صدق "أرستوكليس بن أرستون"، وهو الفيلسوف المعروف بأفلاطون، عندما قال: "نحن مجانين إذا لم نستطع أن نفكر، ومتعصبون إذا لم نرد أن نفكر، وعبيد إذا لم نجرؤ على أن نفكر"، وقد حان الوقت لتتحلى الجهات المسؤولة بالجرأة نفسها التي تناقش بها "التنمر" و"التحرش" ومواضيع أخرى ...، لفتح موضوع الفئات "المختلة عقليا" و"المجانين"، واتخاد التدابير اللازمة لحماية الوطن والمواطنين من التصرفات الطائشة التي تؤدي إلى زعزعة صورة المغرب لدى الأجانب، وزعزعة مشاعر المواطنين الذين لا ذنب لهم أمام هذا الخطر الداهم الذي يتربص بالجميع. وقد تكررت الصورة المؤسفة خلال الفترة الأخيرة، بعد أن أقدم شخص مجنون، يعاني من اختلال عقلي، على قتل مواطنة فرنسية بدم بارد في تزنيت، وكادت الحصيلة أن تكون أكبر بعدما انتقل هذا "المجرم المجنون" إلى مدينة أكادير ليواصل اعتداءاته التي لا يتصورها العقل في حق زبائن مقهى بالشريط الساحلي، وكانت من بينهم ضحية من جنسية بلجيكية، لكنها كانت أكثر حظا من "الضحية الفرنسية". من منا لا يتجرع مرارة المشهد، وهو يشاهد يوميا جحافل المتسولين، والمجانين، والمقصيين...، يحاصرون الزبائن على أبواب المتاجر، ويعترضون السيارات عند إشارات المرور، ويعرضون حياة المواطنين لأخطار متنوعة، تبدأ في بعض الحالات ب"السب والقذف" وقد تنتهي باعتداء جسدي. وبين الجنون والعقل، يعيش الاسترزاق، والاستغلال، والتنكيل بالفضاءات العامة، ويعيش الجهل، ويضيع الوطن. ويا له من جنون ذي تكلفة سياسية كبيرة، حيث إن مجنونا من النوع سالف الذكر استهدف مواطنين أجانب، وإذا كان عيب الدار يبقى فيها، فإن "العيب" خرج هذه المرة إلى الخارج، ليجد المواطنون أنفسهم في وضعية "تبرير" لهذه الجريمة الشنعاء. ما ذنب هذه السائحة المسكينة حتى تتعرض للقتل بطريقة مشينة؟ وما دخلها بجنوننا نحن؟ أليس الجنون هو تبرير تصرفات المجانين؟ إن حادثة من هذا النوع لا تقتضي توزيع مشاعر التعاطف مع هذا المجرم المفترض بدعوى أنه مصاب بخلل عقلي أكدته تصريحات عائلته، والمغاربة يقولون دائما "الله يسمح لينا من الوالدين"، ولكن بكاء الأم على فلذة كبدها، وتضامن العائلة، وشهادات الجيران، لا تبرر بأي حال من الأحوال إطلاق الأمور على عواهنها، بل يجب استنفار كافة الجهود لمحاصرة ظاهرة انتشار المختلين عقليا في الشوارع، وإنصاف العائلات أيضا بتوفير مراكز للرعاية الاجتماعية والصحية لهذه الفئات، بدل الاختباء وراء هذا الانتظار القاتل. وأخيرا، ألقي القبض على المجرم المجنون المتهم بالقتل، وتم إيداعه مستشفى الرازي للأمراض العقلية والنفسية بسلا، في وقت يجب على مؤسسات الدولة المختصة في الحماية والرعاية الاجتماعية أن توحد جهودها لمحاصرة ظاهرة الجنون بجميع أنواعها، حتى وإن تطلب الأمر جرأة أكبر من الشجاعة.