عبد النباوي: الذكاء الاصطناعي يفرض تحولات عميقة على استقلال القضاء    انعقاد مجلس الحكومة يوم الخميس المقبل    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يترأس بمكناس افتتاح الدورة ال17 للملتقى الدولي للفلاحة    "كان صديقا مخلصا للشعب الفلسطيني".. تعاز عربية ودولية بوفاة البابا فرنسيس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء    مهنيو النقل الطرقي يستنكرون "احتكار" المحروقات ويطالبون مجلس المنافسة بالتحرك    أقصبي: الدولة سمحت باستنزاف الفرشة المائية لصالح نموذج فلاحي موجه للتصدير    "ترانسبرانسي" تدعو للتحقيق في الاختراق السيبيراني وفي دعم الماشية وترفض الهدم التعسفي للمنازل    تنديد حقوقي بالتضييق على مسيرتين شعبيتين بالدار البيضاء وطنجة رفضا لاستقبال "سفن الإبادة"    الرباط تحتضن منافسات كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم داخل القاعة للسيدات    تحقيقات فساد وصراع سياسي يهددان ملف إسبانيا لتنظيم مونديال 2030    الملك محمد السادس يعزي في وفاة قداسة البابا فرانسوا الأول    رحيل المطرب والملحن محسن جمال    تكريم الدراسات الأمازيغية في شخص عبد الله بونفور    المغرب يحتفل بالأسبوع العالمي للتلقيح تحت شعار:"أطفالنا كانبغيوهم، بالتلقيح نحميوهم"    الشعباني: المباراة ضد شباب قسنطينة الجزائري "مرجعية" لما تبقى من المنافسة    المغرب يقود تحولاً صحياً شاملاً: تنزيل مشروع ملكي نال اعترافاً دولياً    العثور على بقايا أطراف بشرية في دورة مياه مسجد    نهضة بركان وجمهورها يُلقّنان إعلام النظام الجزائري درساً في الرياضة والأخلاق    نزيف التعليم    الوزير برادة: نتائج مؤسسات الريادة ضمانة استمرار الإصلاح التربوي بعد 2026    رئيس الجمعية المغربية لحماية الحيوانات ل "رسالة24" : الكلاب في الشارع ضحايا الإهمال… لا مصدر خطر    اندلاع حريق في "جبل خردة" يغطي مدينة ألمانية بالدخان    نهضة بركان تصدم الإعلام الجزائري    تحسينات جديدة في صبيب الإنترنت تفتح النقاش.. لماذا تبقى الأسعار مرتفعة في المغرب؟    فاس... مدينةٌ تنامُ على إيقاع السّكينة    المعارض الدوليّة للكتاب تطرح اشكالية النشر والقراءة..    شريط "سينرز" يتصدر عائدات السينما في أمريكا الشمالية    وزير الدفاع الأمريكي يقدم معلومات سرية في "دردشة"    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الإثنين    بعد ‬تحذير ‬البنوك ‬من ‬محاولات ‬التصيد ‬الاحتيالي..‬    الغضب يتصاعد .. موظفون يشعلون نيران الاحتجاج أمام البرلمان    أنشيلوتي يبعث برسالة للجماهير : ما زلنا نؤمن بالحلم    الذهب يلامس أعلى مستوى له في ظل تراجع الدولار    وفاة الفنان المغربي محسن جمال بعد صراع مع المرض    وفاة محسن جمال واحد من رواد الأغنية المغربية    كيوسك الإثنين | الداخلية تطلق ورشا ضخما لرقمنة "الحالة المدنية"    بكلمات مؤثرة.. هكذا ودع زعماء وساسة العالم البابا فرانسيس    الريسوني.. عندما تتحول معاداة الصهيونية إلى معاداة مغلفة للسامية...!    تنفيذا لوصيته.. البابا فرنسيس يختار مكان دفنه بعيدا عن تقاليد الفاتيكان    وفاة حارس المرمى الأرجنتيني "المجنون" هوغو غاتي عن عمر ناهز 80 عاما    نهضة بركان يضع قدما في النهائي بتغلبه على النادي القسنطيني الجزائري    تراجع أسعار النفط بأكثر من واحد بالمئة في التعاملات الآسيوية المبكرة    الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس غداة ظهوره في عيد الفصح    الأساتذة المبرزون يضربون للمطالبة بالنظام الأساسي    شاب يُنهي حياته شنقاً داخل منزل أسرته بطنجة    نحو سدس الأراضي الزراعية في العالم ملوثة بمعادن سامة (دراسة)    دراسة: تقنيات الاسترخاء تسمح بخفض ضغط الدم المرتفع    الفاتيكان يعلن وفاة البابا فرنسيس    الزاهي يفتح أسئلة القراءة في متون السوسيولوجي عبد الكريم الخطيبي    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتح القسطنطينية الصفحة الأخيرة
نشر في هوية بريس يوم 31 - 07 - 2015


الجمعة 31 يوليوز 2015
(ها أنذا أموت، ولكني غير آسف لأني تاركًا خلفًا مثلك. كن عادلًا صالحًا رحيمًا، وأبسط على الرعية حمايتك بدون تمييز، وأعمل على نشر الدين الإسلامي، فإن هذا هو واجب الملوك على الأرض).
* هي مطلع وصية السلطان محمد الفاتح، الذي حقق الله على يديه حلم فتح القسطنطينية، ذلك الحلم الذي ملأ قلوب قادة المسلمين العظام من عهد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يسعى لنيل هذا الشرف.
* فأتى ذلك البطل الفذ، ليتحقق على يديه الوعد النبوي بفتح هذه المدينة العريقة العتيدة، ومنذ نعومة أظفاره كان يُمني نفسه بأن يكون هو الرجل، فيجلس على شاطئ البحر، وعينه تمتد عبر صفحة المياه، إلى حيث القسطنطينية، وبجواره شيخه ينفث في عزمه، ويسرد على سمعه الحديث النبوي: (لتُفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش).
* كل الناس يموتون، لكن العظماء تفيض أرواحهم، لتسري أقوالهم وأفعالهم في نهر التاريخ، تتناقلها الأجيال تلو الأجيال.
هذا البطل كان عظيما في الحياة وعظيما في الممات، عُمريُّ العزم، همّته التي طاولت النجم بسموّها، رافقته من المهد إلى اللحد.
جاءت اللحظات الأخيرة لهذا الفارس بعد حياة حافلة بالنزال والنضال، ليطلق على فراش الموت وصيته الأخيرة لولده، والتي تمثل ملامح منهجه في الحكم والقيادة، ويظهر فيه عظم انتمائه لدينه، وصفاته القيادية وحنكته وخبرته بما يصلح المُلك.
* فدعونا نطالع تلك الوصية لهذا القائد العظيم، والتي ينبغي أن تكون نبراسا لكل حاكم مسلم:
"قدّم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء، ولا تفتر في المواظبة عليه، ولا تستخدم الأشخاص الذين لا يهتمون بأمر الدين، ولا يجتنبون الكبائر وينغمسون في الفحش، وجانب البدع المفسدة، وباعد الذين يحرضونك عليها.
وسّع رقعة البلاد بالجهاد واحرس أموال بيت المال من أن تتبدد، إياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الإسلام، واضمن للمعوزين قوتهم، وابذل إكرامك للمستحقين.
وبما أن العلماء هم بمثابة القوة المبثوثة في جسم الدولة، فعظّم جانبهم وشجّعهم، واذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال.
حذار حذار لا يغرنك المال ولا الجند، وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك، وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحكام الشريعة، فان الدين غايتنا، والهداية منهجنا وبذلك انتصرنا.
خذ مني هذه العبرة: حضرت هذه البلاد كنملة صغيرة، فأعطاني الله تعالى هذه النعم الجليلة، فالزم مسلكي، وأحذ حذوي، واعمل على تعزيز هذا الدين وتوقير أهله ولا تصرف أموال الدولة في ترف أو لهو أو أكثر من قدر اللزوم فإن ذلك من أعظم أسباب الهلاك".
ففي وصية الفاتح تقديم الاهتمام بالدين على كل أمر، مؤكدا على أهمية الهوية الإسلامية، فلا قوام للمسلمين إلا بها، ومن يتنكر لها انقطع عنه المدد من فوق السماء.
هي الهوية التي لا عزة لنا إلا بالتمسك بها، كما قال الفاروق عمر: "كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
وفي وصية الفاتح تقديم الحاكم بطانة صالحة وتنقية القصر من شوائب المغرضين، وما أكثر هؤلاء حول حكام أمتي.
ولكن لن يعبأ بهذا إلا من صدق في عزمه وإخلاصه لدينه وبلاده، فيهتم بتطهير مؤسسات الدولة من أصحاب الأهواء والأجندات الخاصة، والذين يعبثون بمقدرات البلاد من خلال البلاط الملكي، وعزّة الله هي الخطوة الأولى لكل حاكم يبتغي الإصلاح وتصحيح المسار، أن يُقدّم الأكفياء من القوم، ويستبعد تلك الأشواك.
وفي وصية الفاتح تقديم العلماء وأهل الفضل، فهؤلاء هم الذين يشدّون قوائم الملك، وما قدم ملك أو حاكم تلك الشريحة إلا وانعكس أثرها على شؤون البلاد بأسرها.
لذا كان قادة الإسلام العظام من ورائهم علماء ثقات يفرزون قراراتهم السياسية ويضبطونها وفق مبادئ الإسلام وتعاليمه.
عرف صلاح الدين الأيوبي بشيخه القاضي شداد.
وعرف سيف الدين قطز بشيخه العز بن عبد السلام.
وعرف محمد الفاتح بشيخه آق شمس الدين.
وفي وصية الفاتح الأمر بإقامة العدل بين الناس، فالعدل هو أساس الملك، ولذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.
* إنها دعوة لملوك وحُكام أمتنا، أنتم لا تحكمون قطعانا، لقد قلدكم الله أمانة القيام بحق هذه الشعوب، اقتربوا منها ولا تخافوا، أزيلوا الحواجز، سوف تحمي هذه الشعوب ملككم، فقط سيروا بالعدل بين رعاياكم.
التمسوا الأمن والأمان وثبات الملك في شعوبكم لا بين أحضان الشرق والغرب والأحمر والأصفر، لكن ذلك لن يتأتى إلا بوجود العدل، العدل وحده هو الذي يقرب بين الحاكم والمحكوم، بين الجماهير والأنظمة.
وفي وصية الفاتح الحث على صيانة أموال الدولة، ألا فليعلم كل ملك أو حاكم، أن البلاد ومقدراتها ليست ملكا له، إنما هو حارس لها وأمين عليها.
كفاكم تجويعا للشعوب التي أوشكت على أن تأكلكم، كفاكم نهبا لثروات البلاد، عيشوا ودعوا الناس يعيشون، ماذا ينتظر حاكم يجوع شعبه ويضنيه، ويشغله بحرب ضروس وصراعات مع الحياة من أجل رغيف خبز؟
لا نطالبكم بأن تكونوا مثل عمر الذي كان يرقع ثيابه وهو أمير المؤمنين في المشارق والمغارب، وإنما نطالبكم فقط بأن ترحموا شعوبكم، وتصونوا أموالهم ومقدراتهم.
* وفاة الفاتح.. عيد ومأتم
كان لوفاة ذلك القائد العظيم أثر عظيم على العالم بأسره، ففي الغرب ابتهجوا وأقاموا الاحتفالات لموت محمد الفاتح.
في "رودس" قاموا بأداء صلوات الشكر ما إن علموا بموت محمد الفاتح..
وفي روما شاعت البهجة وأمر البابا بفتح الكنائس وإقامة الصلوات والاحتفالات، وجُعلت المواكب تجوب الشوارع مرددة أناشيد النصر، وأطلقت المدافع تعبيرا عن الفرح والسرور.
وأقامت أوروبا الأفراح والاحتفالات لمدة ثلاثة أيام بعد أن مات الفاتح الذي كانوا يرونه أعظم خطر عليهم.
وأما المسلمون، فكما ابتهجوا لفتح القسطنطينية، وكاتبوا السلطان يهنّئونه بالفتح، وأرسلت الوفود للتعبير عن أمة الجسد الواحد التي لا تفصلها لغة ولا حدود، كان يوم مماته مأتما، حيث فقد المسلمون قائدا عظيما، فرثاه العلماء، وحزنت الأقطار الإسلامية لفقدانه.
وكان من أثر موته على جيشه، فقد كان رجاله قد وصلوا إلى جنوب إيطاليا لفتحها، فما إن وصلهم خبر موته، حتى اغتموا لذلك، لدرجة أن قائد الجيش اضطر للدخول في مفاوضات مع ملك نابولي لكي ينسحب جيشه آمنا بعد أن دبّ فيه الضعف والهم.
تلك هي الصفحة الأخيرة في كتاب ذلك البطل المجاهد، والذي لا يزال ماثلا أمام الأجيال على مر العصور، يتبدى من ذاكرة التاريخ كلما ذُكر الجهاد والعدل والمجد، سطّرتُها هنا اليوم حتى لا ننسى قادة أمتنا العظام، وحتى نُجدّد ذكرهم على أسماع الناشئة.
رحم الله السلطان محمد الفاتح، ورزق خلفه الحالي (أردوغان) السير على منهاجه، وإلى لقاء مع صفحة أخرى من حياة محمد الفاتح وغيره من أبطال الأمّة وعظمائها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.