جددت قضيةُ القدس الراهنة التنبيه على ظاهرة من الظواهر المرَضية في مواقع التواصل، وهي وجود تلك الفئة التي تسمي نفسها "فئة المؤثرين influencers"، وهم قوم لديهم عدد كبير من المتابعين، لكنهم يخافون من ضياع هؤلاء المتابعين أشد من خوف الأم من ضياع ولدها! ولأجل هذا الخوف فإنهم يتجنبون المواقف المبدئية الفاصلة؛ ولا يدخلون في خلاف، فإن دخلوا استعملوا لغة الخشب التي ترضي الجميع؛ ولا ينكرون على عوام الناس توجهاتهم الفكرية السائدة؛ ولا يغضبون الحكام ولا الجماهير ولا إدارات مواقع التواصل؛ ويتقنون فن الرقص على حبلين بل على حبال كثيرة.. هم إذن قوم يحسنون ركوب أمواج الجماهير، لا حقيقة التأثير الرسالي، المنضبط في غاياته وأصول عمله! لذلك أسميهم "مركمجين" لا "مؤثرين": (Surfers not influencers) -المؤثر الحقيقي عبر التاريخ – ولم يتغير ذلك اليوم قيد أنملة -: هو الذي ينتج الأفكار، ويخوض صراعاتها، والذي يضيف لبنة إلى معمار الوعي المجتمعي العام، والذي يقارع الأفكار الزائفة ولو تبناها أغلب الناس، والذي لا يتهيب أن يتبنى مواقف واضحة في قضايا هويته وأمته.. -أيها "المؤثرون": سينساكم التاريخ حين ينتهي دوركم الذي رسمته لكم الثقافة المهيمنة، وحدد لكم السوقُ معالمَه.. سينساكم التاريخ إذا لم تحملوا هم أمتكم، ولم تستعملوا حساباتكم في نصرة قضاياها، وعلى رأسها قضية المسجد الأقصى.. أيها "المؤثرون": هذه فرصتكم فاغتنموها.. تنبيه: هل أحتاج – عزيزي القارئ – إلى التذكير بأنني لا أعمم، وأن من "المؤثرين" أناسا يحملون رسالة شريفة واضحة، وينافحون عنها؟