بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد فهذه بعض الأفكار الإجمالية في الوقوف على أهمّ الإخلالات الشرعية والإشكالات القانونية لمشروع القانون المتعلق بالمساواة في الميراث: الفصل 146-مكرر: "البنت انفردت أو تعددت ترث جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم، ولا يرث معها الأب والجد إلا السدس دون أن ينتظرا شيئا آخر، ولا يرث معها الإخوة والأخوات مهما كانوا، ولا الأعمام مهما كانوا ولا صندوق الدولة". ملاحظات على الفصل: أوّلا: نقل البنت من الثلث عند الانفراد، ومن الثلثين عند التعدّد إلى الإرث بالتعصيب: فيه إخلال شرعيّ لمعارضته لقوله تعالى: فإن كنّ نساءً فوق اثنتين فلهنّ ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف". ثانيا: الاضطراب في الصياغة من خلال قوله: ولا يرث معها الأب والجد إلاّ السدس دون أن ينتظر شيئا آخر": إذ يفيد أنّ الأب والجد يستحقان معا السدس مناصفة. وهذا يتعارض مع الفصول 114 و115 و116 و117 من مجلة الأحوال الشخصية، فقد نصّ الفصل 116 على أنّ: من كانت مرتبته مقدّمة فهو مقدّم "، والفصل 117 على أنّه: إذا اتّحدت المرتبة واختلفت الدرجة، قدّم القريب درجة على البعيد درجة "، بل ونصّ الفصل 140 على أنّه: لا يرث مع الأب الجدّ، ولا الجدّة للأب، ولا العمّ، ولا الأخ". الفصل 146-ثالثا: البنت مع الابن يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم. ملاحظات على الفصل: أوّلا: سكت عن حالة تعدّد البنت، فيفهم منه أنّه في حالة التعدّد، تطبق أحكام قاعدة للذكر مثل حظّ الأنثييْن، وهذا يؤدي إلى عدم انضباط التشريع، الفصل 146-رابعا: الأحفاد إناثا أو ذكورا مهما كانت طبقتهم يرثون مثل ما كان سيرجع لأصلهم المباشر كما لو كان حيّا في تاريخ وفاة سلفه، ويوزّع نصيب الأحفاد بينهم بالتساوي. ملاحظات على الفصل: أوّلا: تعارض واضح مع ما نصّ عليه الفصل 192 من أنّ الوصيّة لا تنصرف إلاّ للطبقة الأولى من أولاد الأبناء ذكورا أوإناثا، وتقسم بينهم للذكر مثل حظّ الأنثيين (على فرض التسليم بمسألة الوصيّة الواجبة). ثانيا: إقحام عناوين ورثة غير معنيين بالميراث في الشرع، ولم يشملهم الفصل 90 من مجلة الأحوال الشخصية (الذي ذكر تسعة من الوارثين من الرجال، وستّة من الوارثات من النساء)، من خلال إقحام ابن البنت وإن سفلت، وبنت البنت وإن سفلت. ثالثا: إلحاق الضرر بالأولاد -أي الذكور والإناث- من الطبقة الأولى في الميراث من خلال قسمة نصيب الأحفاد بينهم بالتساوي: "ويوزع نصيب الأحفاد بينهم بالتساوي": أي جميع الأحفاد: مهما كانت طبقتهم. رابعا: أيلولة المال إلى أبعد الأشخاص عن المتوفّى مع وجود الأقرب، وفي هذا ضرب لمقصد الشارع الحكيم في توزيع الميراث الذي قدّم القريب درجة على البعيد درجة. الفصل 146 -خامسا-: الأم والأب إذا اجتمعا وانعدم الفرع الوارث، يرثان بالتساوي جميع المالي أو ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة عند وجوده أو وجودهما". ملاحظات على الفصل: أوّلا: معارضة صريحة لنصوص القرآن في قوله تعالى: فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه لأمّه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمّه السدس". ثانيا: تغيير عنوان الأمّ من الإرث بالفريض -الثلث عند انعدام الفرع الوارث- إلى الإرث بالتعصيب مناصفة مع الأب جميع المالي، أو ما بقي بعد فرض الزوج أو الزوجة، وهذا عبث بعناوين الورثة. الفصل 146-سادسا: للزوج أو الزوجة النصف عند انعدام الفرع الوارث والربع عند وجوده، ويتمتع الأرمل والأرملة قانونا بحق سكنى بمحل الزوجية الراجع للزوج المتوفى بشرط: أوّلا: أن لا يكون على ملك الأرمل أو الأرملة مسكن. ثانيا: أن يكون المحلّ غير قابل للقسمة. ثالثا: أن يكون له منها، أو لها منه ولد أو أكثر واستمرت علاقتهما الزوجية أربع سنوات على الأقل، ويسقط هذا الحق في حال الزواج من جديد او عدم الاستقرار بمحلّ السكنى لمدّة تتجاوز السنة بصفة مسترسلة، أو أصبح للأرمل أو للأرملة مسكن على ملكه. ملاحظات هلى هذا الفصل: أوّلا: معارضة صريحة لنصوص القرآن في قوله تعالى: ولهنّ الربع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولد، فإن كان لكم ولد فلهنّ الثمن ممّا ترك". ثانيا: تغيير فرض الزوجة من الثمن إلى الربع عند وجود الفرع الوارث، ونقل البنتيْن من إرث الثلثين بالفرض إلى الإرث بالتعصيب يؤدّي إلى إسقاط العول من 24 إلى 27، كما يؤدّي إلى إنقاص نصيب كلّ بنت من 8/27 إلى 4/24، وبتوحيد المقاميْن من 64/216 إلى 36/216، وبالتالي يكون هذا القانون قد سعى إلى إنقاص البنات من حقّهنّ الشرعي، في الوقت الذي ادّعى فيه الدفاع عن حقوق المرأة. ثالثا: تغيير فرض الزوجة من الربع إلى النصف عند انعدام الفرع الوارث يؤدي إلى إسقاط العول في الحالات الثلاث من 12 إلى 13، ومن 12 إلى 15، ومن 12 إلى 17، لأنّ هذه الحالات الثلاث تفترض وجود زوجة صاحبة ربع وذلك عند انعدام الفرع الوارث، وبتبديل فرض الزوجة من فرض الربع إلى النصف يسقط العول لأصل الإثنيْ عشر بالكليّة، كما يؤدّي إلى إنقاص نصيب كلّ أختب لأب في الحالة الأولى من 4/13 إلى2/12 أي من 48/156 إلى 26/156، وفي الحالة الثانية من 4/15 إلى 2/12 أي من 16/60 إلى10/60، وفي الحالة الثالثة من 4/17 إلى 2/12 أي من 48/204 إلى 34/204، وبالتالي يكون هذا القانون قد سعى إلى إنقاص فرض الأختين للأب من حقّهنّ الشرعي، في الوقت الذي ادّعى فيه الدفاع عن حقوق المرأة. رابعا: إقحام مسألة السكنى في الكتاب التاسع المتعلّق بأحكام الميراث، هذا حشو، إضافة إلى ما تضمّنه المقترح من اعتداء على حقوق الورثة. الفصل 146 سابعا: الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق أو مع الجد يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم. والأخت للأب مع الأخ للأب يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم. والأخت للأب مع الأخ للأب والشقيقتان يرثون بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم. ونقسم هذا الفصل إلى ثلاث جمل: الجملة الأولى: الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق أو مع الجد يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم ملاحظات على الجملة الأولى: أوّلا: ينعدم تطبيق الأكدرية في حالة تساوي الشقيقة مع الجد. ثانيا: التعارض مع الفصل 146 الذي نصّه: إذا تركت المرأة زوجا وأختا شقيقة أو لأب وجدّا، فللزوج النصف، وللأمّ الثلث، وللأخت النصف، وللجدّ السدس، لكن يجمع ما ينوب الأخت والجدّ ويقسم بينهما للذكر مثل حظّ الأنثيين". ثالثا: انخفاض نصيب الشقيقة من 4/27 إلى 1/12 أي من 16/108 إلى 9/108 بعد توحيد المقامات. وبالتالي يكون القانون الذي سعى إلى أن يسوّي بين الذكر والأنثى قد حرم المرأة وأنقصها حقّها الشرعي. رابعا: اضطراب عجيب أدخل على منظومة الميراث بفعل النصّ على أنّ: الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق أو مع الجد يرثان بالتساوي، إذ يفترض وجود الجدّ مع ثلاث شقيقات أن يكون نصيبه 1⁄4 من التركة، في حين وجود الجد مع ثلاثة أشقاء يكون له الأفضل من شيئين: ثلث المال أو المقاسمة، فيكون نصيبه 1/3، فيرث مع وجود ثلاثة أشقاء أكثر ممّا يرث ما لو وجد مع ثلاث شقيقات. الجملة الثانية: والأخت للأب مع الأخ للأب يرثان بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم. ملاحظات على الجملة الثانية: أوّلا: معارضة صريحة لنصوص القرآن في قوله تعالى: وإن كانوا إخوة رجالا ونساءً فللذكر مثل حظّ الأنثيين، يبيّن الله لكم أن تضلّوا والله بكلّ شيء عليم". الجملة الثالثة: "والأخت للأب مع الأخ للأب والشقيقتان يرثون بالتساوي جميع المال أو ما بقي عن أصحاب الفروض عند وجودهم". ملاحظات على الجملة الثالثة: أوّلا: معارضة صريحة للنصّ القرآني بنقل الشقيقتين من فرض الثلثين إلى مقاسمة الإخوة لأب بالتساوي، وهذا معارض لقوله تعالى: يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك، وهو يرثها إن لم يكن لهنّ ولد، فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك". ثانيا: الإخوة لأب أصبحوا في نفس قوّة الشقيقات، وهذا يتعارض مع الفصل 118 الذي ينصّ على أنّه: إذا اتّحدت المرتبة والدرجة، واختلفت القرابة قوّة وضعفا، يقدّم القويّ على الضعيف. فالشقيقتان بعد أن كان لهنّ الثلثان، وللإخوة للأب الباقي بالتعصيب تفاضلا، أصبح الجميع يرث بالتساوي، فيصبح نصيب كلّ من الشقيقتين الربع بعد أن كان لكلّ منهما الثلث. ثالثا: يكون القانون الذي سعى إلى أن يسوّي بين الذكر والأنثى قد حرم مرة أخرى المرأة وأنقصها حقّها الشرعي. الفصل 2: تطبق أحكام الفصول من 146 مكرر إلى 146 سابعا من هذا القانون ما لم يصرح المورث في قائم حياته لدى عدل إشهاد باختياره تطبيق أحكام الفصول الواردة بالأبواب من 1 إلى 7 من الكتاب التاسع من مجلة الأحوال الشحصية دون غيرها (حسب الشرع). أوّلا: ننبّه إلى ما سيؤول إليه حال الأسرة عند اختلاف الورثة بين القبول والرفض. ثانيا: ونشير إلى أنّ الاكتفاء بالتصريح لدى عدل إشهاد: يتعارض مع طبيعة الحجة العادلة التي يتلقاها عدلان اثنان. خلاصة القول: هذا المشروع لم يضع في اعتباره ما يلي: أوّلا: أنّ منظومة المواريث منظومة متكاملة، وأنّ المساواة لا تفهم بمعزل عن العدل الإلهي. ثانيا: أنّ الانسان مستخلف في المال: لقوله تعالى " وأنفقوا ممّا جعلكم مستخلفين فيه "، وأنّه بعد موت المالك يعود حق التمليك للمستخلِف، ولذلك تولى الله القسمة بذاته العلية لقطع أطماع الطامعين وتأوّل المتأوّلين. ثالثا: أنّ ما فرضه الله في كتابه من أنصباء أصحاب الفروض قد دلّ اللفظ على معناه قطعا، بلفظ خاص لا يمكن حمله على غير ما دلّ عليه بخصوصه. رابعا: أنّ اقتراح التسوية في منابات بعض الورثة (الأزواج / الأولاد / الإخوة / الأب والأمّ) يعبّر عن نظرة تجزيئية للأحكام ومنهج اقتطاعي عشوائي يؤدّي إلى إفساد المنظومة بكاملها. خامسا: أنّ تقسيم الميراث في شريعتنا الغرّاء لا يقوم على مبدأ الذكورة والأنوثة، وإنّما يقوم على قواعد ثلاث هي: 1 / درجة القرابة بغضّ النظر عن الجنس. 2 / موقع الجيل الوارث (البنوّة / والأبوّة / قبل الإخوة) فبنت الميّت قد ترث أكثر من أب الميت. 3 / إذا اتّحدت القرابة وموقع الجيل، ينظر إلى قوّة القرابة وضعفها بغضّ النظر عن الجنس، فيقدّم القويّ على الضعيف (فترث الشقيقة وهي أنثى، وقد لا يرث الأخب لأب وهو ذكر). سادسا: أنّ في العبث بأحكام الميراث تمليك المال ممن لا يملكه لمن لا يستحقه، وقد وقفنا على أمثلة كثيرة تؤدّي بالإضرار بالحق الشرعي للمرأة، فضلا على ما فيها من آثار خطيرة على تقنيات التطبيق العملي لحلّ الفريضة، كما في حالات العول والأكدرية. سابعا: المطلوب إيجاد وتفعيل آليات وإجراءات لإيصال الحق الشرعي للمرأة، وتمكينها من حقّها الشرعي، لا أن نصادم شرع الله، ونسيء إلى الشعب في هويّته. ومن الإجراءات القانونية التي نراها تفضي إلى تمكين الأنثى من حقها الشرعي في الميراث ما يلي: 1 / بالنسبة للزوجة: الكدّ وسعاية المرأة في حالة الطلاق أوالوفاة: يتم بموجبها تحديد وحساب مجموع الثروة التي تم تكوينها خلال فترة الحياة الزوجية، وينظر فيما أسهمت فيه، وذلك قبل قسمة الميراث، فتستحق الزوجة نصيبها في ما كدّت به وسعت اعتمادا على سلطة تقديرية في تحديد مساهمتها. 2 / بالنسبة للإخوة: قبل القسمة: تفعيل إجراءات تحت عنوان الاستيلاء على مشترك قبل القسمة. بعد القسمة: الامتناع من التمكين: ارتكاب جريمة الاستيلاء على الحوز بالقوّة. 3 / عند الاتّفاق: الاستظهار بكتب رسمي لدى عدليْ إشهاد يعبّر عن إرادة أحد الأطراف في التنازل عن حقّه لفائدة الطرف الآخر، تعبيرا صريحا لا يحتمل التأويل. 4 / إيجاد قضاء خاص للبتّ في هذه القضايا. كلمة الختام: *إذا أحسنا الظنّ بمن قدّموا هذا المشروع: نقول فيهم إنّهم يجهلون علم الميراث وتبعات التعديلات المقترحة، من خلال الفساد الذي يدخل على مقاصد أحكام الميراث وتقنيات التطبيق. *وإذا أسأنا الظنّ بمن قدّموا هذا المشروع: نقول فيهم معاول هدم للحصن المتبقي ومحاولة إضعاف المضاد الحيوي للأمّة المنهكة بالصراعات والخلافات من أجل القضاء النهائي والمبرم على آخر حصن له صلة متينة بالإسلام. ولكني دائما أحسن الظن بالناس فأقول هذا المشروع ينمّ عن جهل بعلم الميراث وتبعات التعديلات المقترحة، فتعالوا إلى كلمة سواء أبيّن لكم أن تضلّوا. * رئيس قسم الشريعة والقانون بجامعة الزيتونة.