هم حضاري للإسهام في بناء خلَف البحث العلمي في المغرب، خاصة في مجال العلوم الإنسانية، يحمله مشروع جديد، أعطَت انطلاقته أكاديمية المملكة المغربية، الثلاثاء 8 فبراير، في مقرها بالرباط. ويجمع هذا المشروع باحثين وطلبة دكاترة، مع أكاديميين بارزين في عدد من تخصصات العلوم الإنسانية، للانخراط في حوارات معرفية، ومناقشة مستجدات البحث العلمي في مجالاتهم، وخلاصات أبحاثهم. بتنسيق من الأكاديمي عبده الفيلالي الأنصاري، تستقبل هذه "الحلقات الدراسية رفيعة المستوى" أكاديميين مغاربة وعربا ودوليين، قصد "تشييد صرح فكري، تتناغم في ظله الأبعاد التكوينية والفكرية"، وفي سبيل "تعميق صحوة فكرية حديثة تنهض بمتطلبات البناء التنموي والحضاري على قواعد البناء الهوياتي في تراثنا الإسلامي المنفتح، والمتحاور مع الاختلاف والتنوع (...) و (...) تحرير العقول من قيود التقليد والانخراط بفعالية في معالجة ومساءلة قضايا ومشكلات عصرهم". وانطلقت هذه السلسلة التي تنظمها الأكاديمية بحلقة دراسية تستمر في الأيام المقبلة، أطرها الأكاديمي التونسي منصف عبد الجليل، الذي كان عميدا لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بسوسة التونسية، ومستشارا لوزير التربية والعلوم مكلفا بإصلاح التعليم الديني في الابتدائي والثانوي، ومستشارا لوزير التعليم العالي بتونس مكلفا بالإصلاح في جامعة الزيتونة، كما حاضر بعدد من جامعات القارة الآسيوية، واشتغل أستاذا زائرا بجامعة ليون 2 الفرنسية. عبد الجليل لحجمري، أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، قال، في كلمته الافتتاحية لسلسلة اللقاءات التكوينية، إن تأطيرها من قبل "علماء وباحثين راكموا تجربة دولية في مجالات اختصاصاتهم" سيفتح أمام الباحثين "آفاقا واعدة لتعميق النظر في مختلف الاتجاهات الحديثة، لدراسة التراث العلمي والثقافي للمسلمين، بمقاربات تاريخية واجتماعية وسياسية عامة". وتابع لحجمري موضحا أن هذه "الحلقات العلمية المتخصصة" تمثل "فضاء للتناظر وبناء الأفكار، وتوسيع دائرة نقاش ما يشغل الدارسين، وتقاسم نتائج الأبحاث ومستجداتها النظرية والتطبيقية"؛ لأنه "كثيرا ما يعاني الباحث صعوبة توفير اتصال دائم، بين المتخصصين، ومن هنا توفر الأكاديمية هذه السلسلة من الحلقات العلمية، لتكون بمثابة مركز فكري يسهم في تطوير البحث العلمي ببلادنا"، علما أن هذا البحث هو "الركن الأساس" للجامعة وما في حكمها من معاهد. وسجل الأكاديمية، حسب الكلمة ذاتها، أن تطوير الفكر هو "الوسيلة الوحيدة الممكنة لصناعة الباحثين في شتى المجالات تعزيزا لكل تنمية، وتحقيقا لكل نهضة منشودة"؛ وهو ما دفعها، بتوجيهات ملكية، إلى الانخراط في "تطوير نظام تكويني فكري وثقافي، يستفيد منه باحثون أكفاء في حلقات علمية متخصصة، على غرار معاهد عالمية (...) غايتها تشييد بحث علمي رصين، برؤى خلاقة، تنشد تكامل المعارف في علوم الإنسان والاجتماع والسياسة والتقنيات، وتنشغل (...) بمواضيع غاية في العمق والغنى". ووصف لحجمري هذه السلسلة الجديدة بكونها حلقات ل"نقد العلم برؤية موضوعية، وبعمق فكري ومنطقي؛ من أجل تنمية الحس النقدي لدى الباحثين، وتمكينهم من التأصيل الجيد في مختلف فروع العلوم والمعارف؛ بالاطلاع على مختلف نظريات فلسفة العلوم"، و"توفير تحليل منشغل لطرح الأسئلة الإشكالية القادرة على فهم ممكنات الاستفادة من التراث في تدبر الحال والمآل". وذكّر أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة بأن "الممارسة الفكرية حلقة متصلة في الزمان"، وبأن "لا تدبر للعلوم والمعارف، بدون نقد متواصل لهما، ولا وجود لمعرفة إنسانية متطورة عبر التاريخ، دون نظرية نقدية ممتلكة لقدرة التركيب والتصنيف واستخلاص النتائج وتقييم المنجز واستشراف الأفق". وفي عصر مجتمع المعرفة، و"ممكناته المذهلة" في توليد الأفكار وتداولها بسرعة لا نظير لها، نبه لحجمري إلى أنه "ما علينا إلا حسن استثمار" هذه الممكنات ب"إمكانياتنا". وأضاف: "نمتلك تراثا يؤهلنا لتخطي هشاشة الأفكار. ما نحتاجه هو تشغيل العقول، وإطلاق العنان لقدرتها الخلّاقة في الابتكار والتخييل والتحليل والتفكير بطريقة مختلفة أصيلة ومتكاملة".