من الطفل ريان إلى كافة المتعاطفين والمتتبعين وبعد، أكتب إليكم من "قاع الخابية" وأنا في قاع البئر، أحدثكم عن خيبتنا، عن جهلنا، عن أقسى درجات الاستهتار بالحياة. أكتب إليكم دون حاجة إلى ورقة وقلم، ودون حاجة إلى المداد. كم هي عميقة هذه الهوة بين الحياة والموت، لكني لست الوحيد. لقد صرخت لكي يعيش باقي الأطفال، ويا لها من صرخة، فقد تردد صداها في حضرة المجلس الحكومي، بل إن الوزراء اضطروا لإعلان تضامنهم معي، وهم يعلقون نجاتهم، من المحاسبة الشعبية، على نجاتي؛ ألست أفضل نائب عن الطفولة؟ لا أخفيكم أنني لست الوحيد الذي يوجد في حفرة عميقة، ولكن هناك أطفالا آخرين، بعضهم يعيش في حفرة من الثلج وآخرون يعيشون في حفرة الإهمال، وبعضهم لا حول لهم ولا قوة، وكلهم يتنفسون تحت عتبة الفقر، ولكن الحياة تستمر، لأن الأغلبية المتواطئة تغلب الحقيقة. أنا اليوم أوجد في هوة سحيقة، ولا حول لكم ولا قوة سوى كتابة بلاغات تضامنية، عاجزة. عذرا لكل الأمهات، وعذرا لدموع الرجال، فالطفولة أكبر من كل الحسابات، وأكبر من الانتخابات، ولكن صرختي في قاع البئر كانت حتمية لكي يتألم الجميع على واقع مرير. أعلم أن الظرفية لا تصلح للمحاسبة، ولا أحد سيسأل عن صاحب المسؤولية التقصيرية في هذا الحادث، ولا أحد سيبحث عن الذي حفر حفرة لأخيه فوقعت أنا فيها. بكل أسف، بكل مرارة، أنا أختنق، وأخنقكم معي في واضحة النهار وفي غسق الليل، جوعي هو جوعكم، وألمي هو ألمكم، ودموعي صرخة في واد سحيق من أجل باقي الأطفال، والشكر موصول لذلك الطفل الذي وقف عند مدخل الحفرة ليتحدى الموت بحياته من أجلي، ولا شك أن شجاعته، محاولته من أجل النزول عندي، أكبر دليل على أننا أطفال من عالم آخر.. رغم الحاجة، ورغم الفقر. لا يمكن أن يحس بألم طفل إلا طفل مثله، أو فؤاد أبوين مكلومين، ولكن حادثة شفشاون ستترك نذوبها على المرحلة، ولن تخفف من ضررها إلا ترسانة القوانين التي ستعد خصيصا لهذه المناسبة، طالما أن السياسيين لن يضيعوا مثل هذه الفرصة السانحة من أجل وضع تشريعات تحت الضغط والطلب، كما لن يدعوا الفرصة تمر دون إلقاء خطاباتهم المأساوية المعتادة في مثل هذه المناسبات. هناك من سيستغل الحادث لتصفية حساباته، وهناك من سيطلق العنان لحساباته الخاصة، ولكن الألم واحد، والوطن واحد. في انتظار تفاعلكم، أشكر كل الصادقين، من المواطنين والمسؤولين، الذين بذلوا ما في وسعهم لكي تعيش الطفولة ولكي تعيش الإنسانية فينا، والشكر موصول لأولئك الذين لم يناموا، في انتظار موعد جديد مع الحياة والأمل في غد أفضل وواقع أكثر تفاؤلا.