في تجربة مسرحية جديدة، استمد المخرج المسرحي أمين ناسور مسرحيته "النمس" من فن الحلقة والرواية الشعبية، واستعان بأفكار ورؤى معاصرة لتعرية مساوئ معضلة العالم الافتراضي ومواقع التواصل الاجتماعي، ويسخر من النفاق السياسي الذي يعشيه المغرب ودول العالم العربي بمشاهد كوميدية. ويرتكز العمل المسرحي الجديد لناسور على شخصية رحال العوينة، بطل رواية "هوت ماروك"، الذي يحمل لقب "النمْس" في المسرحية؛ وهو، كما جاء في تقديم العمل المسرحي، "شخصية تعيش انفصاما داخليا، وصراعا مع الذات منذ الطفولة في الأحياء الشعبية التي نما وترعرع فيها مع أقرانه، مرورا بسنوات الجامعة وحصوله على شهادة الإجازة، إذ سيجد نفسه بعد ذلك عاطلا عن العمل، ليعمل في مقهى إنترنيت، وعبره يريد أن ينتصر في معاركه التي كان دائما منهزما فيها على أرض الواقع. سيجد (النمس) في الشبكة العنكبوتية - الإنترنيت متنفسا يُفرغ فيها كل مكبوتاته تحت اسم مستعار، وكذلك الشخصيات المحيطة به. كل ذلك يجري في قالب مسرحي كوميدي اختار له معده ومخرجه ومن معه في هذا العرض المسرحي أن يكون مستوحى من فن الحلقة؛ لكن برؤية معاصرة". في عرض "النمس" لفرقة المسرح المفتوح، اشتغل أمين ناسور على نص للكاتب والسيناريست عبد الإله بنهدار المأخوذ عن رواية "هوت ماروك" للإعلامي والكاتب ياسين عدنان، على قضايا التحولات السياسية وطغيان العالم الافتراضي؛ وهو ما أبرزه في حديثه لهسبريس قائلا: "رواية "هوت ماروك" متشعبة وعميقة، لكن اشتغلنا على قضيتين أساسيتين، من خلال شخصية "رحال عوينة" والشخصيات المحيطة به كزوجته و"يزيد" الشخص المتهم بالتطرف صاحب مقهى الأنترنيت". وتابع المخرج المغربي: "العرض بمثابة فضح للنفاق السياسي الذي أصبحنا نعيشه في الساحة السياسية، الذي تطبعه تبادل المصالح والمواقع، في ظل غياب إيديولوجيات مؤطرة للأحزاب، لذلك نجد في المسرحية تبادل للأدوار بين الممثلين، في إحالة لهذا الواقع الذي نعيشه". واختار معد "النمس" ومخرجه أن يكون العرض كوميديا مستوحاة من فن الحلقة لكن برؤية معاصرة، وهو ما فسره ناسور قائلا: "عندما قررت الاشتغال عن نص رواية ياسين عدنان، فكرت في الاشتغال عليه بطريقة ظلامية موغلة في ما هو نفسي، لكن فضلت الاشتغال على هذا الموضوع الذي يشكل هاجسا لدى المجتمع المغربي والمجتمعات العربية، بطريقة كوميدية تسائلنا جميعا وتجعل المتلقي يطرح أسئلة ويتفاعل مع قضايا العرض". وتابع حديثه للجريدة: "الحياة العبثية التي نعيشها في مواقع التواصل الاجتماعي لا يمكن أن تقدم في مدرسة واقعية، وكان لا بد من تقديم انزياحات كوميدية ونوع من العبث المدروس والفوضى المنظمة في العرض". وعن حضور الموسيقى في أعماله المسرحية، يعلق: "أحاول أن أجعل الموسيقى حاضرة كدراماتورجيا إيقاعية تضبط إيقاع العرض، مؤثرة ومبرزة لانطباع الشخصيات والوقائع والأحداث، وداعمة للعب الممثل"، وخلص إلى أن "حضور الموسيقى أسلوب فني يزاوج فيه بين التكوين الأكاديمي، والتقرب إلى الجمهور وإدماجه في العرض، وجعله متفاعلا ومشاركا في بنائه". واعتمد أمين ناسور، في عرضه، على رؤية إخراجية تعتمد على عناصر أساسية: أولا نص مسرحي ينهل من التراث المغربي سواء في فن الحلقة، أو الموسيقى المغربية الأصيلة والمتنوعة، فضلا عن الابتكار على مستوى السينوغرافيا والإخراج وأداء مميز للممثلين، غيرها من مكونات العرض المسرحي. وشارك في تشخيص مسرحية "النمس" كل من عبد الله ديدان وحسن مكيات وهاجر الشركي وعبد الله شيشة ومونية لمكيمل، وكانت السينوغرافيا للمبدع طارق الربح في مسرحية النمس، أما الموسيقى فأشرف عليها ياسر الترجماني وشبوبة التي متحت من التراث الغنائي المغربي في توزيع موسيقي فاتن. يذكر أن مسرحية "النمس" لفرقة المسرح المفتوح تستعد لتقديم عروض بكل من سلاالجديدة ومشرع بلقصيري ومكناس، بعد نجاح عروضها الأولى بالقنيطرة والدار البيضاء، في إطار برنامج "التوطين" وبدعم من وزارة الثقافة والاتصال قطاع الثقافة.