عرض مسرحي من إخراج أمين ناسور، وتشخيص وسيلة صابحي وهاجر الشركي وزهير آيت بنجدي وعبد الحق بلمجاهد وعادل أبا تراب، وسينوغرافيا أنوار زهراوي، وموسيقى ياسر الترجماني. قدمت المسرحية في افتتاح النسخة الخامسة عشرة للمهرجان الدولي للمسرح والثقافات المنظم من طرف مؤسسة الفنون الحية، حيث استمتع الجمهور بكل عناصر الفرجة المسرحية التي منحته فسحة من التلقي الممتع والجميل. مسرحية "نايضة 2" من توقيع المبدع المجدد أمين ناسور، الذي يؤكد في هذا العرض أنه أحكم الإمساك بخيوط اللعبة لينسج لوحات من المشاهد الساخرة؛ ولكنها زاخرة بتفاصيل الحياة اليومية المثقلة بهموم اللحظي والحاضر والمتوقع القادم.. مواقف وأحداث قد يعيشها أفراد أي أسرة في أي مجتمع ينتمي إلى موروثنا الثقافي. رؤية إخراجية تمزج بين تغريب المواقف عند كل فرد من أفراد الأسرة وتتعمد عنوة تكسير الجدار الرابع، ليتقاسم شخوص المسرحية هواجسهم مع جمهور القاعة في لحظات عديدة، بحرفية عالية خصوصا من المبدع عادل أبا تراب الذي منح دور "علي"، الابن التائه والعائد إلى بيت أسرته بغربة عبثية أو عبثية غريبة تقطع مع المعتاد في صلات القرابة والشوق إلى اللقاء بل الهروب والبحث المستمر عن حقيقة هوية الإنسان في هذا زمان ممسوخ ومكان منسوخ، ولا سبيل الخلاص سوى التساؤل عن معنى الوجود في وقائع اختلط فيها اليسار باليمين، وهيمن عليها خطاب الشعبوية بكل أجناس الديماغوجية والتطرف، ولم تعد هناك قيم إنسانية خالصة وسامية نبيلة. رؤية إخراجية مزجت بين الحركة البيوميكانيكية، خصوصا في القفلة والفتحة للوحة في إشارة إلى استلاب الذوات، أو الجمع بين الرقص والتعبير الجسدي والغناء على أنغام إيقاعات موسيقية حية فوق الركح، من تأليف المبدع الواعد ياسر الترجماني، ومزيج موسيقي من الريبرتوار العالمي والفلكلور المغربي. رؤية إخراجية رسمت معالم الأداء الركحي ببطولة جماعية تقاسمها باقتدار عادل أبا تراب الذي أضفى على دوره متعدد الملامح شحنة من العطاء الفياض من ابن تائه باحث بدون عن جذوره إلى مغن تافه وشاعر يتغنى بمعشوقاته، إلى فقيه متحكم في توزيع الحقائب.. كل ذلك مع ثلة من الممثلين المقتدرين الذين أفلحوا جميعا في تقديم شخصيات مضطربة في سلوكاتها؛ ولكنها واعية إلى حد النضج بأهمية العقل الصاحي لتقديم رسائل إلى المتلقي وتوريطه في معايشتها وتقاسمها داخل القاعة بحنكة وحرفية عالية، وتلك غاية لا يحققها إلا أساتذة المسرح الكبار. رؤية إخراجية سمحت ببناء سينوغرافي جميل من قبيل السهل الممتنع، فضاء غريب بأبواب كبيرة مائلة ومتداخلة؛ ولكنها ذات أشكال وأبعاد متناسقة تكشف عن خبايا نفسية مضطربة، وبملابس واقعية معبرة عن شخصيات حقيقية، وديكور مغرق في العبث مؤثث بصناديق كبيرة وصغيرة تتحول إلى حقائب سفر نحو المجهول وكراس سياسية مزيفة، ونوافذ سوريالية تطل منها كراكيز وبهلوانات حالمة تبوح بأسرارها، وإضاءة تنتقل بسلاسة بين الألوان من العتمة وخيال الظل، إلى الأزرق الحالم، والأحمر الغادر، والأبيض الكاشف للحقيقة، التي تعري من الزيف والكذب والمجاملة. رؤية إخراجية واضحة في مرجعيتها الفنية، وأبعادها واهتماماتها الفكرية، وأداء تشخيصي محترف وممتع، في فضاء سينوغرافي جميل متحرك ووظيفي، ونص يحمل رسائل تكشف عن نصف الكأس الفارغ؛ ولكن العرض المسرحي الممتع ملأ الكأس عن آخره وسقى رواده حتى الثمالة.