هوية بريس – الأربعاء 24 فبراير 2016 ضمن سلسلة: (دفاعا عن السنة النبوية الشريفة: سلسلة الردود العلمية على خريج دار الحديث الحسنية "محمد بن الأزرق الأنجري") الجزء السادس: الحلقة الثالثة تقديم يعتقد البعض أن مشكلتنا مع "ابن الأزرق" تكمن في مجرد استدراكه على المعاصرين أو المتأخرين أو حتى المتقدمين في التصحيح أو التضعيف، وهذا اعتقاد خاطئ، وظن فاسد، لأن الحكم على الأحاديث صحة وضعفا أمر اجتهادي، بابه مفتوح لكل من امتلك المؤهلات العلمية، والتزم بقواعد البحث العلمي الرصين، وفق الأصول المنهجية الدقيقة التي رسمها علماء الملة في كل عصر ومصر. لكن المشكلة التي يطرحها "الأنجري" باعتباره ظاهرة إعلامية دخيلة على الحقل العلمي المغربي، هي تسلطه على علم لا يفقه فيه إلا القليل، بالإضافة إلى سوء أدبه مع أئمة هذا الشأن، وبعد طريقته عن منهج المحدثين. وبالرغم من أنني أدركت منذ الوهلة الأولى، وعند أول مقال قرأته له، أنه لا في العير ولا في النفير، بل كنت كلما اطلعت له على عمل، أشفقت على حاله، ورق قلبي حزنا على مآله، فمن ذا الذي ناطح الجبال ثم نجا وسلمت قرونه من الأذى ؟، إلا أنني لم أكن أتصور يوما أن يبلغ به الأمر هذا المبلغ، حتى صرت أصدم بالنتائج التي أتوصل إليها من خلال متابعتي لكلامه المبثوث في مقالاته. ولا يستدركن علينا مستدرك، باعتبار أنه مسبوق بمن قبله، لأنني أشرت في المقدمة الأولى من هذه السلسلة إلى تاريخ الطعن في السنة النبوية عموما، والصحيحين خصوصا، انطلاقا من المشرق ووصولا إلى المغرب، فهو لم يأت بجديد، كما أنه ليس أول مغربي يتجرأ على هذا الحقل المعرفي دون أن يمتلك الأهلية العلمية، لكنه أول من فتحت له بعض المنابر للترويج لباطله من منطلق حرية التعبير وإبداء الرأي.. ومن هذا المنطلق، واستحضارا مني لمبدأ المدافعة باعتباره سنة كونية، كتبت هذه السلسلة، كي أبين حقيقة "محمد بن الأزرق"، وأزيح الغشاوة عن أعين بعض من لبس عليهم بكثرة طلعاته التي يشكك فيها بالسنة النبوية، من أجل إبراز موطن الخلل، ومحل الزلل في مقالاته، والتي من بينها هذا المقال موضوع الدراسة… فلنتابع… ثانيا: طريق ابن أخي الحارث: روى عَمرو بن قَيسٍ المُلاَئِيُّ، وداوُد بن عِيسَى النَّخَعِيُّ، ومِسعَرُ بن كِدامٍ، وأَبُو خالِدٍ الدّالاَنِيُّ، وعَبد الغَفّارِ بن القاسِمِ عَن عَمرِو بنِ مُرَّة، عَن أَبِي البَختَرِيِّ، عَنِ ابنِ أَخِي الحارِثِ، عَنِ الحارِثِ بن عبد الله الأعور، عَن مولانا عَلِيٍّ السقطة الأولى: عزى هذه الطريق إلى البزار 1/156، وهي عنده في الجزء الثالث الصفحة: 7071، برقم: 835. لكن دون واسطة بين أبي البحتري والحارث كما سنرى. وهذه الأخطاء في العزو تتكرر دائما من "ابن الأزرق"، وهي دليل على قصوره وغفلته، لذلك لا يمكن الاعتماد عليه في شيء من ذلك أبدا، وقد أشرت في الحلقة السابقة إلى سقطة مماثلة، وبينت أن الطبعة العلمية الوحيدة للمسند هي طبعة مكتبة العلوم والحكم والتي بدأ طبعها منذ سنة 1988 إلى حدود سنة 2009م بأجزائها الثمانية عشر، وهي النسخة المتوفرة في المكتبة الشاملة، ولا أعتقد بوجود طبعة غيرها، وإن وجدت فعليه أن يشير إليها في الهامش كما هي قواعد البحث العلمي الرصين. السقطة الثانية: جعل "ابن الأزرق" هذه الطريق كالتالي: "عَمرِو بنِ مُرَّة، عَن أَبِي البَختَرِيِّ، عَنِ ابنِ أَخِي الحارِثِ، عَنِ الحارِثِ بن عبد الله الأعور، عَن مولانا عَلِيٍّ". وهذا خطأ فاحش منه -هداه الله-، فهذه الطريق غير موجودة في مسند "البزار" أصلا، أما الطريق التي يقصدها فهي: "عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن الحارث، عن علي بن أبي طالب". حيث لا توجد واسطة بين أبي البحتري والحارث. وقد أشار إلى ذلك الدارقطني في العلل 3/138 حيث قال: «ورواه أبو سنان سعيد بن سنان، عن عمرو بن مرة، عن أبي البختري، عن الحارث، عن علي، ولم يذكر بينهما ابن أخي الحارث». فمن المقصر يا أنجري، وكيف يصح في الأذهان أن يستدرك مثلك على الصحيحين وهو يقع في مثل هذه الأخطاء الصبيانية!!؟؟، وهذا إن دل على شي فإنما يدل على كسلك عن قراءة جميع المباحث الخاصة بالأحاديث التي تتحدث عنها، أو أنك تأخذ عنها بواسطة دون أن تكلف نفسك عناء الرجوع إلى الأصول، وهما فعلان لا يصح وقوعهما من طالب مبتدئ فكيف بمن نصب نفسه حاميا للسنة منافحا عنها من أخطاء وزلات البخاري ومسلم!! كما تزعم. السقطة الثالثة: عزى هذه الطريق إلى سنن الدارقطني 3/137، وهو غير موجود هناك، وهذه غفلة ليس بعدها غفلة، وقصور ليس بعده قصور، من رجل يتبجح بحاسوبه، ويتفاخر بمكتبته الشاملة وشبكته العنكبوتية!! السقطة الرابعة: قوله وهو يتحدث عن رجال هذه الطريق: «وعمرو بن مرة وأبو البختري سعد بن فيروز إمامان ثقتان». قلت: كم تدلس يا أيها الأخ الكريم، فالترجمة التي أتيت بها ناقصة غير تامة، والصواب الذي دأب عليه المشتغلون بعلم الحديث هو أن لا يكتفوا بوصف راو بالثقة فقط، إذا كان يتصف بصفة أخرى كالإرسال أو التدليس أو غيرهما، و"أبو البختري" مع أنه ثقة إلا أنه لا يحتج به إلا بشروط، وهذا بيان حاله: أبو البختري سعيد بن فيروز الطائي الكوفي: قال فيه بن حجر: «ثقة ثبت فيه تشيع قليل، وكثير الإرسال»[1]، وقال ابن سعد: «وكان أبو البختري كثير الحديث يرسل حديثه، ويروي عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يسمع من كبير أحد، فما كان من حديثه سماعا فهو حسن. وما كان "عن" فهو ضعيف»[2]. وقد روى له الشيخان أحاديث صرح فيها بالسماع، فمن كان هذا حاله فلا يصلح إلا في المتابعات والشواهد، إلا إذا صرح بالتحديث، وكانت الطريق التي جاء فيها ليست شديدة الضعف، أما وأنه قد "عنعن" في هذه الطريق التي نتحدث عنها، بالإضافة إلى أنها مسلسلة بالمتكلم فيهم كما سنرى فلا ولا كرامة. ثم قال في معرض ذكره لطريق أخرى لابن أخي الحارث الأعور: ورواه يحيى بن آدم وحُسَيْن بْن عَلِيٍّ الْجُعْفِيّ وعطاء ومالك بن سعير وشعيب بن صفوان، عن الإمام المقرئ حَمْزَةَ الزَّيَّات عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ عَنِ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنِ الْحَارِثِ وهذا في… مسند البزار(1/156)، والكامل لابن عدي (5/8)، وعلل الدارقطني3/137 و3/141، وتفسير البغوي (1/58)، والمخلصيات لأبي طاهر المخلص (3/60 و63)، وإيضاح الوقف للأنباري (1/5)، وترتيب الأمالي للشجري (1/120). كذا قال عن تخريج الحديث من هذه الطريق إلى ابن أخي الحارث الأعور، وله في هذا التخريج عدة فضائح وسقطات، نوردها على الشكل التالي: السقطة الأولى: نسب هذه الطريق إلى الكامل لابن عدي (5/8)، وهي هناك كما قال، لكن ليس بهذه الطريق، بل رواه من طريق إسحاق الأزرق، «حدثنا شعيب بن صفوان عن حمزة الزيات، عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي به». قلت أبو إسحاق: هو السبيعي كما ذكر الدارقطني في العلل 3/140. وهذه غفلة غير مقبولة، وزلة غير مغفورة، فالخلط بين الأسانيد سمة المجروحين الذين لا يكتب حديثهم ولا يحتج برواياتهم. السقطة الثانية: ذكر أن هذه الطريق من رواية كل من مالك بن سعير وشعيب بن صفوان، وهذا تقصير منه وغفلة، لأمرين: الأول: شعيب بن صفوان رواه عن حمزة عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي، وليس عن أبي المختار عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث كما بينت قبل قليل. الثاني: مالك بن سعير روى هذه الطريق عن حمزة الزيات عن ابن أخي الحارث ولم يذكر بينهما أبا المختار كما أشار إلى ذلك الدارقطني في العلل (3/139 )، فرغم أنها عند البزار 3/71 من طريق (مالك بن سعير، قال: نا حمزة الزيات، عن أبي المختار، قال: نا ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب)، فإن القلب لا يطمئن إليها بعد أن أشار الدارقطني إلى عدم وجود الواسطة بين حمزة وابن أخ الحارث، وقد بينت من قبل أن "البزار" رحمه الله قد يخطئ في الأسانيد والمتون، وخاصة في "المسند" الذي رواه من حفظه، وهذا نص كلام الدارقطني الذي نقله عنه الخطيب البغدادي قال: «وذكر الحاكم أبو عبد الله بن البيع أنه سمع الدارقطني يقول: أحمد بن عمرو بن عبد الخالق يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظا، ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه، ولم تكن معه كتب، فأخطأ في أحاديث كثيرة »[3]، وزاد ابن حجر قوله: «وهو ثقة يخطئ كثيرا»[4]. ومن باب الإنصاف أقول: ما دونته هنا يدخل في باب الظنون، وهي فائدة أوردتها أكثر منه استدراك. والله الموفق للصواب. السقطة الثالثة: نسب هذه الطريق أيضا لأبي طاهر المخلص في المخلصيات 3/60 و63، وهي كذلك في الصفحة 60 من نفس الجزء أما في الصفحة 63 فمن طريق شعيب بن صفوان المذكورة قبل قليل. فانظروا إلى كل هذه الزلات في النقل والعزو، ثم يتجرأ هذا الكاتب وينسب الغفلة والوهم والتقصير لأئمة الحديث الذين لا يتصور في حقهم الوقوع في مثل هذه الأخطاء الفاحشة، وهم يحدثون من حفظهم، فكيف بمن يعتمد على جميع الوسائل والتقنيات الحديثة!!، ثم لا يكلف نفسه عناء البحث والتحري. السقطة الرابعة: (وحمزة الزيات إمام ثقة). لقد سبق أن ذكرت أن كون الراوي ثقة لا يكفي في قبول روايته، بل يجب استقصاء حاله من كتب الجرح والتعديل، فرب ثقة ثبت إمام حجة يهم أو يرسل أو يدلس… فإذا نظرنا إلى ترجمة الإمام المقرئ حمزة الزيات، نجد أنه سيء الحفظ في الحديث، فقد قال عنه الذهبي في السير 7/92: «وقال الساجي صدوق سيئ الحفظ … وحديثه لا ينحط عن رتبة الحسن »، وقال في ميزان الاعتدال 1/605: «وقال ابن معين أيضا: حسن الحديث، عن أبي إسحاق، وقال الأزدي والساجي: يتكلمون في قراءاته إلى حالة مذمومة، وهو صدوق في الحديث، ليس بمتقن، وقال الساجي: صدوق سيئ الحفظ»، وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب" ص:179: «صدوق زاهد ربما وهم». ومن خلال ما سبق يمكننا القول: إن حديثه حسن إذا كان خاليا من علة أخرى. السقطة (الفضيحة) الخامسة: قال ابن الأزرق: (وشيخه أبو المختار الطائي: روى عنه جماعة من الأئمة منهم حمزة الزيات وشريك النخعي). هذا القول فيه كثير من التدليس، حيث يوهم أن أبا المختار الطائي قد روى عنه جمع غفير من الرواة، وأن من بين هذا الجمع نجد حمزة الزيات وشريك النخعي، والحال: أنه لم يرو عنه إلا هذين الاثنين، ونحن نطالبه هنا أن يأتينا براو ثالث عنه، وإلا كان أي الأنجري مدلسا كثير الوهم والخطأ متهم ساقط الرواية… السقطة السادسة: قال: (وجازف الذهبي في "ميزان الاعتدال" وابن حجر في "تقريب التهذيب" حيث قالا: مجهول). بل أنت من تجازف حينما تخالف إمامين من أئمة علم الحديث، اتفقت كلمتهما على جهالة "الطائي"، بل وسبقهما لذلك إمام هذا الشأن الدارقطني حيث قال في العلل 3/138: "لا يعرف اسمه". والأمر كما قالوا، لأنه لم يرو عنه إلا راويان ولم يرد فيه لا جرح ولا تعديل، ومثله إن لم ترد روايته فإنه يتوقف فيها في أحسن الأحوال، قال ابن حجر في "نزهة النظر شرح نخبة الفكر" ص: 102 (تحقيق عتر): «والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل يقال هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين»، وقد تصلح للمتابعات إذا لم يكن فيها ضعف من جهة أخرى، أما هذه الطريق فهي شديدة الضعف وبالتالي لا تزيد الحديث إلا وهنا على وهنه. السقطة السابعة: (وقد أخطأ من ضعف السند بسببه، لأنه لم يتفرد به عن ابن أخي الحارث، بل تابعه أبو البختري الثقة كما تقدم، وتابعهما بكير بن عبد الله الطائي عند الدارقطني في العلل1/137، وهو موثق من رجال مسلم). فقوله عن "بكير الطائي": (وهو موثق من رجال مسلم) تدليس وإخفاء للحقائق أو جهل بها، لأنها عبارة توهم القراء بأنه قد تجاوز القنطرة، والحال أنه ليس بالقوي، فلا يليق أن نطلق القول بأن مسلما قد روى له دونما بيان أن روايته له في المتابعات لا في الأصول، وفيما يلي كلام علماء الشأن في بكير الطائي: قال مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال" 3/31: «قال ابن خلفون في «الثقات»: روى له مسلم في المتابعة، ولم يذكره في رجال مسلم الحاكم أبو عبد الله، ولا اللالكائي، ولا الإقليشي، ولا أبو إسحاق الحبال، ولا الصريفيني، والمزي أطلق روايته عنه، فينظر. وذكره ابن حبان في جملة "الثقات"، …، وقال الساجي: قال ابن معين: بكير الطويل ليس بالقوي ». وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب 1/493:« وهو عند مسلم في المتابعات، ذكره ابن حبان في الثقات وقال الساجي عن ابن معين: "بكير الطويل ليس بالقوي" وقال العقيلي: "رافضي"». وهكذا يتبين خطأ "ابن الأزرق" وبعد طريقته عن منهج المحدثين، فمن يصنع مثل ما صنع، لا يخرج عن أمرين اثنين، إما أن يكون جاهلا بالحديث جهلا مركبا، وإما أن يكون مدلسا، وأعتقد أن صاحبنا قد جمع بين الأمرين معا. السقطة الثامنة: أراد "الأنجري" أن يرفع الجهالة عن "ابن أخي الحارث الأعور" بضرب من الكهانة والتدليس كعادته، فجاء برواية مبتورة في تهذيب الكمال حيث قال: (قال الحافظ المزي في ترجمة الحارث الأعور من تهذيب الكمال: قال بكر بن خنيس عن محمد بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن بكير الطائي: لما أصيب علي رضي الله عنه فشت أحاديث، ففزع لها من شاء الله من الناس فقالوا: من أعلم الناس بحديث علي؟ فقالوا: الحارث الأعور. فوجدوا الحارث قد مات، فقالوا: من أعلم الناس بحديث الحارث؟ قالوا: ابن أخيه. فأتوه فقالوا: هل سمعت الحارث يذكر في هذا شيئا؟ وأخبروه بما سمعوا، فقال: نعم، سمعت الحارث يقول: فشت أحاديث في زمن علي رضي الله عنه، فزعت فأتيت عليا فقال: … وهذه الرواية الصحيحة إلى بكير الطائي تظهر أن ابن أخي الحارث كان مصدقا لدى تابعي الكوفة، ومرجعا علميا). ولنا على هذا الكلام ملاحظتين اثنتين: الملاحظة الأولى: روى هذه الطريق المزي المتوفى سنة 742 ه، عن بكر بن خنيس المتوفى بين 161 و170ه، ثم حكم عليها بالصحة دونما تبين ولا استقصاء، وهذا قصور وتكاسل وغفلة، وربما تقليد جامد لغيره، فبين الحافظ "المزي" و"بكر بن خنيس" حوالي ستة قرون، فمثل هذه الأخبار إذا لم ترد بسند عال لا يطمئن لها قلب المشتغل بالحديث، وإن كان رواتها موثقين، لأن احتمال الخطأ كبير، فكيف إذا جمعت الهلكى والمجروحين كما سنرى!؟ الملاحظة الثانية: لقد أورد الحافظ المزي سنده إلى بكر بن خنيس وأبرأ ذمته، لكن الأنجري هو من تكاسل عن قراءة كلامه كاملا كما هي عادته، وهذا سند المزي إلى بكر بن خنيس، حيث قال: «أخبرنا بذلك: أبو العباس أحمد بن شيبان بن تغلب، قال: أخبرنا القاضي أبو القاسم عبد الصمد ابن الحرستاني، قال: أخبرنا أبو الفتح نصر الله بن محمد المصيصي، قال: أخبرنا أبو الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي، قال: أخبرنا أبو القاسم عمر بن أحمد بن محمد الواسطي، قال: أخبرنا أبو الحسن نسيم بن عبد الله قراءة عليه سنة سبع وستين وثلاث مئة، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، قال: حدثنا يوسف بن موسى قال: حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن بكر بن خنيس فذكره». الملاحظة الثالثة: قال ابن الأزرق: (وهذه الرواية الصحيحة…). قلت: وأنى لها الصحة وهي مسلسلة بالمتكلم فيهم، كما سنرى مع العلم أنني قمت بدراسة هذا السند الذي ذكره الأنجري فقط، لأن دراسته تغني عن تتبع باقي الرواة، وفيما يلي عرض لما قيل في رجال هذا السند: بكر بن خنيس: قال ابن عدي في الكامل 2/191: «هو ممن يكتب حديثه، وهو يحدث بأحاديث مناكير عن قوم لا بأس بهم، وهو في نفسه رجل صالح إلا أن الصالحين يشبه عليهم الحديث، وربما حدثوا بالتوهم وحديثه في جملة حديث الضعفاء وليس هو ممن يحتج بحديثه». وقال ابن حجر في التقريب ص:126: « صدوق له أغلاط أفرط فيه ابن حبان». فهو إذن صالح في نفسه، إلا أنه لا يجوز الاحتجاج به إلا في المتابعات. محمد بن سلمة بن كهيل: أورده الذهبي في ديوان الضعفاء والمتروكين ص: 353 وقال: «قال السعدي: واهي الحديث»[5]، وضعفه بن سعد في طبقاته 6 / 380، وساق له ابن عدي في "الكامل" أحاديث منكرة، ثم قال: «وكان ممن يعد من متشيعي الكوفة». سلمة بن كهيل: ثقة ثبت إمام حافظ على تشيع فيه، ويعد من علماء الكوفة ، تجد له ترجمة في سير أعلام النبلاء 5/298، وتاريخ الإسلام 3/425، وفي غيرهما من كتب التراجم. بكير بن عبد الله الطائي الطويل: مقبول، روى له مسلم في المتابعات، قال الحافظ بن حجر في التهذيب 1/493: « وهو عند مسلم في المتابعات ذكره ابن حبان في الثقات وقال الساجي عن ابن معين: "بكير الطويل ليس بالقوي" وقال العقيلي: "رافضي"». فأي محدث هذا الذي يحكم على مثل هذا السند المسلسل بالرواة المتكلم فيهم، باستثناء سلمة بن كهيل الإمام الثقة مع تشيعه، وكيف يتجرأ صديقنا ويقول إن هذه الرواية صحيحة إلى "بكير"، ثم ينكر بعد ذلك على العلماء الحكم عليه بالجهالة ويلمزهم كعادته فيقول: (أما الذين حكموا عليه بالجهالة، فينتظرون التوثيق الصريح من النقاد المتأخرين رحمهم الله، وتلك آفة تؤخذ على المحدثين). وقال أيضا: (لم يتفرد ابن أخي الحارث بهذا الحديث عن الحارث الأعور عن مولانا علي، فتابعه محمد بن كعب القرظي الثقة كما تقدم). السقطة التاسعة: لا يجوز الاكتفاء بوصف الراوي بالثقة فقط إذا كان فيه ما يقدح في روايته، وإن كان ثقة في نفسه، وقد سبقت الإشارة إلى حال القرظي، فقد تقدم أنه مع ثقته يرسل كثيرا ويروي عمن لم يلقهم، فإذا أضفنا إلى ذلك عنعنة ابن إسحاق، ولين الحارث الأعور تبين أن مثل هذين السندين لا يعضض بعضهما البعض، بل يزيدها وهنا على وهن. ثم قال مختصرا النتيجة التي توصل إليها محدث الديار المغربية!: (وبهذه الطرق لا يبقى مجال للشك في أن الحارث الأعور روى الحديث عن مولانا علي، فما هو حال الحارث؟). أي طرق هاته التي تصح بها الرواية إلى "الحارث الأعور"، وهي جميعها عوجاء عرجاء، لا يسند بعضها بعضا، بالإضافة إلى أن مدارها على" الحارث" الذي لا يتحمل التفرد بها. لكن وبغض الطرف عن الكلام في "الحارث" الذي سنفرد له مبحثا خاصا في باقي حلقات هذا الجزء، فإن هذه الأسانيد تزيد من ضعف الرواية، وسألخص في الحلقة القادمة الطرق التي روي بها حديث علي رضي الله عنه، مبينا قصورها عن الاعتضاد والاحتجاج. خاتمة الحلقة الثالثة وفي نهاية هذه الحلقة، سأذكِّر مرة أخرى بسقطات "ابن الأزرق" في مقاله موضوع الدراسة، ليتبين لكل منصف عاقل لبيب أنه ليس كل من جمع الروايات، وخرج الأحاديث، وضغط بزر حاسوبه فاجتمعت أمامه الأسانيد، صار محدثا يستطيع الاستدراك على أهل هذه الصنعة التي لا يطرق بابها إلا فحول العلماء. 1 خطؤه مرة أخرى في العزو. 2 خلطه بين الروايات والأسانيد، وهذا يسقط روايته إلا في المتابعات، أما في حال الانفراد، فلا يعتد بنقله، ولا يقبل خبره. 3 تدليسه في تراجم الرواة بما يخدم مصالحه وأهواءه. 4 التلبيس وعدم الصدق أثناء ذكر تلاميذ الراوي محل الترجمة. 5 محاولته رفع الجهالة عن " الطائي" بضرب من الكهانة التي ليس لها سند علمي. 6 تصحيحه لبعض الأخبار الواهية لأنها تتوافق مع رأيه. ولنجعل مسك الختام الصلاة على نبينا محمد خير الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. كتبه: منير المرود: خريج دار الحديث الحسنية. [email protected] [1] تقريب التهذيب ص:240. [2] طبقات ابن سعد 6/297. [3] تاريخ بغداد 5/95، وانظر لسان الميزان لابن حجر 1/563564. الطبعة المتوفرة في المكتبة الشاملة. [4] لسان الميزان 1/564. [5] وانظر ميزان الاعتدال 3/568.