غزا الشيب الأبيض شعر المخرج الأرجنتيني "فيرناندو سولانس" لكن السنون لم تؤثر على حضور الرجل و فصاحة لسانه و وضوح أفكاره التي كانت دائما منفلتة للواقع، مقاومة للجمود و متمردة على السائد. وقف سولانس أمام ميكروفون مهرجان الفيلم الدولي بمراكش، مساء الخميس، فدعا الى تشجيع سينما المؤلف الحر في انتصار لقناعات جسدتها أعماله التي أخرجها للشاشة الفضية مقاوما الديكتاتورية العسكرية في بلده بكل جرءة و مبدئية قل نظيرها في أوساط السينمائيين. من على منصة المهرجان الدولي بالمدينة الحمراء انتقد فيرناندو سينما هوليود و وسائل الإعلام التي تعمل على تنميط الوعي البشري مقترحا أعمالا تنصر لقضايا الناس و تطلعات الشعوب. وقفت القاعة تصفق لمتحدث كاريزمي واجه التهديد بالاغتيال، بداية السبعينات، من قبل فرق الموت التابعة ل"التحالف الارجنتيني ضد الشيوعية" ومحاولة الاختطاف، التي أشرف عليها جنرال السلاح البحري في الارجنتين سنة 1976 مما دفع بمخرج "ساعة الأفران" الى حزم حقائبه واختيار باريس أرضا للمنفى منذ يوم محاولة الاختطاف الفاشلة الى سنة 1985. لم يجعل الرجل من باريس فضاء للتنزه بزقاق "سان ميشيل" أو متاحف عاصمة الأنوار و هو الموسيقي الموهوب و الشاعر المفوه بل حول العاصمة الفرنسية الى قاعدة للنضال عبر الاستمرار في استعمال كاميراه كسلاح فتاك أثر إيجابا في وعي عدد من الحركات الاجتماعية و التيارات السياسية داخل بلده. مع ارتفاع نسب الفقر و البطالة في صفوف الارجنتيين بسبب الأزمة المالية التي اجتاحت البلد بين سنتي 1998 و 2002 حمل فرناندو آلة تصويره من جديد و أرخ لنضال "الكاسرونا و الكاميلة" في ساحات الأرجنتين و حرض من أجل العصيان المدني و المقاومة السلمية ضد السياسات الرأسمالية التي كرهه كرها ظهر في أعماله التي اتجهت دوما يسار الممارسة السينمائية و السياسية. حصد سولانس الجوائز عبر أعماله المختلفة كالجائزة الكبرى بمهرجان البندقية بإيطاليا بفيلمه "نفي كارديل"، سنة 1985 و جائزة أفضل إخراج بمهرجان "كان" الفرنسي عن فيلمه "الجنوب" سنة 1985 و أعمال سينمائية جريئة أخرى كادت أن تودي بحياته كفيلم "السفر" الذي لم يستكمل في وقته المحدد بسبب عمل إرهابي استهدف المخرج الأرجنتيي الكبير. سولانس لم ينس السينما حتى عندما اختطفته السياسة فجعل من منصبه التشريعي داخل قبة البرلمان وسيلة لخدمة الفن السابع عبر اقتراح مشاريع قوانين صبت في خدمة السينما و المسرح و الموسيقى و خلق مؤسسات تعنى بالفنون. فرناندو معشوق كل كارهي الظلم، لدى حظي بتكريم كبير من طرف منظمة "هيومن رايتس ووتش" سنة 1993 في نيويورك قبل أن تستضيفه مراكش عزيزا كريما بين جدرانها الحمراء التي لا يضاهي ألوانها الا حمرة أفكار و قناعات المخرج المكرم.