البكوري يشارك في منتدى دولي يروم لتوقيع اتفاقيات تهدف لتعزيز تعاونٍ متعدد المستويات    إنتاج الصيد البحري يتجاوز 1.42 مليون طن والصادرات تفوق 31 مليار درهم (رئاسة الحكومة)    الجديدة.. عرض وافر من المنتجات الغذائية خلال شهر رمضان الفضيل (مسؤول)    الرجاء يعين التونسي لسعد جردة الشابي مدربا جديدا للفريق    كأس تركيا.. النصيري يسجل ثنائية في مرمى أرضوم سبور (5-0)    إطلاق سراح بدر هاري بعد اعتقاله على خلفية شكاية من طليقته    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني        مجلس النواب يصادق بالإجماع على مشروع قانون يتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل    الجيش الملكي يعلن انفصاله عن مدربه فيلود ويعين مساعده مدربا مؤقتا    رسميًا.. الجيش الملكي يفسخ عقد مدربه الفرنسي فيلود    حجزعدد من الدراجات النارية بسبب القيادة الاستعراضية الخطيرة    السكوري: جرمنا طرد وتنقيل المضربين .. والإضراب العام من حق النقابات    الإمارات ترفض تهجير الفلسطينيين    أحكام قضائية مشددة في قضية "أنستالينغو" في تونس.. تفاصيل الأحكام وأبرز المدانين    إطلاق نار في بروكسيل.. المهاجمون لا يزالون في حالة فرار (فيديو)    السياحة المغربية.. ارتفاع قياسي بنسبة 27% في عدد السياح خلال يناير    التاريخ والذاكرة.. عنف التحول ومخاضات التشكل    نقابات بالناظور تستجيب للإضراب الوطني احتجاجا على حكومة أخنوش    مؤشر "مازي" يسجل تراجعا في تداولات بورصة الدار البيضاء    الراشيدي: الثقة في المؤسسات تتراجع.. ونصف المغاربة يريدون مكافحة الفساد    تهريب المخدرات يطيح بثلاثة أشخاص    الإضراب يشل النقل الحضري بوجدة    ستيني يُنهي حياته داخل منزله في مرتيل    اختفاء طفلين في طريقهما إلى سبتة من مدينة العرائش والمصالح الأمنية تواصل البحث    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يرحب باعتماد اللجنة العربية لحقوق الإنسان لتوصيات تقدم بها المغرب    وفاة المغنية الشعبية غيثة الغرابي    غياب اللقاح بمركز باستور بطنجة يُثير استياء المعتمرين    مسؤول نقابي بتطوان: سنبقى في الشارع حتى يسقط هذا قانون الإضراب المشؤوم    بلال الخنوس يتوج كأفضل موهبة لعام 2024    مجموعة إسبانية تعتزم افتتاح منتجع فاخر في طنجة    أخنوش يستعرض المؤشرات الاقتصادية والمالية للمغرب ويؤكد مواصلة الإصلاحات    انحراف حافلة يخلف قتيلة ومصابين    منصة "واتساب" تعلن عن تحديث جديد لتشات جي بي تي داخل تطبيقها    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    كعكتي المفضلة .. فيلم يثير غضب نظام المرشد في إيران    جامعة عبد المالك السعدي تعزز البحث العلمي في مجال القنب الهندي باتفاقية جديدة مع الوكالة الوطنية لتقنين الأنشطة المرتبطة بالنبتة    ماذا يعرف الأطباء عن أعراض وعلاج الاحتراق النفسي؟    ميلان يعلن تعاقده مع جواو فيلكس على سبيل الإعارة    بلقاسمي: ملعب الرباط سيدخل كتاب " غينيس"    أسعار الذهب ترتفع إلى مستوى تاريخي جديد    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    سياسات ترامب الحمائية هل ستؤدي إلى حرب تجارية جديدة؟    الولايات المتحدة.. مجلس الشيوخ يؤكد تعيين بام بوندي في منصب وزيرة العدل    بلغ عددهم 67.. فرق الإنقاذ تعثر على جثث جميع ضحايا تحطم طائرة واشنطن    ترامب يوقع على أمر تنفيذي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان    خبراء يؤكدون أن جرعة واحدة من لقاح "بوحمرون" لا تكفي للحماية    الصحة العالمية : إطلاق أول تجربة لقاح ضد إيبولا في أوغندا    جولييت بينوش تترأس لجنة التحكيم في "مهرجان كان"    التقلبات الجوية الحادة تؤثر على الصحة العقلية للمراهقين    الرباط: تنصيب الأعضاء السبعة الجدد بأكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



درس الصيام لاكتساب ملكة التمييز بين الخير والشر
نشر في هوية بريس يوم 04 - 07 - 2014


هوية بريس – الجمعة 04 يوليوز 2014
الخير والشر أمران معنويان غير ملموسين بالحواس الخمس الظاهرة ولا مشاهدين بالعين المجردة، لكنها يدركان بالحدس الذي لا يحتاج معه إلى خبرة سابقة، لأنهما موجودان في كينونة الإنسان منذ بدء الخليقة.
فيمكن لكل إنسان مهما كان وضعه ومهما بلغ علمه أن يشعر بآثارهما ويدل عليهما أو يحذر منهما، فهما يتجليان في أوصاف ظاهرة ومنضبطة.
ووفقا لذلك يحكم الناس على الفعل الذي يعكس إحدى هذه الأوصاف بأنه فعل "خير" أو بأنه فعل "شر"، كما قد يحكمون على من تلبس بأحدها بأنه من أهل الخير، فيقال مثلا فلان صالح إذا ظهرت عليه إحدى صفات الخير، أو قد يحكمون عليه بأنه من أهل الشر، فيقال مثلا فلان شرير أو فلان فاجر، إذا ظهرت عليه إحدى صفات الشر.
فالخير والشر إذا مما جبل الإنسان على التمييز بينهما في أصل خلقته منذ أن أوجده الخالق سبحانه وتعالى وهيأه لأن يكون خليفة له في الأرض، قال الله تعالى في سورة البلد، تنصيصا على هذه الفطرة: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ، أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا، أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ» (10-4).
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ": يعني الطريقين: طريق الخير وطريق الشر.. وروى قتادة قال: ذكر لنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "يا أيها الناس، إنما هما النجدان: نجد الخير، ونجد الشر، فلم تجعل نجد الشر أحب إليك من نجد الخير" حديث مرسل.
وقد جعل الله تعالى الاهتداء إلى التفريق بين الخصلتين مناطا للتكليف واختبارا للإنسان، حيث وهب الله تعالى له الحواس من سمع وبصر وإدراك يتمكن بها من الطاعة أو المعصية، وفق اختياره لأحد الطريقين عن إدراك وطواعية واختيار، قال ابن كثير رحمه الله ونظير هذه الآية (أي: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) قَوْله تَعَالَى: «إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَان مِنْ نُطْفَة أَمْشَاج نَبْتَلِيه فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيل إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا» (سورة الإنسان:1-3).
والخير والشر خصمان عنيدان، لأنهما متناقضان ومتضادان لا يجتمعان في محل واحد، وإذا وجد أحدهما في موطن من المواطن فذلك دليل على انتصاره على الآخر، فهما دائما في صراع قوي يفضي حتما إلى تغلب أحدهما على الآخر، وقد ينفيه نفيا تاما حتى لا يرى له أثر.
ودلالة معرفتهما والتمييز بينهما هو الأثر الظاهر لهما الذي يبرزان به والذي هو النفع أو الضر، فكل ما يجلي النفع من الأقوال أو الأفعال فهو من الخير، وبالمقابل كل يا يجلي الضرر قولا أو فعلا فهو من الشر.
ومن أوصاف النفع الظاهرة في سلوك الأفراد الدالة على الخير: الثقة والأمانة والصدق والإخلاص، والطاعة والنزاهة والطهارة والعفة والحشمة والأدب والرزانة، والإحسان والجود والسخاء والكرم والإيثار، والصبر والحلم، والأناة والروية والهدوء والسكينة والحكمة والعلم، وغيرها من الأوصاف المحمودة التي تدرك بالفطرة.
فيقال مثلا لمن وجدت فيه إحدى هذه الخصال: فلان ثقة أو أمين أو مخلص أو مطيع أو نزيه أو طاهر أو عفيف أو محسن أو جواد أو سخي أو كريم أو صبور أو حليم أو ذو عقل وحكمة وتبصر، فيكون بذلك من أنفع الناس وأصلحهم، لأنه للخير والصلاح أميل وعن الشر والفساد أبعد.
ومن أوصاف الضرر الظاهرة في سلوك الأشرار الدالة على الشر:الإساءة و الأذية المتعمدة في القول أو الفعل، والفساد في الأقوال والأفعال والأخلاق, والوقاحة والسفاهة، والدناءة والبذاءة والخسة والفسق والخلاعة والمجون والفجور، والخيانة، والكذب والباطل والزور والبهتان والافتراء، وسوء الظن، والغرور والعجب بالنفس والرياء وحب الذات والأنانية، والتعالي، والمباهاة بالمال والولد، والضلال والتهور والعجلة، والبخل، وغيرها من الأوصاف المذمومة التي تدرك بالبداهة.
فيقال: فلان فاسد أو فاسق أو ماجن أو فاجر أو سفيه أو شرير أو عدواني أو خائن أو كذاب أو مغرور أو أناني أو متكبر أو متهور أو بخيل، والمتصف بذلك لا يعدو أن يكون من أهل الشر لأنه بالفساد أقعد وعن الخير والصلاح أبعد.
ومن خلال هاتين الدلالتين، أي دلالة الخير التي هي النفع، ودلالة الشر التي هي الضرر، نلاحظ أن أوصاف كل واحدة منهما ملازمة لغيرها من الصفات التي تشاركها في جنس النفع أو في جنس الضرر.
فمثلا من غلبت على أقواله وأفعاله خصلة من خصال الخير كان ذلك دليلا وعلامة على استعداده لقبول بقية صفات الخير، وعلامة كذلك على استعداده أيضا للسيطرة على صفات الشر، لأن كل واحدة من صفات الخير تدل على الأصل الجامع الذي هو الخير، كما يدل ظهور واحدة منها على انتصارها على ما يقابلها من صفات الشر، لما علم أن الخير والشر لا يجتمعان أبدا، بحال من الأحوال.
ويترتب على ذلك أنه متى تسللت إحدى صفات الخير أو إحدى صفات الشر إلى القلب وتمكنت فيه، دعت أخواتها من جنسها للولوج والاستقرار ثم تسعى كلها للسيطرة عليه وامتلاكه، فيؤدي ذلك إلى دخولها في صراع عنيف مع أضدادها، إلى أن يحسم هذا الصراع بالسيطرة الشاملة على القلب، حيث تنتهي بالرئاسة عليه للجانب الغالب منهما، فتروضه وتقوده كيف تشاء، إما إلى الخير و إما إلى الشر.
وخلال فترة هذا الصراع يبقى القلب مريضا متقلبا بين الأهواء المختلفة، ما لم يتنبه صاحبه ويعالجه ويطهره من الأوصاف المذمومة التي قد تفضي بهذا القلب إلى الموت، فيصبح حينئذ ملكا للشيطان ويكون مصدرا لكل شر، متى تغلبت عليه تلك الأوصاف واستحكمت فيه، وقد يستمر به حال المرض إلى أن يوافيه الأجل المحتوم وهو على ذلك، فيكون مضطرا لأن يعيش حياته بوجهين أو أكثر، وجه للطاعة ووجه للمعصية، وجه للإحسان ووجه للحيف والجور، وجه للنزاهة ووجه للخيانة، فتتغير أوصاف وجهه بتغير المواقف، تبعا للصراع العنيف الذي بداخله، والذي يدور بين الخير والشر.
وسبيل إحياء القلب وصحته، كما قال ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لا يحصل إلا بأن يكون الإنسان مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره، ووسيلته في ذلك قوتان عظيمتان أودعهما الله تعالى في القلب رحمة بالعباد لتيسر لهم الاهتداء للحق، وهما قوة العلم والتمييز، وقوة الإرادة والحب، فلا يصلح القلب إلا باستعمال هاتين القوتين فيما ينفع، فقوة العلم تساعد الإنسان على إدراك الحق ومعرفته والتمييز بينه وبين الباطل، وقوة الإرادة والمحبة تساعد على طلب الحق ومحبته وإيثاره على الباطل. فمن لم يعرف الحق بهاتين الوسيلتين فهو ضال، ومن عرفه وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه، ومن عرفه واتبعه فهو منعم عليه.
وهاتان القوتان لا تتعطلان في القلب، فالواجب أن تستعمل القوة العلمية في معرفة الحق وإدراكه وإلا استعملت في معرفة الباطل، مما يتمناه الإنسان ويهواه ويناسبه، كما أنه من الواجب استعمال القوة الإرادية العملية في العمل بالحق، وإلا استعملت في ضده، لأن الإنسان "حارث همام" أي كاسب عامل ومريد، ونفسه متحركة بالإرادة، فإن لم تتصور الحق وتطلبه وتريده تصورت الباطل وطلبته، وأرادته ولابد (عن ابن القيم بشيء من التصرف).
فلا شك إذا أن إحياء القلب بالعلم وتنويره بالإيمان سبب لمادة كل خير فيه، وموته وظلمته سبب لمادة كل شر فيه.
فهلا استفدنا من هذا الشهر المبارك شهر الصيام الذي يعودنا على ترويض القلوب على الطاعة ويقوي فيها قوة العلم والتمييز والإرادة والحب، ناهيك عن الصبر والتحمل والإيثار، قصد تجديد الإيمان فيها وإحياءها بالتوحيد كي تنهض بالعلم وتساهم في التنمية وتميز بين الحق والباطل وتصبو للحق وتحب الخير وأهله وتنفر من الشر وتجافي أهله، وتتجاوز سفاسف الأمور وتنظر إلى المصلحة العامة، كي نحيي الصلات وننبذ الخلاف وننشر المحبة والسلام، ونميز بين الحق والباطل وننشر الخير ونبتعد عن الشر، فننادي بالحق ونشجب الباطل، لنزرع بذور الخير في هذا المجتمع الفاضل ونجتث منه بذور الشر، ونأمر بالمعروف ونأتيه وننهى عن المنكر وننفر منه.
فهذا مقتضى الفطرة، وهذا مقصد ديننا الحنيف، وهو الغاية من الصيام في هذا الشهر المبارك، فلنستحضر هذه المقاصد في كل يوم نصومه لله عز وجل، لنطهر قولبنا من بذور الشر وصفاته ونملأها بالخير وخصاله، حتى لا نجعل نجد الشر أحب إلينا من نجد الخير، لعلنا نحقق المقصد من الصيام، إن كنا أهلا للتمييز بين الخير والشر!
وإلا صدق علينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ربّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر» أخرجه ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
أو نكون من الغاوين من أتباع إبليس اللعين الذي يحث على الشر وينهى عن الخير، فنعوذ بالله من همزه ونفته ونفخه، ونستعين بالله العلي العظيم، ملهم الخير ودافع الشر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.