مدى الحاجة إلى بناء عقيدة مغربية كفيلة بتطوير الدراسات الاستراتيجية في السياسات الدولية لفهم ما يجري حولنا أنا من الشغوفين بقراءة ما تيسر من الكتب والمجلات والمقالات المتعلقة بالدراسات الاستراتيجية مثل دورية "السياسة الدولية" التي تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية، والتي تأسست في عام 1965، ومجلة "FOREIGN AFFAIRS" الأمريكية... غير أني أحس أنه رغم المجهودات الفردية التي عامة ما يبذلها الباحثون المغاربة وبعض المؤسسات، نحن في حاجة ماسة اليوم في بلادنا لبناء وتطوير منظومة متكاملة في الدراسات الاستراتيجية والبحوث المتعلقة بالسياسات الدولية وإدارة الأزمات والكوارث في أفق بناء عقيدة صلبة علمية نظرية وعملية متكاملة في هذا المجال، تساعدنا، بناء على المعرفة والخبرة، على طرح الأسئلة الكبرى حول ما يجرى حولنا من تحولات عميقة مثل الحرب العالمية الاقتصادية الثالثة، وصدام الإرادات وتداعيات الأزمة الأوكرانية على مستقبلنا (في إفريقيا والشرق الأوسط) وعلى العالم، وآثار التضخم على الاقتصاد والركود الاقتصادي العالميين، وتطور مفاهيم الهشاشة والصلابة والكرامة والخيرات الكونية المشتركة والأمن الغذائي واقتصاد المعرفة وإدارة المخاطر والتهديدات الخارجية. ومما لا شك فيه أن بناء فكر استراتيجي مغربي هو شأن حضاري، ديمقراطي، وبيداغوجي بامتياز، يساعد على فصل الخطاب في صناعة السياسات واتخاذ القرار، وكذا تجويد التواصل بين كل مكونات فواعل الحكامة حول مسؤولية الدولة الاجتماعية، وإخبار الرأي العام والمواطنين بشتى التحولات التي يعرفها العالم في الأيام العصيبة وكيفية التجاوب معها-فكرا وفلسفة، والمساهمة بالتالي في إثراء الحضارة الإنسانية عبر توطيد السلام والأمن في العالم، كما جاء ذلك في ديباجة الدستور. على سبيل المثال، تضمن عدد أبريل 2022 من دورية "السياسات الدولية"، وبلغة الضاد، عدة دراسات هامة من أقلام مصرية حول إعادة تشكيل المشهد الدولي في خضم أزمة الحرب الأوكرانية، ومفاهيم الردع والتصعيد في إدارة الحرب الروسية-الأوكرانية، وتحليل فصول خطب الرئيسين الأمريكي والروسي بشأن الأزمة، فضلا على ملف خاص وموسع حول تداعيات التضخم في كل أبعاده الدولية والإقليمية والمحلية، لاسيما في البلدان العربية والدول الصاعدة، والسياسات المطلوبة لمواجهته (التضخم) عبر محاورة خبراء مصريين يشغلون مناصب دولية، مثل د. محمود محي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة لتمويل التنمية المستدامة، المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي... علاوة على تضمين الدورية مقالات متعددة حول القمة الإفريقية السادسة والقضايا العابرة للحدود والدبلوماسية وسياقات وإشكاليات الإرهاب والتطرف عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتفاعلات الدولية بعد جائحة كورونا وتحديات رئاسة الاتحاد الإفريقي. أما القسم الاستراتيجي والعسكري، فقد تضمن دور مراكز الدراسات العسكرية والاستراتيجية في صناعة السياسات. وفي ركن "فيم يفكر العالم؟"، تناولت المجلة تيارات أربعة حول أدوار الدولة وشركات التكنولوجيا في تشكيل النظام الدولي.