هوية بريس – وكالات كشف وزير الأوقاف المغربي أحمد التوفيق أخيرا عن نتائج الإحصاء الذي أطلقته وزارته منذ أربع سنوات بشأن الزوايا والأضرحة (التكايا)، موضحا أن المملكة تتوفر على 5038 ضريحا و1496 زاوية تتوزع في أرجاء البلاد. وأضاف إن وزارته أنفقت على هذه الأماكن الدينية ما يفوق 16 مليون دولار، وهي عبارة عن هبات وأعطيات تسلم للقائمين عليها من أجل تدبير شؤونها ورعايتها. والزاوية هي مصطلح خاص بالمغاربة يقابله لدى المشارقة "التكية"، ويقصد بها المكان الذي ينزوي فيه المريدون بحضرة مشايخ التصوف لأجل "تنقية النفس وتهذيب السلوك". ويطرح الموضوع تساؤلات عن أسباب انتشار الأضرحة والزوايا رغم التحولات الاجتماعية والثقافية التي يشهدها المجتمع المغربي. استقرار سياسي وتحظى الزوايا والأضرحة في المغرب برعاية ملكية خاصة، إذ تشرف لجنة ملكية في كل سنة على توزيع الهبات على شيوخها والقائمين عليها بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الملك الحسن الثاني. هذه الرعاية تستند إلى علاقة تاريخية ربطت حكام المغرب بشيوخ الزوايا الذين كانوا يلعبون أدوارا أساسية في الاستقرار السياسي والأمن الروحي بالبلد. ويؤكد أستاذ العلوم السياسية محمد شقير هذا الدور، مشيرا في حديث مع الجزيرة نت إلى أن مشروعية السلطة في المغرب مرتبطة بالحفاظ على الزوايا. وأضاف أن هذه المؤسسات الدينية ينظر إليها باعتبارها من ثوابت التركيبة الاجتماعية والأيديولوجية الرسمية للسلطة بالنظر إلى الدور الذي لعبته في تاريخ البلاد حتى أن التصوف بحسبه "أصبح مكونا من مكونات أيديولوجية النظام". من جهته، اعتبر الباحث في الشؤون الدينية والسياسية عبد النبي عيدودي أن الزوايا في المغرب جزء من الإرث التاريخي بما تعكسه من علاقات بين القبائل المغربية وشيوخ الزوايا والسلطة. ولفت عيدودي إلى الدور الاقتصادي الذي تلعبه الأضرحة والزوايا في تحريك عجلة الاقتصاد عبر حركة مريديها الذين يتدفقون بشكل دوري عليها، إلى جانب مساهمتها في الترويج السياحي. ويعتبر المغرب قبلة للمنتسبين إلى التصوف الراغبين في زيارة الزوايا التي اكتسبت صيتا عالميا، مثل الزاوية البوتشيشية والزاوية التيجانية وغيرها. تأطير ديني ولا يقتصر دور الزوايا على الدعم السياسي للنظام، بل يتعداها إلى التأطير الديني والتربوي للمواطنين، وكانت هذه الزوايا إلى عهد قريب بمثابة مدارس دينية لتلقين العلوم الإسلامية وتحفيظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، إلى جانب دورها في إيواء أبناء السبيل والمسافرين وإطعام الفقراء. ويقول نقيب الزاوية الدرقاوية محمد الدرقاوي إن الزوايا تجربة أصيلة لها خصوصية عند المغاربة، ودليله أن 90% من علماء المغرب ينتسبون إما إلى الزوايا الصوفية بشكل مباشر أو لهم اهتمام وتبرك بأهلها وشيوخها. غير أن تراجع أدوار هذه المؤسسات التعليمية وظهور ممارسات منحرفة وخرافية فيها دفعا بعض العلماء إلى اعتبارها بدعة تمس جوهر التوحيد الديني للإسلام، وهو ما نفاه وزير الأوقاف، معتبرا أن المغاربة كانوا يبحثون دائما عن نماذج إنسانية وبشرية استثنائية من حيث القيم ويقيمون لها ضريحا بعد الوفاة. ولدفع هذه الشبهة أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية مذكرة منذ سنوات دعت فيها خطباء المساجد إلى إظهار حقيقة دور هذه المزارات في تأطير المواطنين، وبيان وظيفتها في استتاب الأمن الروحي بوصفها فضاء للذكر والتفقه في الدين. ويؤكد الدرقاوي في حديث للجزيرة نت على ضرورة إعادة الاعتبار للزوايا والدفع بأهلها ومحبيها "لأنها تقوم بجزء مما تقوم به مؤسسات المجتمع المدني وجزء مما تقوم به الدولة نفسها". بينما يرى عيدودي أن الاهتمام بالزوايا والأضرحة يجب نقله إلى الموازنة العامة للدولة وتقنينه بمساطر قانونية تحدد مجالات التدخل في الصيانة والمواكبة، ومجال التدخل في ما هو اقتصادي وسياحي. وكانت وزارة الأوقاف قد أعلنت ضمن مخططها برسم السنة المالية 2018 أنها ستعمل على إعداد قاعدة بيانات للزوايا والأضرحة في المغرب، وفهرسة التجارب والمقترحات التي تنهض بهذه الأماكن الدينية، مع العمل على إعداد رؤية مستقبلية تهم النهوض بها ضمن مشروع " قطب اقتصاد التراث". (المصدر: موقع "الجزيرة.نت").