وهذا الظلم، {ومن يضلل الله فما له من هاد} يتبع..