الأربعاء 30 شتنبر 2015 أسوق اليكم أحبابي هذه القصة، وهي قصة حدثت بين مجموعة من كبار العلماء وهم العلامة محمد بن إبراهيم وشيخنا العلامة ابن باز مع العلامة محمد حامد الفقي، تبين أهمية (خبر الثقة) ووجوب التثبت حتى لا نظلم غيرنا، وحتى لا يصبح تصنيف الناس هواية يتسلقها من لا علم له ولا أدب. القصة وقعت للعلامة المصري محمد حامد الفقي مؤسس جماعة أنصار السنة ت.1378 هجري 1959م. أرجو قراءتها بتؤدة وروية مع أخذ العبر والعظات منها. قال رحمه الله: «عجيبةٌ! * تلك أَنِّي حين وصلتُ إلى مكةالمكرمة -في حَجَّتي الأخيرة-: لقيتُ سماحةَ مفتي (المملكة السعودية) -الأكبر-، وعالمها الجليل الأفضل الشيخ محمد بن إبراهيم -للسلام عليه-، وما كدتُ أضعُ يدي في يده؛ حتى قال لي: أحقّاً ما أخبرني عنك (فلانٌ) -الذي كان بمصر قُبيل الحج-؟ قلت: وما هو؟ قال: يقول: إنك قلتَ على المنبر -يوم الجمعة-: (إن القرآن ليس كلام الله، وإنما هو كلام محمد صلى الله عليه وسلم)!! فخُيّل لي أن الأرض تَميدُ بي، وتَتَزلزل زلزلةً عنيفةً!! وكان حاضراً بالمجلس فضيلةُ الشيخ عبد العزيز بن باز المدرِّس بالمعهد العلمي -بالرياض-، فقال هو -أيضا-: وأنا -كذلك- قد قال لي (فلانٌ) هذه المقالةَ. فازدادتِ الأرضُ مَيْداً وزلزلةً، وكاد يُغمى علي! لا مِن فظاعة التُّهَمة -فحسب-؛ ولكن: من أن تكونَ هذه الجريمةُ من هذا (الفلان!)- الذي كنت أُحَسِّن به الظن! وأعتقد في شيخوخته الوَقَار، وفي دعواه نشرَ السلفيّةِ ما يمنعُه أن يفتريَ هذه الفِرْيةَ القذرةَ على مَن كان بمصر مُلازماً له مُلازَمةَ ظلِّه، لا يكادُ يُفارقُه!!! فَحِرْتُ: ماذا أُجيب هذين الشيخينِ الجليلينِ الصادقينِ!! وسألتُهما (مستثبتاً)، فأكَّدَا القولَ! فسألتُهما: وماذا كان وقعُ هذه الكلمةِ في نفسيكما؟! فقالا: لقد استنكرناها كُلَّ الاستنكار، وسألْنا (فُلاناً): هل سمعتَ منه هذا بأُذُنك؟! فقال: لا؛ إنما نُقل إلي بالتواتر! فقلنا له: كم واحداً أخبرك؟! وما أسماؤهم؟! فقال: كثيرٌ. ولم يذكُر واحداً من أولئك الكثير! فازداد استنكارُنا لهذه المقالة، وَحَمَلْنَا الأمرَ على أنَّ هذا (الفُلان!) -الناقل- ربما لحقه مِن آثار الشيخوخةِ ما يُعذر به! فقلتُ لهما: إنَّ دَفْعَ هذه الفرية القذِرة إنما يكونُ: باحتقارها، واحتقار مُفتريها، أو ناقلها، وسيلقى جزاءه العادلَ -يومَ يقومُ الناسُ لربّ العالمين-. وإن مَن ديدَنَه -طولَ وقته وحياته- في الدعوة إلى الإيمان، والقرآن والسنة، ومَن تقومُ دعوتُه ودروسُه ومحاضراتُه وخُطَبه كلُّها -على القرآن-: لن يَقبل أيُّ إنسانٍ عنده عقلٌ أن تحومَ حولَه شبهةُ الشكِّ؛ فضلاً عن هذه الفرية القذرة!! وحسبي الله ونِعم الوكيل. ثم لقيتُ هذا (الفُلان!)… وسألتُه: أنت نقلتَ عنِّي للشيخين هذه المقالةَ!؟ فقال: نعم. فقلتُ له: أسمعتَها منِّي؟! قال: لا، ولكنّها نُقلت إليّ. فقلت له: أَمَا كان الأَوْلى أن تسألَني عنها، أو تنصحَني -بصفتك مسلماً-؟! فسكتَ.. فقلت له: ألم أكن مُلازماً لك إلى أن ركبتُ الطائرةَ إلى جُدّة؟! فقال: نعم.. فقلتُ له: ومع ذلك لم تُفاتِحْني في هذه المقالةِ السُّوء حتى جئتَ تُفْشي بها للشيخين؟! أَوْلى لك -ثم أَوْلى- أن تستغفرَ الله، وتتوبَ إليه من هذه الخَصْلة التي لا تنبغي لمسلم، ولا تليقُ به. ولو كنتَ حريصاً على القرآن، وتخافُ أن يَشُكَّ فيه الناسُ: لكان الأجدرُ بك أن تنصحَني، أو تحضُرَ إلى المسجد، أو إلى دار الجماعة، وتقومَ بنصيحتي! لكنّك لم تفعل شيئاً من ذلك! ممّا يدلُّ على سوء نيَّتك، أو شدّة غفلتك! وحسبي الله ونعم الوكيل. وأُشْهِدُ الله أنّك تعمّدتَ إشاعةَ الكفر عني، وإنِّي أبرأُ إلى الله من ذلك. وأُشْهِدُ الله أني آمنتُ بكتابه الذي أنزله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}: إيماناً ذاق قلبي -بحمد الله- حلاوتَه، وأنَّ مَن شكَّ في كلمةٍ، أو حرفٍ -منه-؛ فقد برئ من الإسلام، وبرئ الإسلامُ منه. وأعوذُ بالله من السوء وقولِه، ومِن الوشاية والواشين. واللهَ أسألُه أن يجعلَني من عباده المؤمنين؛ الذين يُدافعُ عنهم، وأن يُثَبِّتَني {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} -إنه نِعم المولى ونِعم النصير، ونِعم الحسيب والرقيب الشهيد-. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله -أجمعين-. وكتبه: فقيرُ عفو الله ورحمته: محمد حامد الفقي. المصدر: [«مجلة الهدي النبوي»؛ العدد الثالث: لعام 1374 ه؛ مقال: "تفسير القرآن الحكيم"؛ (ص:13-14)] قال محبكم حميد العقرة أرجو من أحبابي التعليق بما يستفاد من القصة حفظكم ربي.