إن مسألة تدبير المجال تعتبر أحد الإشكالات التي أصبحت مثيرة للانشغال بصورة متزايدة، وذلك من خلال تعدد وظائفه الاقتصادية والاجتماعية، وإضافة إلى ذلك فقد أصبح المجال أي المدينة يواجه تحديات سكانية وعمرانية ارتبطت بالانفجار العمراني والنمو الديمغرافي، وبظاهرة التمدن السريع، لذا طرحت إشكالية البحث عن استراتيجية تنمية المدينة وعن خطط عمل للنمو المتوازن داخلها، يتم إعدادها والمحافظة عليها من خلال التدخل لتحسين نوعية الحياة للمواطنين جميعا، وهذا يفرض على الجماعات الترابية أن تحول دورها من الاقتصار على تصريف الشؤون الجارية وإنجاز الوثائق والخدمات الإدارية إلى التدخل الاقتصادي، والاجتماعي على الصعيد المحلي، الأمر الذي أصبحت بموجبه الجماعات تقوم بالاشتغال على القضايا ذات الصلة بتنشيط مجالها الحضري، كوضع المخططات التنموية اللازمة لها وبرمجة المشاريع والتجهيزات الاقتصادية والاجتماعية بترابها وإعداد الظروف اللازمة للتوزيع المتوازن للثروات. ان التدبير الاقتصادي للجماعات الترابية، لا يتوقف فقط على المؤهلات الطبيعية والمادية وطاقتها البشرية، بل يتطلب تحسين استغلال هذه الإمكانيات وتوظيفيها بشكل دقيق نحو الأهداف المرسومة لها، ولا يتأتى هذا إلا بوجود برنامج محكم يقوم بتحديد حاجيات هذه الجماعات ويرسم طريق تلبيتها ، وهذا البرنامج لا يمكن صياغته دون معلومات ومعطيات محددة وأهداف توقعية، انها تقنية المخططات الجماعية للتنمية (PCD). يعتبر المخطط الجماعي للتنمية من المفاهيم الجديدة التي جاء بها الميثاق الجماعي الجديد لسنة 2009، وقد نص في المادة 36 من الميثاق الجماعي "أن المجلس الجماعي يدرس ويصوت على مشروع مخطط جماعي للتنمية يعده رئيس المجلس الجماعي ، ويحدد المخطط الجماعي للتنمية حسب نفس المادة الأعمال التنموية المقرر انجازها بتراب الجماعة لمدة ست سنوات ، في أفق تنمية مستدامة ووفق منهج تشاركي يأخد بعين الاعتبار على الخصوص مقاربة النوع الاجتماعي ، كما نصت نفس المادة دائما على أن مسطرة إعداد المخطط الجماعي للتنمية سيحددها نص تنظيمي " ، مما ثم تكريسه بإصدار وزارة الداخلية في شخص المديرية العامة للجماعات المحلية لدليل بمثابة خارطة طريق تستعين به الجماعات المحلية القروية والتي لايتجاوز عدد سكانها 35 ألف نسمة لإعداد المخطط الجماعي للتنمية ، والذي تضمن عدة عناصر تأطيرية وتوجيهية واليات تم وضعها رهن إشارة الجماعات المحلية للاسترشاد بها لتنشيط مسلسل إعداد المخطط الجماعي للتنمية، ووضع قواعد ومبادئ التخطيط الجماعي ويعرف بالهياكل والفاعلين والشركاء الأساسين في عملية إعداد وتنفيذ المخطط ، وكذلك المراحل الأساسية التي سيمر منها المخطط بدءا من الإعداد إلى التنفيذ . يرتكز المخطط الجماعي للتنمية، على مرجعية قانونية وحقوقية ذات أبعاد وطنية ودولية كالتوجيهات الملكية السامية والتصريحات الحكومية والاستراتيجيات الوطنية: ومنها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في سنة 2005، والاستراتيجية الوطنية لإدماج مقاربة النوع الاجتماعي في برامج التنمية ، والميثاق الوطني للبيئة والتنمية المستدامة الذي أعدته الحكومة المغربية بعد خطاب الملك لسنة 2009 ، ووزعته على الجماعات الترابية من أجل مناقشته وتقديم مقترحات جديدة بشأنه، والخلاصات التي ستنبثق عن النقاش الحالي حول الجهوية الموسعة وتعميق مسلسل اللاتمركز الإداري ، والالتزامات الدولية للمغرب وخاصة الاتفاقيات الدولية الموقعة من طرف المغرب في مجالات التنمية وحقوق الإنسان والبيئة وحقوق المرأة والطفل وذوي الحاجيات الخاصة...وخاصة إعلان الألفية من أجل التنمية وأهدافها وتوصيات قمة الأرض بريو دي جانيرو سنة 1992 حول البعد البيئي للتنمية ، كما يأتي المخطط الجماعي للتنمية أيضا في سياق عام تتجه فيه الدولة نحو إعطاء الجماعة المحلية وتحميلها مسؤولية كاملة كفاعل أساسي مسؤول عن تدبير شؤون السكان باعتبارها الواعية بظروف عيش السكان وحاجياتهم ، مع ضمان إشراك باقي الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين من نسيج جمعوي ومؤسسات عامة وخاصة ... وعليه، فإن إعداد المخطط لجماعي للتنمية، يجب أن يراعي دمج عدد من المبادئ نصت عليها المادة 36 من الميثاق الجماعي، والمتجلية أساسا في: 1 - التخطيط الجماعي: عرف المخطط الجماعي، بأنه مقاربة تشاركيه تسعى إلى دفع الفاعلين المحليين إلى تحديد أهدافهم التنموية التي يتطلب تنفيذها تعبئة الموارد المحلية أولا ثم موارد الشركاء ثانية، ويعتبر التخطيط الجماعي استراتيجيا لان الأهداف المسطرة نابعة من القرار السياسي المحلي ، الذي يتخذ خيارات ذات طبيعة هيكلية ترهن مستقبل الجماعة وتحدد السبل والوسائل الواجب إتباعها لتحقيق تلك الأهداف . ويوصف المخطط أيضا بأنه تشاركي، لأنه يشرك كافة الحساسيات السياسية المحلية والفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين والنسيج الجمعوي والهياكل التقليدية... 2 - التنمية المستدامة : ترتكز التنمية المستدامة التي يسعى المخطط إلى تحقيقها على إدماج ثلاثة مرتكزات : * مرتكز اقتصادي، يرمي إلى تحقيق أهداف النماء والفعالية الاقتصادية * مرتكز اجتماعي، يستهدف تلبية الحاجيات الإنسانية والاستجابة لأهداف الإنصاف والتماسك الاجتماعي بما في ذلك قضايا الولوج إلى الخدمات والمرافق الأساسية ... * مرتكز بيئي، يرمي إلى الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتحسينها واستثماره على المدى الطويل. 3 – المقاربة التشاركية : يشترط في إعداد المخطط الجماعي للتنمية، أن تشرك في إعداده الساكنة والمنظمات المساهمة في تشخيص الجماعة بتقديم المعلومات ورأيها حول ما يجب أن يكون عليه مستقبل الجماعة وعلى إعطاء أهمية كبيرة لتمثيلية الساكنة ذات الأوضاع الهشة (النساء والأطفال و المعاقين و الشباب...) 4 – مقاربة النوع الاجتماعي: إن إدماج مقربة النوع الاجتماعي في إعداد المخطط الجماعي للتنمية، يسمح بإدماج انشغالات وتجارب النساء والرجال والفتيات والفتيان في بلورة وانجاز وتتبع وتقييم المخطط الجماعي ، حتى يستفيد منها الجميع، وتمكينهم من الولوج بالتساوي إلى الخدمات والمرافق العمومية ، والتحليل المعتمد على النوع الاجتماعي، بشيء يأخذ بعين الاعتبار دائما حاجيات ومساهمات الجنسين في إعداد مشاريع وبرامج التنمية . لقد حدد الدليل، الهياكل المحلية التي ستتكلف بإعداد المخطط الجماعي للتنمية وتتبع تنفيذه على مستويين: * مستوى القيادة والمواكبة التقنية: وتتشكل من الفريق التقني الجماعي يترأسه الكاتب العام للجماعة ويدعم الفريق المصالح الخارجية المتواجدة على تراب الجماعة. * مستوى الاستشارة : الممثل من طرف اللجنة الجماعية للتخطيط التشاركي، وتتكون من ممثلي الجمعيات المحلية وجميع الدواوير التي لا تتوفر على هذه الجمعيات . وبالإضافة الى ذلك، يمكن للفريق السالف الذكر، الاستعانة عند الاقتضاء بوكلاء التنمية الاجتماعية والفريق الإقليمي للمواكبة والدعم التقني المشكل لنفس الأغراض باعتباره الساهر على تتبع التنفيذ السليم للتخطيط الجماعي على مستوى التراب الاقليمي ويقدم المساعدة اللازمة عند الاقتضاء . واعتبارا من أننا بصدد الحديث عن دور المخطط الجماعي للتنمية الاقتصادية، تجدر الاشارة الى أن اعداده لا بد أن يمر من مجموعة من المراحل المكونة للبعد الاستراتيجي في صناعة القرار التنموي الاقتصادي، هاته الأخيرة لا بد أن تحتر تسلسلا زمنيا محددا، يتمثل في عدة مراحل: 1- مرحلة الإعداد والانطلاقة: تعتبر مرحلة التهييئ للمخطط الجماعي للتنمية، ذات أهمية قصوى نظرا لدورها في تعبئة مختلف الفاعلين المحليين والموارد البشرية اللازمة وتوعيتهم بأهمية المخطط وتحديد الإطار الملائم الذي يسير من خلاله المسار التشاركي وتحديد المتدخلين والأدوار التي سيقومون بها ،هذا بالإضافة إلى تعبئة الموارد المادية والمالية الضرورية وتنظيم العمل من أجل انجازها . وترمي هذه المرحلة إلى إقناع أصحاب القرار المحلي والفاعلين الجماعيين بتبني المخطط الجماعي وفق منهجية التخطيط التشاركي والاستراتيجي مع ضمان دعم الوصاية الإدارية والمالية لمسلسل التخطيط وخاصة من الفريق الإقليمي وممثلي الخلية المركزية من خلال تنظيم لقاءات تأطيرية وتوجيهية للمجالس الجماعية . 2 - مرحلة التشخيص وجمع المعطيات: وتتضمن هذه المرحلة نشاطين أساسيين : * تشخيص الحالة الراهنة أو ما يصطلح عليها بالمونوغرافيا، وهو النشاط الذي تم إسناده في اغلب الجماعات إلى وكلاء التنمية الاجتماعية بالحسيمة من طرف المديرية العامة الجماعات المحلية، وهو الذي يهدف إلى جمع المعطيات الكمية والكيفية المرتبطة بمختلف مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية بالجماعة ، وتشخيص المشاكل المهمة وحاجيات السكان وقدراتهم والقيام بتحليل أولي للمعلومات والمعطيات وإدخالها في بنك المعلومات الجماعي. * التشخيص التشاركي : يهدف هذا النشاط إلى إشراك الساكنة والفاعلين المحليين على أساس نتائج المرحلة الراهنة في تشخيص مختلف المشاكل والتعرف على مواطن القوة والضعف وتحديد الآفاق المحتملة للتنمية والأولويات المعبر عنها من طرف السكان وتقسيم الجماعة إلى مجموعات ومناطق ترابية . هذا، ويتطلب التشخيص التشاركي تكوينا أوليا للأشخاص المسيرين له وتواجد منشطين ذوي كفاءة عالية ، مما يتحتم معه الاستعانة بالخبرة الخارجية في ظرف زمني لايتجاوز شهرين . إن النتيجة التي يمكن الوصول إليها، هي تحديد التحديات الكبرى للتنمية بالجماعة وضبط أولويات وإبراز المؤهلات ونقط الضعف والقوة والفرص والمخاطر مع ترتيبها حسب الميادين الكبرى (اجتماعية اقتصادية بيئية ...) واقتراح سبل التنمية مع الأخذ بعين الاعتبار البعد الترابي ومقاربة النوع. 3 – مرحلة تقديم نتائج التشخيص للفاعلين والمصادقة على المخطط الجماعي للتنمية : تمر هذه العملية عبر مرحلتين فرعيتين ، تضم الأولى تقديم نتائج المخطط إلى السكان والثانية المصادقة النهائية عليه من طرف المجلس الجماعي ، فبينما تهدف المرحلة الأولى إلى إخبار السكان حول الاختيارات التي اتخذت من طرف الجماعة وتعليلها ، فان المرحلة الثانية يعرض فيها المخطط الجماعي على أنظار المجلس الجماعي قصد الدرس والتصويت عليه ، كما يحدد هذا الأخير برنامج الأعمال والمشاريع الواجب القيام بها باشتراك وشراكة مع الإدارة والجماعات المحلية الأخرى والمؤسسات العمومية ... 4 – مرحلة المرافعة وتعبئة الموارد المالية : ان المخطط الجماعي للتنمية ، يسمح بالتدخل في مختلف أبعاد التنمية المحلية وخاصة الاقتصادية منها نظرا لكونها تشكل محور تدبير المجالات المعيشية الأخرى، ويتطلب من أجل تحقيق ذلك إمكانيات ذاتية للجماعة وموارد أخرى يمكن جلبها من فاعلين ومانحين تابعين للدولة وللقطاع الخاص والمجتمع المدني والتعاون الدولي. ان مسالة المرافعة، تعني كيفية تعبئة الموارد المالية المخصصة لتمويل المشاريع المدرجة في المخطط الجماعي للتنمية ، وهي مرحلة حاسمة وتغييبها أوعدم التعامل معها بالجدية المطلوبة يمكن أن يعرقل مسلسل التخطيط وعملية التنمية الاقتصادية بالجماعة، الأمر الذي يتطلب توفر عدد من الشروط المسبقة التي تؤهل وتحسن قدرات الجماعة في المرافعة ،وهو ما يمكن إيجازه فيما يلي : * يجب أن تكون المرافعة مدعمة على المستوى الإقليمي والمركزي. * تهيئ مساطر التعاقد واليات التمويل المتفق عليه. * نشر المخطط الجماعي للتنمية على نطاق واسع في شكل كتيبات ملصقات إعلانية وفي الموقع الالكتروني للجماعة. * خلق بنك للمشاريع التنموية وإعداد شريط وثائقي وجذاذات المعطيات بالجماعة . * التكوين في المرافعة والتواصل وإعداد المشاريع لرؤساء الجماعات وأعضاء المكتب والموظفين الجماعيين والفاعلين المحليين من أجل تقوية المهارات والقدرات لشرح وتوضيح المخطط الجماعي للشركاء المحليين. * المشاركة في طلبات عروض المشاريع وتشجيع الجمعيات الناشطة داخل تراب الجماعة للإقبال عليها كوسيلة هامة لتعبئة الموارد المالية والحصول على التمويلات . * تنظيم ورشات تعبئة ومائدة مستديرة على المستوى المحلي يحضرها كل الشركاء الاقتصاديين والاجتماعيين والفاعلين الجمعويين وعموم الساكنة المتواجدين داخل تراب الجماعة لحثهم على المساهمة في تنفيذ المخطط الجماعي ودعمه ماديا ومعنويا . * يقوم الفريق الإقليمي، بتبني مجموع المخططات الجماعية للتنمية المنجزة بالإقليم والمرافعة على المستوى الإقليمي والتفاوض حول عقود التمويل مع المجلس الإقليمي والمصالح الخارجية للدولة والمغاربة المقيمين بالخارج والمجلس الجهوي والمصالح الإقليمية والجهوية للدولة ... * وعلى المستوى المركزي، تتدخل المديرية العامة للجماعات المحلية لتعبئة الموارد اللازمة مع صندوق التجهيز الجماعي ووكالات التنمية الاجتماعية وعلى الصعيد الدولي مع وكالات التعاون الثنائي أو المتعددة الأطراف... 5 – التتبع والتقييم: تعتبر عملية تتبع تنفيذ المخطط الجماعي جزءا لا يتجزأ من العملية ككل ، إذ يسمح بمعملية التتبع ومن ثمة الحكم على تقدم انجاز المشاريع المدرجة في البرنامج وحسن تدبير الأنشطة والأعمال ومراقبتها وتقدير مدى الوصول إلى النتائج والأهداف المتوقعة ، وكذلك التأكد من تنفيذ برنامج العمل المسطر والقيام بالتعديلات الضرورية قصد ملائمة الموارد مع الأنشطة لبلوغ النتائج المنتظرة . كما أن تتبع المخطط الجماعي للتنمية، يهدف إلى تقييم تقدم تنفيذ المشاريع من جوانب متعددة (التكلفة الآجال الجودة النتائج..)واتخاذ القرارات المتعلقة بكل مشروع في طور الانجاز إما بإعادة تقويم الموارد أو مراجعة النشاط أو الترخيص بمواصلة النشاط ، كما يتم إعداد تقارير التتبع من طرف الفريق الجماعي المكلف وتقديمها لرئيس المجلس الجماعي كل ثلاثة أشهر أو مرتين في السنة أوسنويا ، ويتم إرسالها إلى اللجنة التقنية الإقليمية والمديرية العامة للجماعات المحلية. ومن هذا المنطلق ، يمكننا القول بأن المخطط الجماعي للتنمية ، ليعتبر بمثابة خارطة طريق التنمية الاقتصادية الترابية ووضعها في قالب استراتيجي ، يمكنها من بلوغ أهدافها التنموية بشكل تحترم معه الهوية والانسية المغربية مع ضمان الانخراط المتزن في مجريات التحولات العالمية العميقة.