حينما قرأت ما كتب الأستاذ بودهان المحترم عن لا تاريخية العروي هالني ما قرأت واستغربت حقيقة من هذه الجرأة النادرة على إطلاق العنان للقول في المعرفة بالعمد إلى قلب الحقائق بشكل حيرني فعلا. ينطلق الأستاذ بودهان من فكرة صحيحة ليبني عليها استدلالا غير صحيح (a correct premise with an invalid line of reasoning) ومفاد ما ذهب إليه أن الدارجة عربية من حيث المعجم ولكنها امازيغية في بنائها النحوي. ولست أدري كيف تسنى له أن يذهب هذا المذهب؟ هل نحن أمام نوع من الهذيان أم أنه تسرع من تدفعه نزغات الإيديولوجيا لتحجب عن العقل طريق الاستدلال. كان الأولى بالأستاذ الكريم أن يميز أولا بين اللغة واللسان (language and tongue) فاللغة لدى علمائها هي الأصوات ولنقل المعجم واللسان هو هو البناء النحوي الذي تجري في أخاذيذه تراكيب اللغة. ولهذا سمى الله تعالى اختلاف الناس باختلاف ألسنتهم ولم يقل لغاتهم وأطلق على كتابه الكريم نعت: اللسان العربي وليس اللغة العربية نظرا لتشابه اللغات في المعجم عن طريق الاقتراض واما الاختلاف الحقيقي فيكون بقالب النحو. والمحير حقا أن يميز الأستاذ بين نحو الدارجة ونحو العربية الفصحى وان يرى أن نحو الأولى أمازيغي ومعجمها في الغالب عربي. ولأنني أكتب هذه المقالة على عجل فإنني ساعطي بعض الأمثلة لنرى مدى صحة ما ذهب إليه لنبدأ بالجملة الفعلية : في العربية: ذهب الولد إلى المدرسة في الدارجة : مشى لولد ل لمدرسة في الأمازيغية: إدَ أورب س لمدرست نحن هنا أمام نظام نحوي واحد في الأمثلة الثلاث مما يجعل من الجملة الفعلية في العربية والدارجة والأمازيغية جملة ذات نظام (VSO ) في مقابل اللغة الإنجليزية مثلا (the boy went to school) أي نظام (SVO) وهو ما يؤكد جزأ من نظرية النحو الكلي القائم على التشابهات بين أنحاء اللغات الإنسانية كما يرى تشومسكي وإن بنسبية لا تخفى على دارسي اللغات. وكما يمكن قلب الترتيب السابق في العربية من vso إلى svo فيمكن فعل ذلك في الدارجة والأمازيغية. من هذا المثال يظهر وجه الشبه التركيبي بين العربية والدارجة والأمازيغية ولكنه ليس كافيا لإجراء تعميم صحيح. ولنأخذ النفي مثالا آخر: في العربية : لم يذهب الولد إلى المدرسة في الدارجة: ما مشا (ش) لولد ل لمدرسة في الأمازيغية: أور إد أوربا س لمدرست نلاحظ أن الأمازيغية تستعمل أداة نفي لا صلة لها بالعربية وهي (أور) وأداة تعريف (أ) مقابل (ال) في العربية ولنلاحظ أن تعريف المذكر في الأمازيغية يكون بالهمزة (أربا =الولد) (تاربات= البنت) (أغيول=الحمار) (تاغيولت= الحمارة او الأتان) فعلى مستوى الكلمة يظهر ان بناء التعريف في الأمازيغية يختلف عن التعريف في العربية وعلى فرض اقتراض الأمازيغية من العربية معجما (أفروخ= الطفل) و (تافروخت= الطفلة) من الفرخ والفرخة والفراخ فإن للأمازيغية قالبها الصرفي الخاص في التعريف. أما الدارجة فنقول: (لولد= الولد) (لبنت= البنت) وهو نفس القالب الصرفي لأن ما حصل هو حذف الألف للتخفيف وهو ما يحدث في العربية نفسها في قولنا : جاء الولد فنكتب الألف ولا ننطقها. وقول القرآن الكريم : (الذيب في قراءة ورش بدل الذئب في قراءة حفص) لأن كثيرا من العرب كانوا يميلون للتخفيف من الهمزات. اداة النفي كما لاحظنا مختلفة في الأمازيغية (أور) مما يجعلها دليلا على نحو خاص مستقل بذاته. أما النفي في الدارجة فيكون ب (ما) وهو النفي ب (ما) في العربية الفصحى نقول : ما ذهبت أي لم أذهب. وفي الدارجة هناك حرف متأخر يدعم النفي وهو (ش) في (ما مشا ش) والشين هنا هي (شيء) العربية أي : ما مشى شيئا ، ويقول إخواننا في الشمال: ما مشاشي وهو ما يظهر أصلها العربي الفصيح ويدعم هذا وجود هذه الكلمة في العامية الشامية (إشي) والذين حذفوا الهمزة من آخر الكلمة واضافوها في أولها. وما حدث ل (ش) في الدارجة هو حذف الهمزة وهو أمر ذكرنا تكرار حدوثه في العربية الفصحى على نفس المنهج وعين المهيع. ولكي أختم هذه المقالة دعوني أكتب فقرة قصيرة بالدارجة : "طلت بنت زوينة من الشرجم، سلمت عليها وانا نسولها على فاميلتها، قالت لي : لواليد خدام في المعمل و لواليدة غادة تجي وتلقاك هنا وتم تكون شي مصيبة. ما كملت كلامها حتى جات أمها او هي تنزل علي بواحد الطرشة" لنحلل هذه الفقرة: - طلت : اطلت في العربية: مع حذف الهمزة وهو قانون نحوي عربي (فعل وتاء التأنيت لا محل له من الإعراب) - بنت : بنت (فاعل) - زوينة: جميلة او زينة والسبب في ظهور الواو ان العرب كانت تقول: يزوننا او يزيننا (كما في لسان العرب) فكان القلب الواوي عند أهل المغرب لوجود هذا الأصل (صفة ) - من : من (حرف جر) - الشر جم: كلمة مركبة من : الشر والجم أي الكثير وكان أهل المغرب يخيفون بناتهم واطفالهم من النوافذ : البنات من أجل العفة والأطفال خوفا عليهم فيشيرون إلى النافذة ويقولون: شر جم (اسم) - سلمت : سلمت (فعل والتاء هنا فاعل) - عليها : عليها (جار وضمير متصل مبني في محل جر) - و: للعطف أو الترتيب أو الابتداء وهي هنا للابتداء إلى آخر الفقرة: والطرشة هنا مجاز مرسل لما سيكون لأن الصفعة تؤدي إلى الطرش كما في القرآن : يأكلون في بطونهم نارا والنار لا تؤكل ولكن مال اليتامى حين يؤكل بغير حق يؤدي إلى النار فجيء بالمسبب (بفتح الباء الأولى) عوض السبب إلا أن ما تختلف فيه الدارجة عن الفصحى نحوا فهو قليل جدا مثل الحاضر المستمر: present continuous فهو غير موجود في العربية صيغة وإن وجد من حيث المعنى اما في الدارجة فنقول: أنا كنكتب للدلالة على استمرار الفعل في الحاضر حين التلفظ. كما أنا المستقبل في الدارجة يختلف نحوا عن الفصحى فنقول: غادي نمشي وفي العربية سأمشي. وعليه فإن الدارجة بنت الفصحى ولو كره الأستاذ بودهان ذلك والسلام