تراجع مفرغات الصيد بميناء طنجة بنسبة 29% وانخفاض القيمة التجارية إلى 134 مليون درهم    الملك محمد السادس يدعو إلى حلول عملية لوقف النار ودعم الفلسطينيين إنسانياً وسياسياً    الرئيس الأمريكي يعلن التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان    وفد عسكري مغربي يزور حاملة الطائرات الأمريكية 'هاري ترومان' في عرض ساحل الحسيمة    نقص حاد في دواء السل بمدينة طنجة يثير قلق المرضى والأطر الصحية    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    الأمن يحبط عملية بيع حيوانات وزواحف من بينها 13 أفعى من نوع كوبرا في الناظور ومراكش    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط        بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب    هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة        "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني        دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"        مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تيسير الدروس الحديثية لكاتب "السلسلة العلمية"
نشر في هسبريس يوم 21 - 02 - 2016


(2)
موضوع هذا الجزء هو رواية ابْنِ إِسْحَاقَ عن مُحَمَّد بْن كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّ أُمَّتَكَ مُخْتَلِفَةٌ بَعْدِكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: فَمَا مِنَ الْمَخْرَجِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ يُعْتَصَمُ بِهِ مِنْ كُلِّ جَبَّارٍ، مَنَ اعْتَصَمَ بِهِ نَجَا، وَمَنْ تَرَكَهُ هَلَكَ، قَوْلٌ فَصْلٌ وَلَيْسَ بِالْهَزْلِ، لَا تَحْلُقُهُ الْأَلْسُنُ، وَلَا يَثْقُلُ عَنْ طُولِ الرَّدِّ، وَلَا يُفْنَى عَجَائِبُهُ، فِيهِ نَبَأُ مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَقَضَاءُ مَا بَيْنَكُمْ، وَخَبَرُ مَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ.
وكنت قلت في مقالي: (تصحيح حديث فضائل القرآن): وهو مخرج في مسند أحمد بتحقيق شاكر (1/473)، ومسند أبي يعلى الموصلي1/302، ومسند البزار (1/155). وأخطأ الشيخ أحمد شاكر حيث قال: الظاهر أنه منقطع، لقول ابن إسحق: "وذكر محمد بن كعب القرظي" فإني لم أجد أنه روى عنه مباشرة، بل هو يروي في السيرة عنه بواسطة. ه
قلت: بل صرح بالسماع من القرظي عند البزار والموصلي، وذكره مترجموه في الرواة عنه، وشاكر رحمه الله لم يكلف نفسه البحث والاستقصاء. ثم إن محمد بن كعب تابعي كبير، وكان كوفيا كالحارث الأعور، فكيف لا يسمعه ويجالسه؟ وهو ثقة من رجال الجماعة، فصح السند إلى الحارث الأعور. انتهى
فخصّ الأخ منير المرود هذا الكلام بجزئه الثاني من رده التفصيلي، واقعا في أخطاء علمية، وهو معذور لأنه قليل الخبرة بعلم التخريج والرجال كما تشهد ردوده وأجوبتي عليها، إلا أنه أصاب في مسألة وحيدة، وهي أنني أشرت إلى وجود التصريح بسماع ابن إسحاق عند أبي يعلى الموصلي، وليس كذلك، فشكر الله الأخ على تنبيهه، ولم يكن ذلك إلا غفلة مني وسهوا.
وأشير قبل استئناف "الدروس الحديثية" معه، إلى أن موقع "هوية بريس" لا يزال يضرب حصاره علي، فهو ينشر ردود المرود، ويرفض إذاعة أجوبتي، إذ أرسلت إليه الجزء الأول من "الدروس" في اليوم الذي أرسلت إلى "هسبريس"، فلم يقم بما يجب عليه خلقا وعلما وإعلاما، وما هكذا يكون الواثقون باختياراتهم وأقوالهم، بل ما هكذا يكون الإنسان.
ثم نعود إلى تيسير علم الحديث على الأستاذ منير وموافقيه:
درس في نُسخ مسند البزار:
قال منير المرود (السقطة الأولى: لا يمكن الركون إلى إحالات "ابن الأزرق" لأنه كثيرا ما يخطئ فيها نظرا لغفلته وقصوره في البحث، أو نقله ذلك عن غيره ... وقد أخطأ هنا في عزو هذه الطريق إلى مسند "البزار"، فهو عنده في الجزء الثالث الصفحة 70، برقم: 834. طبعة مكتبة العلوم والحكم سنة 1988 وهي الطبعة الأولى والوحيدة فيما أعلم... والحاسوب أمامه، والمكتبة الشاملة بين يديه...) ه
قلت: اشتمل كلام المرود هذا على ثلاثة أخطاء:
الخطأ الأول: زعم أنني أخطئ في الإحالة والعزو لأنني أنقل عن غيري، ودافعه إلى ذلك هو الظن بأنني لا أملك القدرة للوصول إلى المراجع بنفسي، فأتكل على غيري، وهو ظن كاذب ينقصه البرهان من قبل ظانِّه، إذ لم ينقل للقراء أي مثال على ظنه الذي لا يغني من الحق شيئا، فهو التهويل والادعاء.
الخطأ الثاني: نسخة مسند البزار التي عزوت إليها الحديث هي من ترتيب الدكتور علي بن نايف الشحود المعتمدة في الإصدار الثاني من موسوعة الشاملة، نظرا لكمالها وحسن ترتيبها وقلة الأخطاء والتصحيفات فيها.
وقد أحالني صاحبنا على الشاملة، أي أنه على دراية بإصداراتها، فكيف غاب عنه أن يراجعها؟ أم هو الإمعان في التجاهل لتسويد وجه المخالف بأي أسلوب؟
الخطأ الثالث: ادعى صديقنا منير أن لمسند البزار طبعة وحيدة هي طبعة مكتبة العلوم والحكم سنة 1988، وقد ارتكب هنا مصيبتين علميتين:
الأولى: مسند البزار / "البحر الزخار" لم تطبعه مكتبة العلوم والحكم جملة واحدة سنة 1988 كما ادعى الكاتب، بل بدأت طبع بعض أجزائه منذ تلك السنة، ولم تنته من طبعه إلا عام 2009.
الثانية: نفى صاحبنا وجود طبعة غير التي ذكر، اعتمادا على "علمه" الذي لا يساوي جناح بعوضة في مجال الطباعة والنشر، ونحن نفيده من كلام إمامه الألباني رحمه الله، فإنه يقول في (سلسلة الأحاديث الضعيفة(13/908): ثم طبع "المختصر" بتحقيق صبري بن عبد الخالق، وهو فيه (1/118/77). وطبع قبله أصله "كشف الأستار عن زوائد البزار" بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي غفر الله له، وهو فيه (1/85/140). وأخيراً طبع ثلاثة مجلدات من أصله وهو "البحر الزخار المعروف بمسند البزار" تحقيق الأخ الفاضل الدكتور محفوظ الرحمن، ينتهي الثالث منها بأواخر مسند سعد بن أبي وقاص).
وفي كلام الألباني هذا فائدتان غائبتان عن المتشيع له:
الأولى: التصريح بأن طبعة الأعظمي سابقة على طبعة مكتبة العلوم بتحقيق محفوظ الرحمن التي لا يعرف المرود سواها.
والثانية: الإقرار بأن البحر الزخار لم يطبع كاملا دفعة واحدة من قبَل مكتبة العلوم والحكم.
درس في سماع ابن إسحاق من محمد بن كعب القرظي:
كنت قلت في مقالي عن حديث فضائل القرآن من طريق محمد بن كعب القرظي: (وأخطأ الشيخ أحمد شاكر حيث قال: الظاهر أنه منقطع، لقول ابن إسحق: "وذكر محمد بن كعب القرظي").
فخطّأني المرود واعتبر كلامي متهافتا، وقال: الصواب ما قاله الشيخ "أحمد شاكر" رحمه الله، لأن "محمد بن إسحاق" صدوق يدلس... وحديثه حسن إن صرح بالتحديث وإلا فإنه يعتبر به، وهو هنا لم يصرح بالسماع كما سنرى بعد قليل، أضف إلى ذلك أنه لا يروي عن "القرظي" مباشرة في الغالب، والدليل أنه روى عنه المغازي بواسطة... وهذا لا ينفي ورود بعض الروايات في كتب السنة التي وقع فيها التصريح بالسماع بين "ابن إسحاق" و"القرظي"... إلا أنه ليس فيها ما يطمئِنُّ القلب إليه، فنعتمده كسند نستدل به على الاتصال بينهما، لأن كل ما يصرح فيه بالتحديث هو من كلام "القرظي" نفسه، إلا رواية الطبراني التالية: حدثنا الحسن بن علي المعمري، ثنا أحمد بن أيوب بن راشد البصري، ثنا عبد الأعلى، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن كعب القرظي، والحكم بن عتيبة، عن مقسم، ومجاهد، عن ابن عباس، قال: لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة فنظر إلى ما به قال: «لولا أن تحزن النساء ما غيبته، ولتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطيور حتى يبعثه الله مما هنالك». وفيه "أحمد بن أيوب بن راشد" ذكره بن حبان في الثقات وقال: « ربما أغرب ». وأعتقد أن هذا السند من غرائبه، خاصة أن "البيهقي" قد روى الحديث نفسه في "دلائل النبوة"3/ 285 286 بسنده إلى "ابن إسحاق" مع ذكر الواسطة بينه وبين "القرظي"، حيث قال: « عن ابن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، وحدثنيه بريدة بن سفيان، عن محمد بن كعب، قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بحمزة من المثل جدع أنفه ولعب به، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن تجزع صفية وتكون سنة من بعدي ما غيب حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير». فبالمقارنة البسيطة بين السندين يتبين أن "أيوب بن راشد" هو من حذف هذه الواسطة ووصله بين "ابن إسحاق" و"القرظي"... اه
وهذه أخطاء المرود في هذا الكلام:
الخطأ الأول: نفى سماع ابن إسحاق من محمد بن كعب القرظي تقليدا للشيخ شاكر رحمه الله، وادعى عدم وجود رواية صحيحة تثبت ذلك السماع، وهو خطأ من وجهين:
الأول: أحمد شاكر لم يستقر على رأي واحد في المسألة، فإذا كان هنا ينفي ثبوت اللقاء والسماع، فإنه سلّمه في موضع آخر.
قال الإمام أحمد في الحديث رقم 4385: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ مَعَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَسْجِدِ الْكُوفَةِ، وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ إِذْ نَظَرَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى الظِّلِّ فَرَآهُ قَدْرَ الشِّرَاكِ فَقَالَ: " إِنْ يُصِبْ صَاحِبُكُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجِ الْآنَ"، قَالَ: فَوَ اللهِ مَا فَرَغَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِهِ حَتَّى خَرَجَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ يَقُولُ الصَّلَاةَ.
وعلّق أحمد شاكر بقوله: إسناده ضعيف، لجهالة الشيخ الذي روى عنه محمد بن كعب. اه
أي أنه أقرّ ابن اسحاق على قوله: "حدثنا"، وضعف الأثر بجهالة الراوي عن ابن مسعود.
ومن عجائب الباحثين، أن الأرنؤوط قلّد شاكرا في تضعيف حديث فضائل القرآن بدعوى الانقطاع ونفي سماع ابن إسحاق من القرظي، ثم في الإقرار بسماعه في سند أثر ابن مسعود فقال هو الآخر: إسناده ضعيف لإبهام الشيخ الذي روى عنه محمد بن كعب القرظي. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق - وهو محمد - فقد أخرح له مسلم متابعة، والبخاري تعليقاً، وأصحاب السنن الأربعة، وهو حسن الحديث. اه
وإذا اغترّ مثل شاكر والأرنؤوط مع وجود الحديثين في المصدر نفسه، واشتغالهما بالتعليق عليه، فكيف لا يغتر المرود؟
الثاني: الروايات المثبتة لسماع ابن إسحاق من محمد القرظي كثيرة، لم يكلف المرود نفسه البحث عنها أو تجاهلها لسهولة الوصول إليها، ومنها روايته السابقة، والتي أقرّ شاكر والأرنؤوط تصريح ابن إسحاق فيها بالسماع من القرظي.
وإليك يا منير هذه التي لم تبحث عنها أو تعمدت إنكارها:
قال ابن أبي الدنيا في العقوبات(ص165): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ الْقُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمِّي، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيِّ، قَالَ: "لَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ فِرْعَوْنَ خَرَجَ فِي طَلَبِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ دُهْمِ الْخَيْلِ، سِوَى مَا فِي جُنْدِهِ مِنْ شِبْهِ الْخَيْلِ".
وهذا إسناد صحيح، غاب عن منير أو أخفاه.
فها هي روايتان صحيحتان يصرح فيهما ابن إسحاق بالسماع من القرظي، زد على ذلك أنهما معا مدنيان، متعاصران، عالمان كبيران، نهمان للمعرفة، فكيف يستبعد لقاؤهما؟
الخطأ الثاني: زعم المرود أن ابن إسحاق لا يروي عن محمد القرظي إلا أقواله هو، وهذا كذب فاحش تبطله الروايتان الصحيحتان المصرحتان بالسماع، ويتأكد بطلانه بروايته حديث فضائل القرآن، وقصة سيدنا حمزة التي ضعفها المرود وهي مصححة عند إمامه كما سيأتي، وهذا شاهد آخر على كذب المرود أو تجاهله الواقع:
قال الدارمي في سننه(1/218) بإسناد رجاله ثقات: أَخْبَرَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُخْتَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهَ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ: «صُبُّوا عَلَيَّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ سَبْعِ آبَارٍ شَتَّى حَتَّى أَخْرُجَ إِلَى النَّاسِ فَأَعْهَدَ إِلَيْهِمْ».
فهل هذه أقوال القرظي؟
الخطأ الثالث: ضعّف المرود حديث ابن عباس في قصة مولانا حمزة بسبب "أحمد بن أيوب بن راشد البصري"، والظاهر أنه مقلّد مغترّ بما في "سلسلة الأحاديث الضعيفة" الحديث رقم 549، فإن الألباني ضعفه لنفس العلة، حيث قال عن أحمد بن أيوب: لم أجد من صرح بتضعيفه من الأئمة المتقدمين، ولا من وثقه منهم، نعم أورده ابن حبان في "الثقات" وقال: "ربما أغرب"، وهذا ليس بجرح كما أن إيراده إياه في "الثقات" ليس بتوثيق معتمد، كما سبق التنبيه عليه مرارا، فالحق أن الرجل في عداد مجهولي العدالة، ولذلك لم يوثقه الحافظ في " التقريب " ولم يضعفه، بل قال فيه " مقبول " إشارة إلى ما ذكرته. اه
قال ابن الأزرق: كان هذا معتقد الألباني في قديم كتبه، ثم ترجح لديه أن الذي يوثقه ابن حبان منفردا، ويخلو من الجرح، ولا يروي خبرا منكرا، يكون حديثه حسنا.
وكل الشروط متوفّرة في أيوب بن راشد لتحسين حديثه، وهو ما قرّره الأرنؤوط، فإن عبد الله بن أحمد روى في زوائد مسند أبيه عن شيخه أيوب بن راشد حديثا، فقال الأرنؤوط في تعليقه (35/101): وهذا إسناد حسن من أجل أحمد بن أيوب بن راشد الضبي البصري، فقد روى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ربما أغرب. قلنا: فهو حسن الحديث إلا عند المخالفة، وقد توبع. اه
وأضيف أن أيوبا البصري مترجم في الجرح والتعديل2/40، وتهذيب الكمال1/269، وتاريخ الإسلام للذهبي17/33، وتهذيب التهذيب1/17، وهو من شيوخ البخاري وأبي زرعة والموصلي، وقال الذهبي هناك: "ثقة".
فكيف غاب هذا كله عن الألباني وغيره؟
والخلاصة أنه ثقة.
تناقض الألباني وصفعه لمتبوعه:
هذا الحديث الذي أورده الشيخ في "الضعيفة"، قوّاه في "أحكام الجنائز" (1/104)، فقال: وهذا سند جيد، رجاله كلهم ثقات، وقد صرح فيه محمد بن اسحاق بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه. اه
ويفترض أن يكون المرود قد وقف على كلام إمامه في "أحكام الجنائز"، وفيه صفعتان موجعتان له:
الأولى: أقرّ الألباني بسماع ابن إسحاق من محمد بن كعب القرظي.
الثانية: جوّد حديث أيوب الذي يثبت السماع، وينفي عن ابن إسحاق اختصاصه برواية أقوال شيخه القرظي دون غيرها من الموقوفات والمرفوعات.
فهل يصرّ المرود بعد هذا على المكابرة؟ وهل يملك الجرأة للإقرار بتقصيره في البحث أو تعمده التدليس والتجاهل؟
الخطأ الرابع: افترض الأخ المرود وجود واسطة بين ابن إسحاق والقرظي، أسقطها أيوب بن راشد بدليل رواية البيهقي في الدلائل، متناسيا أن الراوي الحافظ المكثر، كابن إسحاق، قد يحكي القصة الواحدة بأسانيد عالية وأخرى نازلة.
وليس هذا فحسب، بل إن المرود دلّس على القراء بعدم ذكره لسند البيهقي إلى ابن إسحاق، وسكوته عن شدّة ضعفه.
فالبيهقي أخرجه من طريق أبي العباس محمد بن يعقوب قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن ابن إسحاق. وذكره.
وأحمد بن عبد الجبار هو العطاردي ضعيف عند الجمهور، متهم بالكذب عند بعضهم، فكيف تكون روايته راجحة على رواية أحمد بن أيوب الثقة؟ ولماذا سكت المرود عن حال الرجل؟ أم أنه لم يكلف نفسه عناء النظر في ترجمته؟
إنه التدليس أو الإهمال والعناد يا سادة، ورواية العطاردي منكرة جريا على قواعد التحديث.
درس في ضبط الحافظ البزار:
قال المرود: يبقى الإشكال في التصريح بالسماع الوارد في مسند البزار... قلت: الجواب على هذا الإشكال سهل يسير على من يسره الله عليه، فما لا يعلمه "الأنجري" ولم يخطر على باله أبدا، هو أن الحافظ أبا بكر البزار هو من وهم في رواية هذا السند! فرواه بصيغة التحديث بين "ابن إسحاق" و"القرظي"، خلافا لأحمد وأبي يعلى الموصلي، وهو كثير الخطأ في الإسناد والمتن كما ذكر العلماء في ترجمته... وقال الحاكم: سألت الدارقطني عنه فقال: يخطئ في الإسناد والمتن، حدث بالمسند بمصر حفظا ينظر في كتب الناس ويحدث من حفظه ولم يكن معه كتب فأخطأ في أحاديث كثيرة جرحه النسائي وهو ثقة يخطئ كثيرا »... وقد روى هذه الطريق عن يعقوب الإمام أحمد صاحب المسند مباشرة، كما رواها عن يعقوب أيضا كل من أبي يعلى بواسطة أبي خيثمة، وهو (ثقة ثبت)، والبزار بواسطة عبيد الله بن سعد وهو (ثقة من رجال البخاري)، وبالتالي فإن الخطأ في التصريح بالتحديث إما من "البزار" وإما من شيخه "عبيد الله بن سعد"، وبما أن "البزار" كان يخطئ رحمه الله في الإسناد كما سبق، فإن الظن الراجح أنه من أخطأ أثناء الأداء والله أعلم. اه
وقال الأنجري: هذه الافتراضات مبنية على فكرة باطلة، وهي انتفاء اللقاء والسماع بين ابن إسحاق ومحمد بن كعب القرظي، والمبني على الباطل باطل.
والحق الذي يدركه كل مشتغل بعلوم الحديث، هو أن الراوي يحكي الخبر الواحد بأساليب متعددة إسنادا ومتنا، فيعقوب الراوي عن ابن إسحاق كان يقول أحيانا: "وذكر محمد بن كعب"، وأحيانا: "حدثنا محمد بن كعب".
والتصريح بالسماع في رواية الحافظ البزار يندرج ضمن زيادة الثقة الضابط الذي معه زيادة علم.
هذا ما تفرضه القواعد المقررة.
وبخصوص الحافظ البزار صاحب المسند، فإنه كان يخطئ عندما يحدث من حفظه بعيدا عن مؤلفاته وكتبه، وهذا حدث ويحدث لكل الحفاظ.
وهو هنا لا يروي من حفظه، بل من كتاب "المسند" يا فتى، فأُمِن الخطأ والنسيان.
ولم يذهب أحد من النقاد إلى تضعيف زوائد مسند البزار، أي الأحاديث التي انفرد بها دون غيره، لأنهم يشهدون له بالضبط والإتقان في كتبه.
وجريا على مقولة المرود السخيفة، فمن الواجب تضعيف كل من انفرد به البزار في كتبه، وهو ما لم يقل به أحد من المحدثين، ولم يتجرأ عليه الألباني والحويني، وغيرهما من أئمة المرود، وإنما هو إبداعه العبقري الدال على العناد في الخصومة العلمية، أو الجهل بأبسط المسلمات الحديثية، رغم أنه نقل ما يدل على تخصيص أوهام البزار بما يرويه استظهارا وحفظا بعيدا عن كتابه.
إن المحدثين ينظرون إلى الرواة الواقعين في "مسند البزار"، ولا يلتفتون إلى الكلام في حفظ صاحبه، فيصححون ويحسنون إذا كان رجاله ثقات والسند متصلا من غير شذوذ ولا علة في السند أو المتن.
والألباني إمام مدرسة المرود صحح عشرات الأحاديث التي انفرد به البزار، وكذلك خليفته الحويني، فهل نعُدّ "عبقرية" منير نقضا لسيرة شيخيه؟ وهل يتشبث بعد هذا بتضعيف منفردات البزار؟
درس في نسبة محمد القرظي للكوفة وسماعه من الحارث الأعور:
قال المرود: ( لا نسلم له قوله بأن "محمد بن كعب" كوفي، بل هو مدني باتفاق المترجمين له، وأظن أن الوهم وقع "لابن الأزرق" من قول من ترجم له: قيل (بصيغة التمريض) إن أباه نزل الكوفة وولد له ابنه محمد هناك، ونشأ فيها قبل أن يتحول به أبوه إلى المدينة، ولم ينعته أحد ممن ترجموا له بأنه كوفي كما فهم صاحبا، بل أجمعوا على كونه مدنيا، رغم أنه رحل إلى الكوفة ومكث فيها زمنا، هذا يبين مدى الخلط الكبير عنده في مصطلحات العلماء والمحدثين). اه
قلت: إذا بلغ العناد بالباحث منتهاه، فلا عجب مما كتب المرود أعلاه.
لقد أحال الطالب منير على مصدرين لترجمة محمد القرظي فقط، هما (العلل ومعرفة الرجال لأحمد بن حنبل) و(تاريخ الإسلام للذهبي).
وتجد في "العلل ومعرفة الرجال" (3/494) عَن أبي يحيى القَتَّات قَالَ: قدم مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ الْكُوفَة فَمَكثَ بهَا أزمانا، ثمَّ قدم علينا فَقُلْنَا: كَيفَ رَأَيْت أهل الْكُوفَة؟ قَالَ: لَا يُوجد مثل واحدهم.
وإذا كان الذهبي يصدّر أخبار الرجل في تاريخ الإسلام بلفظ "قيل" الذي ظنه المرود تشكيكا، فإنه يقول في "العبر في خبر من غبر" (1/102) جازما: محمد بن كعب القرظي الكوفي المولد والمنشإ، ثم المدني. روى عن كَبار الصحابة. اه
فأثبت المصدران معا أن القرظي كوفي قبل أن يكون مدنيا، وصرّح "العبر" بذلك، فثبت كذب المرود وتدليسه من وجهين:
الأول: عندما أوهم القراء أن النقول في نسبة القرظي للكوفة ضعيفة،
والثاني: عندما أوحى إليهم أن أحدا من مترجميه لم ينسبه إليها، وكلام الذهبي في العبر يكشف تضليله.
وبالعودة لمصادر ترجمة محمد القرظي، تجدها متفقة على أنه ولد بالكوفة ونشأ، ولم يغادرها إلى المدينة إلا رجلا، ففي ترجمته من الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، وتهذيب الكمال للمزي، وسير أعلام النبلاء للذهبي، وتهذيب التهذيب لابن حجر: سَكَنَ الكُوْفَةَ، ثُمَّ المَدِيْنَةَ.
فإن كان المرود رجع إلى هذه المصادر، فهو مدلّس، وإن كان تكاسل عن النظر إليها، فهو صاحب عقل متكلّس.
والاحتمال الأول هو الظاهر، فإنه شهد على نفسه بالنظر في ترجمته من سير النبلاء للذهبي كما سيأتي قريبا.
والخلاصة أن محمدا القرظي كوفي قبل أن يكون مدنيا، وهو ما يجهله المرود أو يتجاهله عنادا؟
****
ثم قال المرود إمعانا في الجحود: إن الظاهر من خلال متابعة ترجمة كل منهما، أن "محمد بن كعب" لم يسمع من "الحارث الأعور"، لأنه لم يذكر أحد أنه من شيوخه (...) والأصل في الراوي عدم السماع حتى يقوم الدليل على عكس هذا الأصل، وقد تفطن البزار رحمه الله إلى ذلك فقال عقب رواية الحديث موضوع الدراسة من هذا الطريق: « ولا نعلم روى محمد بن كعب القرظي، عن الحارث، عن علي، إلا هذا الحديث »
أضف إلى ذلك أن الإمام أحمد حصر روايات علي رضي الله عنه من طريق "القرظي" في رجلين اثنين فقط. قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: « حدثني أبي قال حدثنا حجاج عن شريك عن عاصم بن كليب عن محمد بن كعب قال سمعت علي بن أبي طالب. قال أبي: وهذا وهم، محمد بن كعب يحدث عن عبد الله بن شداد عن علي وعن شبث بن ربعي عن علي، ولم أر أبي يصحح أن محمد بن كعب سمع من علي» فلم يذكر الإمام أحمد رواية "محمد بن كعب" عن "الحارث" الأعور فتنبه!
وأضاف المرود: فإذا رجعنا إلى سيرة "محمد بن كعب" نجد أنه كثيرا ما يرسل! قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء": «وهو يرسل كثيرا، ويروي عمن لم يلقهم...». إذا كان الأمر كذلك فإن "عنعنته" لا تحمل على الاتصال دائما، خاصة أنه لم يثبت سماعه من الأعور، وبالتالي فإننا نحكم على هذا الطريق بالانقطاع بينهما.
وفيما قاله منير جملة أخطاء:
الخطأ الأول:
قوله: (الأصل في الراوي عدم السماع حتى يقوم الدليل على عكس هذا الأصل)، خطأ عند علماء الحديث، إذ الأصل عند الجمهور، هو أن "عنعنة" الراوي الثقة البريء من التدليس، محمولة على الاتصال والسماع إذا كان شيخه معاصرا له، ودخل أحدهما بلد الآخر.
وهذا هو شرط الإمام مسلم في صحيحه، وهو المعتمد المقرّر عند سائر المحدّثين، ولم يخالفهم إلا البخاري وقلة من الحفاظ.
فهل يتجرّأ المرود على تضعيف الأحاديث التي انفرد بها مسلم في صحيحه، ولم يتوفّر فيها شرط البخاري؟
وبالجملة، فالقرظي والحارث الأعور كوفيان متعاصران، وبعد خروج الأول من الكوفة، كان الحارث يزور المدينة، وكان مقصد العلماء والرواة لكونه من كبار أصحاب مولانا علي، فلا مجال للتشكيك في اتصالهما وأخذ أحدهما عن الآخر.
الخطأ الثاني:
قول البزار: « ولا نعلم روى محمد بن كعب القرظي، عن الحارث، عن علي، إلا هذا الحديث» ليس تضعيفا بل هو إخبار بحدود علم قائله، فلا حجة فيه للمرود.
ومن جهة ثانية، فالبزار يصحّح السند إلى محمد بن كعب، خلافا لدعوى الانقطاع بينه وبين ابن إسحاق، فكلام البزار على المرود وليس له.
الخطأ الثالث:
كلام الإمام أحمد يدور حول سماع محمد بن كعب من مولانا علي مباشرة، لا عن سماعه من الحارث الأعور، فلا يحتج به المرود إلا جهلا أو تدليسا.
وكلام الإمام أحمد عن الواسطتين بين القرظي ومولانا علي، لا يقصد الحصر فيهما، بل يشير إلى أشهر شيوخ القرظي من شيعة مولانا علي.
والإمام أخرج في مسنده حديث مولانا علي من طريق القرظي عن الحارث، إشارة إلى صلاحها عنده للاحتجاج.
فكيف يستدل بما في "العلل" على أنه ينفي سماع القرظي من الحارث؟
وإن شئت: فأحمد لا يعرف إلا واسطتين بين القرظي ومولانا علي، ويجهل غيرهما، فلا حجة في قوله.
إثبات سماع القرظي من الحارث:
البرهان الأول: تقدم أن الأصل هو شرط مسلم رحمه الله، وهو حاصل بين القرظي والحارث.
البرهان الثاني: الصحيح عند أبي داود السجستاني وغيره هو أن القرظي أدرك مولانا عليا بل وسيدنا ابن مسعود، وسمع منهما، وهو ما أكده الحافظ العلائي في (جامع التحصيل) (ص268)، حيث قال: قال أبو داود: سمع من علي وابن مسعود، وهذا هو الصحيح، فقد روى أيوب بن موسى قال: سمعت محمد بن كعب القرظي قال: سمعت ابن مسعود، فذكر حديثا رواه البخاري في تاريخه عن بندار عن أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن أيوب، ثم قال: لا أدري حفظه أم لا؟ وحكى الترمذي عن قتيبة بن سعيد أن محمد بن كعب هذا ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. اه
وتبعه الحافظ أبو زرعة الرازي على ذلك في (تحفة التحصيل).
وإذا كان كذلك، فسماعه من الحارث الأعور أولى بالقبول وأحرى بالتسليم، فابن مسعود مات قبل مولانا علي، والحارث الأعور عاش بعده، وكلهم كوفيون بمن فيهم أمير المؤمنين أيام خلافته.
وبالجملة، فكل الذين ضعفوا طريق القرظي، كالألباني وغيره، لم يذكروا علة الانقطاع بينه وبين الحارث الأعور، لأنهم يدركون سخفها وتهافتها، خلافا للطالب منير.
****
ثم ختم المرود بقوله: ومن خلال ما تقدم شرحه، يتبين أن هذه الطريق وقع فيها الانقطاع بين "ابن إسحاق" و"محمد بن كعب القرظي" من جهة، وبين هذا الأخير و"الحارث الأعور" من جهة أخرى، فتكون بالتالي شديدة الضعف لا تصلح في الشواهد والمتابعات. اه
قلت: لا انقطاع في الموضعين لما تقدم، ولو افترضناه، فانقطاع السند في طبقتين متباعدتين، لا ينتج الضعف الشديد المانع من الصلاحية في "الشواهد والمتابعات" كما يتوهم المرود، لذلك قال عنه أحمد شاكر والأرنؤوط في تعليقيهما على "المسند"، وحسين سليم أسد في التعليق على "مسند الموصلي": (ضعيف)، ولم يزيدوا على ذلك.
وإذا عاد المرود إلى كتب إمامه الألباني، فإنه سيجده يستشهد بالأسانيد التي يتكرّر فيها الانقطاع، كما أنه يضعفها دون تشديد.
مثال: قال في ضعيف أبي داود - الأم (1/165) عن حديث: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أُجُورُ أُمَّتِي حَتَّى الْقَذَاةُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ »: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله موثقون؛ لكنه معلول في موضعين: الأول: الانقطاع بين ابن جريج والمطلب. والآخر: بين المطلب وأنس. اه
وهو من الأحاديث التي تراجع الألباني عن تحسينها.
اعتراف الألباني بثبوت الحديث إلى الحارث الأعور:
تناول الألباني الحديث من رواية الحارث الأعور في موضعين من "سلسلة الأحاديث الضعيفة".
الأول: تحت رقم 1776، وقال هناك: (ضعيف جدا). بناء على علتين:
الأولى: ضعف الحارث الأعور.
والثانية: الانقطاع بين ابن إسحاق ومحمد بن كعب القرظي.
ثم أسقط العلة الثانية بالمتابعات المعضّدة لها، وختم بقوله: (فعِلّة الحديث: الحارث هذا).
ثم أعاده تحت رقم 6393 ، وتراجع عن التضعيف المشدد، حيث اكتفى بقوله: (ضعيف). اه
والنتيجة على منهج الألباني هي أن الحديث ضعيف فقط، لعلة وحيدة هي ضعف الحارث الأعور، فيكون صالحا في المتابعات والشواهد، لأنه يستشهد به في كتبه، ويحسّن أحاديثه بالطرق المعضدة. (انظر الأحاديث: 281 و796 و2034 من السلسلة الصحيحة، والحديث 1811 من صحيح أبي داود - الأم).
وبذلك يسقط كل ما تخيله المرود تحقيقا وإبداعا على يد إمام مدرسته الحديثية، فالسند ثابت إلى الحارث عند الألباني، وهو صالح في المتابعات والشواهد، وبالتالي فهو يقوّي غيره ويتقوّى بغيره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*أستاذ التربية الإسلامية، وخريج دار الحديث الحسنية، وخطيب جمعة موقوف بسبب مقالاته
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.