في وقت كان المهتمون بشأن إصلاح منظومة العدالة عموما، والعدول خصوصا، على أحر من الجمر في انتظار النشر التلقائي لمسودة مشروع قانون مهنة التوثيق العدلي احتراما لقانون آخر يعد من صميم الحكامة الجيدة ألا هو القانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومة، والذي لم يجعلبموجب المادة 07 منه مشروع قانون التوثيق العدلي من ضمن المعلومات المستثناة من الحق في الحصول على المعلومات، فوجئنا بمسودة مسربة تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالسادة العدول تحمل عنوان "مشروع قانون رقم.. يتعلق بتنظيم مهنة العدول"، مع تحفظنا على هذه التسمية وفق ما سنبينه في محله أدناه. ولئن كانت المسودة المذكورة هي المحالة فعلا على الأمانة العامة للحكومة على حالتها، فإننا من باب التنوير نرى الادلاء ببعض الملاحظات بشأنها، وتسليط الضوء على مدى مراعاة المشرع لمتطلبات الجودة أثناء صياغة هذا المشروع. إن مصطلح جودة التشريع،يفيد الالتزام الصارم بمعايير قابلة للتحقق، بغيةخلق استقرار وتوافق بين النصوص التشريعية ومتطلبات المخاطبين بها، بعيدا كل البعد عن العيوب والنواقص[1]. وفي ورقة بحثية صدرت عن مجلس النواب، اقترح فيهامجموعة من المداخل التي يجب أخذها بعين الاعتبار ومراعاتها من طرف جميع المتدخلين، من أجل تحقيق وتعزيز الجودة على مستوى الصناعة التشريعية من جهة، وتكريس فعلية وفعالية التشريعات، وتحقيقها للأمن القانوني كغاية فضلى لدولة القانون من جهة أخرى[2]. ومن المداخل التي اقترحها مجلس النواب، والتي سنتناولها بالدراسة والتحليل وفق ما جاءت به مسودة قانون التوثيق العدلي، ضرورة مطابقة التشريع لمقتضيات الدستور وقرارات القضاء الدستوري (أولا) وملاءمة التشريع مع الالتزامات الدولية للمملكة (ثانيا) واحترام الحقوق المكتسبة (ثالثا) أولا: ضرورة مطابقة التشريع لمقتضيات الدستور وقرارات القضاء الدستوري إن ضرورة مطابقة قانون التوثيق العدلي لمقتضيات الدستور، تمليه القناعة التي لا تكاد تفارق كل متشبع بمبدإ راسخ وعريق ألا هو سمو الدستور، والمقصود بسمو الدستور، أن الدستور يسمو (يعلو) على مختلف القواعد القانونية الأخرى في الدولة، ويؤدي هذا إلى وجوب تقيد التشريع الأدنى بالتشريع الأعلى وعدم مخالفته، فالقانون يجب أن يتقيد بالدستور ولا يخالفه[3]، ولأجلهنصت الفقرة الثالثة من الفصل 06 من الدستور على ما يلي:"تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة". ومبدأ السمو المذكور، أكد عليه المجلس الدستوري (المحكمة الدستورية حاليا) في قرار له رقم 819 بتاريخ 16/11/2016، جاء فيه: "إن الدستور له السمو على كل ما عداه، ويتعين على جميع المواطنات والمواطنين احترامه[4]". وبالرجوع إلى مشروع قانون مهنة التوثيق العدلي، ومحاولة الوقوف على مدى مطابقته لأحكام الدستور نلاحظ ما يلي: -عدم تفعيل المشرع لمبدإ المشاركة:حيث تجاهل كثيرا من مقترحات الهيئة الوطنية للعدول، بشأن إصلاح وتحديث مهنة التوثيق العدلي المضمنة بالمذكرة التفصيلية للهيئة المذكورة والموجهة لوزارة العدل، وغير خاف أن الدستور في تصديره والذي يعد جزءا لا يتجزأ من هذا الدستور،نص بصريح العبارة أن المشاركة تعتبر من مرتكزات الدولة الحديثة. -تكريس مشروع القانون للتمييز وعدم المساواة: إن تصدير الدستور كذلك جعل من مرتكزات الدولة الحديثة إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة،كما تلتزم المملكة بحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي آخر، مهما كان. هذا،ولا زال المشروع يحتفظ بالمقتضى الذي بموجبه يعين العدل بقرار من وزير العدل، في حين يعين الموثقالذي يزاول مهنته بمقتضى القانون 32.09 بقرار من رئيس الحكومة، رغم أن نفس الوثائق الصادرة عنهما تعد وثائق رسمية، زد على ذلك مدة التكوين الأساسي التي لم يمددها المشروع لتكون على الأقل مساوية لمدة التكوين التي يقضيها الموثق. والمستغرب له كذلك،إبقاء المشروعثنائية التلقي حتى في عقود التفويت المتعلقة بالعقارات، وكذا مختلف العقود كالوكالات وعقود الكراء…مع العلم أن الموثق الخاضع لقانون 32.09يتلقى مثل هذه العقود بطريقة فردية. -تجاهل واضعيمشروع القانون للارادة الملكية: اعتبر الفصل 42 من دستور المملكة الملك الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة، والساهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، ومن منطلق هذه المكانة، وتجسيدا للتكليف الذي تحويه قبل التشريف، بادر الملك محمد السادس إلى تنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، قصد صياغة ميثاق يكون مرجعا يستند عليه في إصلاح المهن القانونية والقضائية، فقد جاء في خطاب 20 غشت 2009 بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب ما يلي: "وقد أخذنا بالمنهجية التشاورية والاندماجية، التي سلكناها بنجاعة، في القضايا الوطنية الكبرى، لبلورة إصلاح جوهري، لا يقتصر على قطاع القضاء، وإنما يمتد، بعمقه وشموليته، لنظام العدالة. كما جاء في نفس الخطاب ما يلي:"وفي هذا الاطار يجدر مراجعة النظام الأساسي للقضاة…وإعادة النظر في الاطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائية". انتهى النطق الملكي السامي. وبالرجوع إلى ميثاق إصلاح منظومة العدالة، يلاحظ كيف كانت إرادة واضعيه صادقة وحازمة في استقلال المهن القانونية والقضائية، حيث من التوجهات التي اقترحوها واعتبروها جوهرية، التوجه رقم 12 والذي يقضي بصريح العبارة بما يلي: -"مراجعة التشريعات المنظمة للمهن القضائية والقانونية في اتجاه تعزيز استقلالها، وكذا توطيد خضوعها، ولوجا وتنظيما وتدبيرا، لمبادئ المنافسة والشفافية والمسؤوليةوالمساواة أمام القانون، بما يخدم المصلحة العامة". لكن؛ بالرجوع إلى المادتين 78 و 79 من مشروع قانون التوثيق العدلي، يتبين بوضوح كيف أن المشرع مصر على الإبقاء على خطاب القاضي المكلف بالتوثيق، وجعل رسمية العقد العدلي رهين بهذا الخطاب، مع العلم أن الخطاب هذا لا مبرر له، وليست له أي قيمة مضافة سوى تعطيل مصالح المتعاقدين،ثم أليس الإبقاء على خطاب القاضي المكلف بالتوثيق تعطيل لإرادة واضعي ميثاق إصلاح منظومة العدالة ورغبتهم في تعزيز استقلالية المهن القانونية والقضائية، ومن ثم تجاهل الإرادة الملكية التي زكت الميثاق المذكور وواضعيه؟في حين تم تحرير الموثق وفق قانون 32.09من أي خطاب واعتبار وثيقته رسمية ابتداء من توقيعه عليها بعد توقيع أطراف العقد، وفي هذا ولا ريب ضرب لمبدأ المساواة أمام القانون المشار إليه في التوجه 12 المذكور أعلاه. ثم على فرض الإبقاء على هذا الخطاب، لماذا لم يتم تحميل القاضي المكلف بالتوثيق المسؤولية على غرار العدول، التزاما بالمبدأ الدستوري المتعلق بربط المسؤولية بالمحاسبة المنصوص عليه في الفصل 01 من الدستور؟. إن الوثيقة العدلية لها ارتباطات كثيرة بمجموعة من الإدارات والمرافق داخل المغرب أو خارجه، ومن أهم اهتمامات المتعاقد الحصول عليها وقت التعاقد، لاسيما إذا تعلقت بعقد زواج أو طلاق الجالية المغربية المقيمة بالخارج، أو عقود تفويت العقارات لاسيما المحفظة والتي لها صلة بآجال محددة في ظهير التحفيظ العقاري، نظرا لأن الرسم العقاري تطرأ عليه تغييرات كثيرة في لمح البصر، مما قد يلحق ضررا فادحا بالمتعاقد إذا انتظر خطابا لا يزيد للوثيقة شيئا يعتبر، فيتعين والحال ما ذكر، تحرير العدل من خطاب القاضي المكلف بالتوثيق، لأنه هو من يتحمل المسؤولية كغيره من المهنيين عن جميع الأعمال الصادرة عنه. كما أن خطاب القاضي المكلف بالتوثيق، سيعيق لا محالة كل إصلاح يهم ورش الرقمنة، لاسيما التوقيع الالكتروني والتبادل الالكتروني بين العدولوالمرافق ذات الصلة بعملهم، كالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية. وعلاقة بالإرادة الملكية السامية، فقد جاء في خطاب آخر للملك محمد السادس بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة بتاريخ 12/10/2018: "لذا قررنا تكليف لجنة خاصة، مهمتها تجميع المساهمات، وترتيبها وهيكلتها، وبلورة خلاصاتها، في إطار منظور استراتيجي شامل ومندمج، على أن ترفع إلى نظرنا السامي، مشروع النموذج التنموي الجديد، مع تحديد الأهداف المرسومة له، وروافد التغيير المقترحة، وكذا سبل تنزيله". انتهى النطق الملكي السامي". وقد انتهت اللجنة الخاصة السنة الفارطة، من إعداد مشروع النموذج التنموي الجديد، والذي خصص حيزا هاما لإصلاح المهن القانونية والقضائية، حيث جاء في المشروع المذكور: "كما يجب تعزيز كفاءات القضاة ومساعدي القضاء والعمل على توافقها مع التطور الذي يعرفه المجتمع" انتهى. فعلى إثر التطور الذي يعرفه المجتمع، أصبحت السرعة والنجاعة والرقمنة تفرض نفسها، ولا مجال لتعقيد المساطر والإجراءات، والتضييق على الوثيقة العدلية بجعل رسميتها تتوقف على ثلاث مهنيين، عدلين وقاض مكلف بالتوثيق. ويحق لنا التساؤل كذلك في ضوء ما سقناه من تقرير لجنة النموذج التنموي أعلاه؛ كيف يمكن تعزيز كفاءة مساعدي القضاء ومنهم من سيلج مهنة التوثيق العدلي كالنساخ، مع أن مشروع القانونأعفاهم من المباراة، وكذا من تكوين أساسي معقول المدة، ما دام مشروع قانون التوثيق العدلي في المادة 186،أوجب عليهم فقط قضاء فترة تمرين مدتها ثلاثة أشهر بمكتب عدلي؟ ألم يستحضر واضعوا المشروع أن عددا لا يستهان به من النساخ غير حاصلين على شهادات جامعية؟ بل الأدهى والأمر أنهجاء في تقرير للسلطة الحكومية المكلفة بالعدل بعنوان: تقرير تركيبي حول مهنة النساخة، أن 175من النساخ غير حاصلين على شهادة الباكالوريا، و 72 منهم بدون أي مستوى تعليمي[5]، و 341 منهم حاصلون على شهادة دبلوم الدراسات الجامعيةBAC+2. إنه لأمر مؤسف حقا أن يتم استبعاد جميع المرجعيات والتعامل مع مهنة قانونية بهذه العشوائية، هذا دون أن ننسى أن ميثاق إصلاح منظومة العدالة جعل من أهدافه الرئيسية، الهدف الخامس، والمتعلق بإنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة، من خلال تحسين شروط الولوج إلى المهن القانونية والقضائية والقانونية، وضمان جودة التكوين الأساسي. ثم إننا نسجل استغرابنا من حرمان السادة العدول من فتح حساب لهم بصندوق الإيداع والتدبير، مع أن الهدف الفرعي السابع من ميثاق إصلاح منظومة العدالة، الذي يهم إنماء القدرات المؤسسية لمنظومة العدالة يحث على دعم الثقة في المهن القضائية والقانونية، كما أن التوصية 172 من الميثاق المذكور، تؤكد على تعزيز الضمانات الممنوحة للمتعاملين مع المهن القضائية والقانونية بالنص عليها في صلب القوانين المنظمة لهذه المهن. فبناء على التوصية 172 أعلاه، أليس من الضمانات الواجب منحها للمتعاملين مع السادة العدول إحداث حساب للودائع خاص بهم، بهدف تحصين الأموال والقيم التي يتم إيداعها لديهم، وإحاطتها بالضمانات الكفيلة بمناسبة صرفها لفائدتهم ؟ ما هي المسوغات المنطقية والقانونية التي تحصر الاستفادة من الحساب المذكور في الموثقين فقط وفق المادة 33 من القانون 32.09؟ ثانيا: ملاءمة قانون التوثيق العدلي مع الالتزامات الدولية للمملكة: إن ملاءمة النص القانوني للالتزامات الدولية، يعد من أهم المداخل لجودة التشريع، وقد أعطى المشرع الدستوري للالتزامات الدولية مكانة رفيعة المستوى في المنظومة التشريعية، حيث بموجب تصدير الدستور، التزمت المملكة بجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه هذه المصادقة. وعلاقة بمشروع مهنة التوثيق العدلي والالتزامات الدولية للمملكة، ونظرا إلى أن ولوج المرأة مهنة التوثيق العدلي يعد حدثا هاما، وسعيا دستوريا للدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء[6]، فإنه لا يمكن التغاضي عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[7]، وحسبنا هنا الإشارة للمادة 11 منها حيث ورد فيها أنه " تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة، نفس الحقوق. ولا سيما … الحق في حرية اختيار المهنة ونوع العمل. وكذا المادة 3 التي تحث الدول على اتخاذ كل التدابير في جميع الميادين، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، بما في ذلك التشريعي منها، لكفالة تطور المرأة وتقدمها الكاملين، وذلك لتضمن لها ممارسة حقوق الانسان والحريات الأساسية والتمتع بها على أساس المساواة مع الرجل. لكن؛ بناء على مشروع قانون التوثيق العدلي، هل المرأة العدل التي لها صلاحية توثيق العقود الرسمية، متساوية مع المرأة الموثقةوالرجل الموثق الخاضعين للقانون 32.09، ونعني هنا، المساواة من حيث شروط الولوج للمهنة وتسمية المهنة، والتكوين، وكيفية التعيين، والاختصاصات وآليات وطريقة الاشتغال، والاستقلالية، والأتعاب؟ ثالثا: احترام الحقوق المكتسبة دعامة أساسيةلجودة التشريع: من الملفت للنظر أن مشروع قانون مهنة العدول قام بنسخ القانون 16.03 بما في ذلك ديباجة هذا القانون، والتي نعتبرها (أي الديباجة) من الحقوق المكتسبة للسادة العدول. والديباجة هي ما يعرضه المشرع في صدارة القانون، يوضح بموجبه الأهداف التي سوف يحققها القانون في الواقع العملي[8]،وهي مُهمة من الناحية الوظيفية، فلقد كتب القاضي جوزيف سطوري في كتابه المعنون "تعليقات على دستور الولاياتالمتحدة" عن الديباجة،"أنهدفها الحقيقي هو شرح طبيعة ومدى وتطبيق الصلاحيات المخولة فعليا بموجب الدستور"[9]. ويقول الفقيه القانوني بول جوفر في مقال له بعنوان: الأهمية القانونية للديباجية: "يجب قراءة الديباجة كجزء من التشريع، فالديباجة تساعد في شرح مضمون وموضوع هذا التشريع"[10]كما يرى كينت رواش أنه "ليس جميع القوانين تحتاج لديباجة،بل فقط القوانين الأكثر أهمية أو ذات القداسة"[11]. قلت: إن قول كينت رواش لا يسعنا تكذيبه، فدستور المملكة الذي يسمو على ما عداه من التشريعات، جعل له المشرع الدستوري ديباجة أطلق عليها عبارة "تصدير"، بل وجعل هذا التصدير جزءا لا يتجزأ من الدستور. أما بخصوص ديباجة قانون التوثيق العدلي الحالي، فإن اختيار المشرع جَعْلَ ديباجة خاصة بهليس من باب العبث، بل كان شيئا جديرا بالاهتمام به، والديباجة خير شاهد ومجيب، حيث تطرقت لأدوار هاته المهنة، ومكانتها الرفيعة لدى النخبة من المجتمع المغربي، والاهتمام الخاص والاعتبار الذي أولاه لها ملوك الأمة وأمراؤها. إلا أن ما أحببت الوقوف عنده بشدة، هو أن الديباجة نصت بشكل جلي، على الهدف الأساسي لمهنة التوثيق العدلي في السطر الثاني، هذا الهدف الذي هو "توثيق الحقوق والمعاملات" بل أكدت الديباجة على دور قانون التوثيق العدلي معتبرة أنه "رسخ عدة اجتهادات في مجال التوثيق". فلماذا يصر واضعوا مشروع قانون التوثيق العدلي على نسف هاته الحقوق المكتسبة التي تلقاها السادة العدول بفخر واعتزاز، والتنكر لاختصاص السادة العدول والذي هو التوثيق، وتحريف عنوان القانون بجعله قانون مهنة العدول بدل قانون التوثيق العدلي؟ فهاته الحقوق التي تتجلى في الاعتراف بهدف المهنة واختصاصها الأصيل، ثابتة بموجب الديباجة المذكورة كما وضحناه أعلاه، وثابتة كذلك بمقتضى التشريع، ونعني به هنا المرسوم التطبيقي رقم 2.08.378 القاضي بتطبيق أحكام القانون رقم 16.03 المتعلق بخطة العدالة، والذي جاء في المادة 09 منه أن العدل المتمرن يقضي فترة التمرين والتي تشتمل على: طور الدراسات والأشغال التطبيقية بالمعهد العالي للقضاء مدته ستة أشهر، ويرمي إلى تأهيله لمزاولة مهنة التوثيق…، ثم إن مشرع قانون 16.03 ومشروع القانون الحالي لا يزالان يحافظان على تسمية "القاضي المكلف بالتوثيق" فلماذا تنزع هاته الصفة من العدول وتنسب للقاضي مع العلم أنه لا يوثق شيئا، فقد جاء في قرار لمحكمة النقض عدد 1458 بتاريخ 22/04/2009 ملف عدد 1797/1/3/2008 ما يلي: "إذا كان من اختصاص قاضي التوثيق المخاطبة على الرسوم التي يتلقاها ويحررها العدول حتى تكتسب الصبغة الرسمية، فإن ذلك لا يعني أنه يمكنه تلقي الاتفاقات وتحرير الشهادات والإشهادات كالعدول. والجدير بالذكر أن المادة 13 من مدونة الأسرة، وهي تسرد شروط عقد الزواج، نصت بصريح العبارة على الشرط 04 والذي هو: سماع العدلين التصريح بالإيجاب والقبول من الزوجين وتوثيقه. ومصطلح "التوثيق العدلي" درج كبار القضاة المعاصرين بالمملكة المغربية على استعماله، فقد جاء في كلمة للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الرئيس الأول لمحكمة النقض سابقا،الأستاذ الفاضل مصطفى فارس، بمناسبة ملتقىوطني،تحت شعار:" مسار مهنة التوثيق بين مطالب التجديد وأسئلة المرحلة " يومه 25/04/2019، ما يلي: "لا يحتاج المقام إلى التذكير بأهمية ومركزية التوثيق العدلي في بناء العدالة الوقائية وتكريس الأمن التوثيقي الذي هو ركن أصيل في تحقيق الأمن القضائي ببلادنا" . ومن ضمن كلمته أيضا في نفس اللقاء: "والتوثيق العدلي كان دائما يؤدي أدوارا طلائعية وريادية من خلال حفظ الحقوق وإثبات الالتزامات، وتحضير وسائل الإثبات التي ستعرض على القضاء، وفي حفظ أعراض الناس وأنسابهم وتحصيل الموارد وضبط الواجبات، وتنوير المواطنين بالاستشارة والفتوى في شتى المناحي والمجالات وفي كل مناطق المغرب". بل وأكد على هاته التسمية وربطها بلفظ "مهنة" قائلا: "لا يخفى على كريم علمكم، أنه لا إصلاح للعدالة إلا بإصلاح المهن القضائية وتطويرها، ومنها مهنة التوثيق العدلي". وزيادة في التنوير، وجب الإشارة إلى قرار حديث لمحكمة النقض، عدد 257 بتاريخ 13/06/2020 ملف مدني عدد 6536/1/4/2018، ورد فيه ما يلي: "من المقرر أن الاجمال في الشهادة من العدل المبرز عامل من غير استفسار، ومن غيره يرفع بالاستفصال، كما هو مقرر في فقه التوثيق…" إننا ندعو المشرع إلى الإبقاء على الديباجة المضمنة في فحوى القانون 16.03، بل وتجويدها، والنص صراحة على أن التوثيق العدلي دعامة أساسية في تأمين العلاقات القانونية، والحفاظ على المصالح المالية والاقتصادية، والتأكيد أنالعدول الموثقين هم حاملوا لواء الأمن التعاقدي، والتوثيقي، والعقاري، والأسري، وتبيان أدوارهم الطلائعية في تشجيع الاستثمار وتحقيق التنمية. ونوصي كذلك بجعل ديباجة قانون التوثيق العدلي جزءا لا يتجزأ من هذا القانون. كما ندعو المشرع إلى التحلي بالضمير المسؤول وهو يصوغ قانون التوثيق العدلي، هذا الضمير، الذي قال عنه الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 14 لعيد العرش: «ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح، وما عبأنا له من نصوص تنظيمية، وآليات فعالة، فسيظل "الضمير المسؤول" للفاعلين فيه، هو المحك الحقيقي لإصلاحه، بل وقوام نجاح هذا القطاع برمته". المراجع المعتمدة حسب تسلسلها في الدراسة: المراجع باللغة العربية: * سيف الدين احمطوش، آليات تعزيز جودة التشريع، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص في القانون والممارسة القضائية، تحت إشراف الدكتور فاتحة مشماشي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، جامعة محمد الخامس، السنة الدراسية 2017/2018. * مجلس النواب، جودة التشريع ودورها في تحقيق الأمن القانوني، سلسلة الأوراق البحثية الموجزة، عدد 01/2020، دار أبي رقراق للطباعة والنشر. * عمر عبد الله، الرقابة على دستورية القوانين، دراسة مقارنة، مجلة جامعة دمشق، المجلد 17، العدد 02، 2001. * الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي، المجلس الدستوري، مطبعة الأمنية الرباط، 2015. * مضامين الندوة الجهوية الثانية بمدينة الدارالبيضاء حول: الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة حول موضوع "تأهيل المهن القضائية" والذي تضمن تقارير عدة بشأن وضعية المهن القانونية والقضائية، ومنها: تقرير تركيبي بشأن مهنة النساخة، أنظر الموقع الالكتروني للمعهد العالي للقضاء:http://www.ism.ma/. * ماجد صبحي، دليل جمهورية مصر العربية لإعداد وصياغة مشروعات القوانين، وزارة العدل بجمهورية مصر العربية، الإصدار 01 يوليوز 2018. * روبرت لونغلي، أهمية الديباجة لدستور الولاياتالمتحدة، أنظر الموقع الالكتروني eferrit.com * القانون 16.03 المتعلق بخطة العدالة. * المرسوم رقم 2.08.378 القاضي بتطبيق أحكام القانون 16.03. * القانون 32.09 المتعلق بمهنة التوثيق. * القانون 70.03 المتعلق بمدونة الأسرة. المراجع باللغة الإنجليزية: * Paul joffe, legalsignificance of the preamble (january 24, 2021) p 01 http://www.afn.ca/ * Kent roach, the uses and audiences of preambles in legislation, p 140, https://lawjournal.mcgill.ca/ [1]سيف الدين احمطوش، آليات تعزيز جودة التشريع، رسالة لنيل دبلوم الماستر المتخصص في القانون والممارسة القضائية، تحت إشراف الدكتور فاتحة مشماشي، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، جامعة محمد الخامس، السنة الدراسية 2017/2018 ص 04 [2]مجلس النواب، جودة التشريع ودورها في تحقيق الأمن القانوني، سلسلة الأوراق البحثية الموجزة، عدد 01/2020، دار أبي رقراق للطباعة والنشر، ص 28 وما يليها [3]عمر عبد الله، الرقابة على دستورية القوانين، دراسة مقارنة، مجلة جامعة دمشق، المجلد 17، العدد 02، 2001، ص 02 [4]الجامع لمبادئ وقواعد القضاء الدستوري المغربي، المجلس الدستوري، مطبعة الأمنية الرباط، 2015 ص 11 [5]مضامين الندوة الجهوية الثانية بمدينة الدارالبيضاء حول: الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة حول موضوع "تأهيل المهن القضائية" والذي تضمن تقارير عدة بشأن وضعية المهن القانونية والقضائية، ومنها: تقرير تركيبي بشأن مهنة النساخة، أنظر الموقع الالكتروني للمعهد العالي للقضاء:http://www.ism.ma/ [6]تنص الفقرة الثانية من الفصل 19 من دستور المملكة المغربية على ما يلي: تسعى الدولة إلى تحقيق مبدأ المناصفة بين الرجال والنساء. [7]صادق المغرب على هذه الاتفاقية في 14 يونيو سنة 1993 ودخلت حيز النفاذ وطنيا في 21 يوليوز 1993. [8]ماجد صبحي، دليل جمهورية مصر العربية لإعداد وصياغة مشروعات القوانين، وزارة العدل بجمهورية مصر العربية، الإصدار 01 يوليوز 2018، ص 39 [9]روبرت لونغلي، أهمية الديباجة لدستور الولاياتالمتحدة، أنظر الموقع الالكترونيwww.eferrit.com [10]Paul joffe, legalsignificance of the preamble (january 24, 2021) p 01 http://www.afn.ca/ [11]Kent roach, the uses and audiences of preambles in legislation, p 140, https://lawjournal.mcgill.ca/