دراسة: 45 بالمائة من أرباب المقاولات يعتبرون أن الفساد زاد خلال العامين الماضيين    مجموعة بريد المغرب والبريد البرتغالي « CTT كوريوس» يطلقان إصداراً مشتركاً لطابعين بريديين    نسبة التضخم ترفع الأسعار في المغرب    الكاتب العام للنقابة الوطنية للبترول يرجح ارتفاع سعر الغازوال إلى 15 درهما    تساؤلات حول غياب زياش عن قائمة المنتخب الوطني    فينتربيرغ يرأس حكام مهرجان مراكش    اليونسكو: الرباط عاصمة عالمية للكتاب    "التعلم الآلي" ينال جائزة نوبل للفيزياء    الفنان هشام شبري يطلق أغنيته الجديدة «يازين السمية»    المركز السينمائي المغربي يكشف عن قائمة مشاريع الأفلام الطويلة المشاركة في مسابقة "Pitch"    الإفراط في القهوة والمشروبات المكربنة يجلب السكتة الدماغية    ذكرى 7 أكتوبر… مسيرات ووقفات بعدة مدن مغربية للمطالبة بوقف العدوان وإسقاط التطبيع (صور)    "دوكفوكس" تكشف تورط مقاولات جنوب إفريقيا في عمليات غسيل أموال    ألمانيا تجدد التأكيد على "الأهمية الكبرى" التي توليها للشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    دياز يعود للتدريبات الفردية ويستعد للعودة إلى التشكيلة    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    مجلس جماعة اكزناية يستعرض حصيلة نصف ولايته.. ويصادق بالإجماع على ميزانية 2025    دراسة: الرصاص في المنتجات الاستهلاكية يتربص بالأطفال    الرجاء البيضاوي يتفق مع البرتغالي ريكاردو سابينتوظ لتدريب الفريق خلفا لروسمير سفيكو المقال    وفاة متسابق فرنسي في "رالي المغرب"    شعبوية الرئيس تبون و سقطته الجديدة في قعر التفاهة    فلوريدا تستعد لوصول الإعصار ميلتون "الخطير للغاية"    اتفاقيات شراكة وتعاون بين جهة مراكش آسفي وكينيا لتعزيز التنمية والتبادل الخبراتي    الدار البيضاء: توقيف 4 أشخاص بتهم سرقة السيارات والتزوير واستعماله والنصب والاحتيال    القضاء الفرنسي يحدد 15 أكتوبر موعدا لإصدار قراره حول طلب الإفراج المشروط عن اللبناني جورج عبد الله    المنتخب الوطني لأقل من 20 سنة يخوض مبارتين وديتين أمام فرنسا بمركز كليرفونتين        أخنوش: ارتفاع مداخيل جماعة أكادير بنسبة 50% خلال ثلاث سنوات    بورصة الدارالبيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    وقفة احتجاجية لأرباب المخابز الأسبوع القادم بالرباط    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية    مباريات مشوقة في الجولة الثالثة من منافسات كأس التميز    ماسك يؤكد تأييد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي        إدارة سجن العرجات توضح حقيقة تعرض محمد زيان لنوبات قلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يتفوق على الدول المغاربية في البنية التحتية ويتقدم 6 درجات عالميا    قطاع الانتقال الطاقي سيحدث أزيد من 400 ألف منصب شغل بحلول سنة 2040    اختراع نبات صناعي يولد الكهرباء لشحن الهاتف    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    النفط يرتفع لأكثر من 80 دولارا للبرميل مدفوعا بالتوترات في الشرق الأوسط    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    تطوان تحيي ذكرى 7 أكتوبر بالدعوة إلى التراجع عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل    المنتدى العربي للفكر في دورته 11    تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبية، وما بعده!!    اسئلة وملاحظات على هامش قرار المحكمة الاوروبية    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    جائزة نوبل للطب تختار عالمين أمريكيين هذه السنة    جائزة كتارا تختار الروائي المغربي التهامي الوزاني شخصية العام    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاتح القسطنطينية الصفحة الأخيرة
نشر في هوية بريس يوم 31 - 07 - 2015


الجمعة 31 يوليوز 2015
(ها أنذا أموت، ولكني غير آسف لأني تاركًا خلفًا مثلك. كن عادلًا صالحًا رحيمًا، وأبسط على الرعية حمايتك بدون تمييز، وأعمل على نشر الدين الإسلامي، فإن هذا هو واجب الملوك على الأرض).
* هي مطلع وصية السلطان محمد الفاتح، الذي حقق الله على يديه حلم فتح القسطنطينية، ذلك الحلم الذي ملأ قلوب قادة المسلمين العظام من عهد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يسعى لنيل هذا الشرف.
* فأتى ذلك البطل الفذ، ليتحقق على يديه الوعد النبوي بفتح هذه المدينة العريقة العتيدة، ومنذ نعومة أظفاره كان يُمني نفسه بأن يكون هو الرجل، فيجلس على شاطئ البحر، وعينه تمتد عبر صفحة المياه، إلى حيث القسطنطينية، وبجواره شيخه ينفث في عزمه، ويسرد على سمعه الحديث النبوي: (لتُفتحن القسطنطينية ولنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش).
* كل الناس يموتون، لكن العظماء تفيض أرواحهم، لتسري أقوالهم وأفعالهم في نهر التاريخ، تتناقلها الأجيال تلو الأجيال.
هذا البطل كان عظيما في الحياة وعظيما في الممات، عُمريُّ العزم، همّته التي طاولت النجم بسموّها، رافقته من المهد إلى اللحد.
جاءت اللحظات الأخيرة لهذا الفارس بعد حياة حافلة بالنزال والنضال، ليطلق على فراش الموت وصيته الأخيرة لولده، والتي تمثل ملامح منهجه في الحكم والقيادة، ويظهر فيه عظم انتمائه لدينه، وصفاته القيادية وحنكته وخبرته بما يصلح المُلك.
* فدعونا نطالع تلك الوصية لهذا القائد العظيم، والتي ينبغي أن تكون نبراسا لكل حاكم مسلم:
"قدّم الاهتمام بأمر الدين على كل شيء، ولا تفتر في المواظبة عليه، ولا تستخدم الأشخاص الذين لا يهتمون بأمر الدين، ولا يجتنبون الكبائر وينغمسون في الفحش، وجانب البدع المفسدة، وباعد الذين يحرضونك عليها.
وسّع رقعة البلاد بالجهاد واحرس أموال بيت المال من أن تتبدد، إياك أن تمد يدك إلى مال أحد من رعيتك إلا بحق الإسلام، واضمن للمعوزين قوتهم، وابذل إكرامك للمستحقين.
وبما أن العلماء هم بمثابة القوة المبثوثة في جسم الدولة، فعظّم جانبهم وشجّعهم، واذا سمعت بأحد منهم في بلد آخر فاستقدمه إليك وأكرمه بالمال.
حذار حذار لا يغرنك المال ولا الجند، وإياك أن تبعد أهل الشريعة عن بابك، وإياك أن تميل إلى أي عمل يخالف أحكام الشريعة، فان الدين غايتنا، والهداية منهجنا وبذلك انتصرنا.
خذ مني هذه العبرة: حضرت هذه البلاد كنملة صغيرة، فأعطاني الله تعالى هذه النعم الجليلة، فالزم مسلكي، وأحذ حذوي، واعمل على تعزيز هذا الدين وتوقير أهله ولا تصرف أموال الدولة في ترف أو لهو أو أكثر من قدر اللزوم فإن ذلك من أعظم أسباب الهلاك".
ففي وصية الفاتح تقديم الاهتمام بالدين على كل أمر، مؤكدا على أهمية الهوية الإسلامية، فلا قوام للمسلمين إلا بها، ومن يتنكر لها انقطع عنه المدد من فوق السماء.
هي الهوية التي لا عزة لنا إلا بالتمسك بها، كما قال الفاروق عمر: "كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله".
وفي وصية الفاتح تقديم الحاكم بطانة صالحة وتنقية القصر من شوائب المغرضين، وما أكثر هؤلاء حول حكام أمتي.
ولكن لن يعبأ بهذا إلا من صدق في عزمه وإخلاصه لدينه وبلاده، فيهتم بتطهير مؤسسات الدولة من أصحاب الأهواء والأجندات الخاصة، والذين يعبثون بمقدرات البلاد من خلال البلاط الملكي، وعزّة الله هي الخطوة الأولى لكل حاكم يبتغي الإصلاح وتصحيح المسار، أن يُقدّم الأكفياء من القوم، ويستبعد تلك الأشواك.
وفي وصية الفاتح تقديم العلماء وأهل الفضل، فهؤلاء هم الذين يشدّون قوائم الملك، وما قدم ملك أو حاكم تلك الشريحة إلا وانعكس أثرها على شؤون البلاد بأسرها.
لذا كان قادة الإسلام العظام من ورائهم علماء ثقات يفرزون قراراتهم السياسية ويضبطونها وفق مبادئ الإسلام وتعاليمه.
عرف صلاح الدين الأيوبي بشيخه القاضي شداد.
وعرف سيف الدين قطز بشيخه العز بن عبد السلام.
وعرف محمد الفاتح بشيخه آق شمس الدين.
وفي وصية الفاتح الأمر بإقامة العدل بين الناس، فالعدل هو أساس الملك، ولذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة؛ ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة.
* إنها دعوة لملوك وحُكام أمتنا، أنتم لا تحكمون قطعانا، لقد قلدكم الله أمانة القيام بحق هذه الشعوب، اقتربوا منها ولا تخافوا، أزيلوا الحواجز، سوف تحمي هذه الشعوب ملككم، فقط سيروا بالعدل بين رعاياكم.
التمسوا الأمن والأمان وثبات الملك في شعوبكم لا بين أحضان الشرق والغرب والأحمر والأصفر، لكن ذلك لن يتأتى إلا بوجود العدل، العدل وحده هو الذي يقرب بين الحاكم والمحكوم، بين الجماهير والأنظمة.
وفي وصية الفاتح الحث على صيانة أموال الدولة، ألا فليعلم كل ملك أو حاكم، أن البلاد ومقدراتها ليست ملكا له، إنما هو حارس لها وأمين عليها.
كفاكم تجويعا للشعوب التي أوشكت على أن تأكلكم، كفاكم نهبا لثروات البلاد، عيشوا ودعوا الناس يعيشون، ماذا ينتظر حاكم يجوع شعبه ويضنيه، ويشغله بحرب ضروس وصراعات مع الحياة من أجل رغيف خبز؟
لا نطالبكم بأن تكونوا مثل عمر الذي كان يرقع ثيابه وهو أمير المؤمنين في المشارق والمغارب، وإنما نطالبكم فقط بأن ترحموا شعوبكم، وتصونوا أموالهم ومقدراتهم.
* وفاة الفاتح.. عيد ومأتم
كان لوفاة ذلك القائد العظيم أثر عظيم على العالم بأسره، ففي الغرب ابتهجوا وأقاموا الاحتفالات لموت محمد الفاتح.
في "رودس" قاموا بأداء صلوات الشكر ما إن علموا بموت محمد الفاتح..
وفي روما شاعت البهجة وأمر البابا بفتح الكنائس وإقامة الصلوات والاحتفالات، وجُعلت المواكب تجوب الشوارع مرددة أناشيد النصر، وأطلقت المدافع تعبيرا عن الفرح والسرور.
وأقامت أوروبا الأفراح والاحتفالات لمدة ثلاثة أيام بعد أن مات الفاتح الذي كانوا يرونه أعظم خطر عليهم.
وأما المسلمون، فكما ابتهجوا لفتح القسطنطينية، وكاتبوا السلطان يهنّئونه بالفتح، وأرسلت الوفود للتعبير عن أمة الجسد الواحد التي لا تفصلها لغة ولا حدود، كان يوم مماته مأتما، حيث فقد المسلمون قائدا عظيما، فرثاه العلماء، وحزنت الأقطار الإسلامية لفقدانه.
وكان من أثر موته على جيشه، فقد كان رجاله قد وصلوا إلى جنوب إيطاليا لفتحها، فما إن وصلهم خبر موته، حتى اغتموا لذلك، لدرجة أن قائد الجيش اضطر للدخول في مفاوضات مع ملك نابولي لكي ينسحب جيشه آمنا بعد أن دبّ فيه الضعف والهم.
تلك هي الصفحة الأخيرة في كتاب ذلك البطل المجاهد، والذي لا يزال ماثلا أمام الأجيال على مر العصور، يتبدى من ذاكرة التاريخ كلما ذُكر الجهاد والعدل والمجد، سطّرتُها هنا اليوم حتى لا ننسى قادة أمتنا العظام، وحتى نُجدّد ذكرهم على أسماع الناشئة.
رحم الله السلطان محمد الفاتح، ورزق خلفه الحالي (أردوغان) السير على منهاجه، وإلى لقاء مع صفحة أخرى من حياة محمد الفاتح وغيره من أبطال الأمّة وعظمائها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.