مباشرة بعد التعيين الملكي للحكومة الثانية للأستاذ عبد الإله بنكيران بتاريخ 10 أكتوبر 2013، تجدد النقاش حول تأويل الوثيقة الدستورية بشأن مدى إلزامية التنصيب البرلماني للحكومة بين: - اتجاه يرى بعدم إلزاميته استنادا إلى حيثيات متعددة، منها على وجه الخصوص حصول تعيين الحكومة في نطاق الفصل 47 من الدستور. - و اتجاه ثان يتشبتت بوجوب التنصيب البرلماني مستدلا بأسانيد منها بالأساس الفصل 88 من الدستور. وذهب البعض، في نطاق الموقف الثاني، إلى حد القول بامكانية إيجاد مخرج لعدم تنصيب الحكومة، وذلك بمبادرة رئيس الحكومة إلى ربط مواصلة العمل الحكومي بالتصويت بالثقة على تصريح يفضي به حول السياسة العامة وفق أحكام الفصل 103 من الدستور وبالنظر إلى أهمية الموضوع وما تفاعل عنه من نقاشات ذات أهمية بالغة، فإن هذه الورقة ترى فائدة في المساهمة في تقديم بعض عناصر الجواب على الإشكالية لجهة القول بلزوم التنصيب البرلماني للحكومة الحالية، وحسبها أنها ستعتمد مقاربة قانونية صرفة بعيدا عن السجال السياسي الذي قد يفقد الموضوع جزءا من جاذبيته العلمية. وقبل الخوض في صلب الإشكالية، يجدر التنويه إلى حثيات موضوعية وقانونية تشكل محددات لا غنى عن استحضارها في سبيل الإلمام بظروف وملابسات الإشكال وتحصيل ناتجه القانوني.أولا السياقات القانونية والواقعية يتعلق الأمر هنا بمعطيات قانونية، تجد مجالها في بعض تنصيصات الوثيقة الدستورية بخصوص مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، بالإضافة إلى معطى تصدع أغلبية الحكومة السابقة المفضي إلى تأليف حكومة جديدة تستند إلى أغلبية انضم إليها فاعل سياسي جديد انتسب سابقا إلى المعارضة، ويفترض أن له برنامج مغاير للحزب المنسحب من الأغلبية. 1- السياقات القانونية تفيد المحددات أو السياقات القانونية للموضوع في تحصيل فكرة واضحة عن أوجه مسؤولية الحكومة أمام البرلمان خاصة لدى مجلس النواب، وآليات التوفيق بين تقوية وضع هذا الأخير وبين موجبات العقلنة البرلمانية. وهكذا تثار مسؤولية الحكومة بالطريقتين التاليتين: - الإثارة الوجوبية، حيث يبادر رئيس الحكومة عند تعيين حكومته، عملا بموجب الفصل 88 من الدستور والمادتين 175 و176 من النظام الداخلي لمجلس النواب، إلى عرض البرنامج الحكومي أمام غرفتي البرلمان يتلوه تصويت من مجلس النواب ينصب حول البرنامج المعروض. - الإثارة الاختيارية في ثلاثة أوجه، تقبل التصنيف إلى صنفين حسب معيار الجهة المبادرة بطرح الثقة: **طرح الثقة تلقائيا بمبادرة من الحكومة عندما ترتئي، بإرادتها الحرة والمختارة، ربط مواصلة تحمل مسؤوليتها، لدى مجلس النواب، بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يفضي به رئيس الحكومة في موضوع السياسة العامة أو بشأن نص قانوني يطلب رئيس الحكومة المصادقة عليه وفق ما سنه الفصل 103 من الدستور. وتروم هذه التقنية تحقيق ما يسميه الفقه الدستوري بفرض الانضباط في صفوف الأغلبية disciplinarisation de la majorité (V. Schnebel la responsabilité politique du gouvernement, réalité ou illusion, http// chevaliers des grandes arrets.com). **طرح الثقة بمبادرة برلمانية حيث يمكن لما لايقل عن خمس أعضاء مجلس النواب تقديم ملتمس رقابة بغية سحب الثقة من الحكومة وفق ما هو مقرر من شروط وضوابط في الفصل 105 من الدستور. وفي مضمار التمييز بين الرقابة الوجوبية و الرقابة الاختيارية بأوجهها الثلاثة المبينة أعلاه، من الأهمية بمكان التوقف عند الأغلبية المتطلبة لنيل الثقة من عدمه حيث المشرع الدستوري استلزم في الفصل 88 السابق ذكره تحقق أغلبية مطلقة مصوتة لفائدة البرنامج الحكومي( عبء جمع الأصوات لفائدة البرنامج ملقى على كاهل الحكومة) في توجه واضح من المشرع لتعسير شروط ولادة الحكومة الجديدة، وعسر الولادة ليس غاية في ذاته، و إنما هو مقرر ابتغاء ضمان أغلبية واضحة، معبر عنها في التنصيب، وقمينة بضمان استقرار العمل الحكومي. وانسجاما مع فلسفة توخي الاستقرار الحكومي والسياسي، شدد المشرع الدستوري، بمنطق العقلنة البرلمانية، شروط إسقاط الحكومة بصدد تقنينه لآليات الإثارة الاختيارية للمسؤولية حيث يقرر الفصلان 103 و105 أن الثقة لاتسحب من الحكومة القائمة إلا بتوافر أغلبية مطلقة صوتت ضدها(يقع عبء جمع أصوات الأغلبية الموصوفة المتطلبة لسحب الثقة على عاتق المعارضة)، وذلك لتجنب ما يصطلح عليه بالأغلبية الظرفية La majorité de circonstance التي قد تعرض الاستقرار الحكومي للخطر. والمستفاد من المتقدم بيانه أن التنصيب يتيح لرئيس الحكومة تسجيل الحضور القوي للحكومة، وهي مسنودة بأغلبية متماسكة تقدم ضمانات الاستمرار وتعزز قوتها ومركزها إزاء الرأي العام والمؤسسة البرلمانية. 2- السياق الواقعي مفاده أن حكومة السيد بنكيران الأولى فقدت أغلبيتها بعد انسحاب حزب الاستقلال من الائتلاف الحكومي، وعندما دخل رئيس الحكومة في مشاورات انتهت بتشكيل حكومة ائتلافية جديدة، بعد انضمام حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يصنف نفسه عقائديا كحزب وسط. ويفيد ذلك بداهة أن البرنامج الحكومي، المتعاقد عليه مع البرلمان إبان تنصيب حكومة الأستاذ ينكيران الأولى، قد تغير، ولهذا التغيير نتائج قانونية في موضوع مسؤولية الحكومة أمام البرلمان، وهذه المعطيات لابد وأن توضع في إطارها القانوني المناسب لتحصيل ناتجها القانوني وفق ما سيأتي بيانه. ثانيا مدى لزوم التنصيب البرلماني للحكومة خلافا لما انتهت إليه بعض المواقف الفقهية والسياسية، فإن حكومة بنكيران الثانية تعد حكومة جديدة لجملة حيثيات سبق بيانها وشرحها من طرف أساتذة مؤيدين لوجوب التنصيب البرلماني للحكومة الجديدة، تكتفي هذه المساهمة بالإحالة عليها توخيا للاختصار وتجنب التكرار لتحقق الافادة (مقالات: ذ حسن طارق، ذ أحمد بوز، ذ بولاس، المنشورة في جرائد الكترونية). ومن باب الزيادة في وضوح الموقف الأكاديمي المتبني لأطروحة وجوب التنصيب، تستحضر المساهمة الحالية السياقات والمحددات السالف بيانها، وترى وجاهة هذا الموقف وتعضده بالأسانيد التالية: 1- أن الموقف، الذي ينتصر لفكرة عدم لزوم تنصيب الحكومة الحالية، ينطلق من حصول تعيين الحكومة في دائرة ما يقرره 47 من الدستور مع استبعاد ربطه ببقية نصوص الوثيقة الدستورية. والصواب أن مجمل نصوص هذه الأخيرة تشكل وحدة عضوية مترابطة تكمل بعضها البعض وتسنده، مع ما يستتبع ذلك من ضرورة إعمال القراءة النسقية بفهم الفصل 47 في سياق تنصيصات الدستور لاسيما الفصل 88 مع استحضار طبيعة النظام الدستوري المغربي والفلسفة المؤطرة له. 2- وضوح أحكام الفصل 88 والمادتين 175 و176 من النظام الداخلي لمجلس النواب في مبناها ومعناها وقطعية دلالتها من وجوب تقديم البرنامج أمام البرلمان وخضوعه لتصويت مجلس النواب، خاصة وأن التنصيب ينصب على البرنامج الحكومي ولايتطرق إلى الأشخاص المعينين في التشكيلة الحكومية. كما أن الفصل 47 من الدستور لاتسعف فقراته من 3 إلى 7 في تبرير الرأي المساند لسبقية تنصيب الحكومة منذ بداية سنة 2012 لأن هذه الفقرات لاتلغي إعمال الفصل88 لأن هذا الأخير يقنن شروط تقديم البرنامج الحكومي بعد تعيين الحكومة دون تخصيص يجعل المقتضى منحصرا على الحكومة المعينة مباشرة بعد الانتخابات. وما يؤكد ذلك أن التعيين حاصل بعد سابق إعفاء و تسمية لأعضاء أو لبعض أعضاء الحكومة في نطاق الفصل 47 مع اقتران الاعفاء والتعيين بحصول تصدع في الأغلبية استتبعه تأليف أغلبية جديدة يتبعه تغيير يلحق البرنامج الحكومي. وصفوة القول أن الفصل 47 له مجاله وللفصل 88 له موضع خاص يكمل ما يقننه الأول، ولا محل للحديث عن تطبيق الفصل الأول وحجب الثاني عن التطبيق. وتتأكد إلزامية المرور بالتنصيب البرلماني باستحضار سمات الهندسة الدستورية لسنة 2011 القائمة على تقوية دور المؤسسة البرلمانية وتثمين دور المعارضة، و دون إغفال قاعدة المسؤولية التضامنية لأعضاء الحكومة التي تفترض توجه كافة أعضاء الحكومة الجدد و المنتمين إلى الحكومة السابقة إلى البرلمان لنيل الثقة. ويضاف إلى ذلك أنه ثمة مستجد يتصل بتغيير البرنامج الحكومي كمعطى حاسم ينهض سببا كافيا لوجوب التنصيب على النحو المبين لاحقا، ولو على فرض أن الحكومة ليست بالجديدة لأن مناط الوجوب هنا رهين أساسا بقيام أغلبية جديدة بعد تصدع أغلبية سابقة وانطواء ذلك تغير البرنامج المحكومي المتعاقد عليه في ظل الأغلبية السابقة كما أن تمسك الموقف الأكاديمي المخالف، بانعقاد المجلس الوزاري لتبرير عدم جوب التنصيب البرلماني، لايصمد أمام النقاش والحجة المضادة لأن هذا الانعقاد لايعبر على تأويل ملزم لقاعدة الدستورية، ولايعني أيضا انبثاقا عرف دستوري لاختلال الشروط الواجبة لتشكله. 3- إن الحكومة الأولى للأستاذ بنكيران فقدت أغلبيتها بانسحاب حزب الاستقلال، وكان من شأن ذلك أن يفضي إلى احتمالين: أولهما التوجه إلى انتخابات سابقة لأوانها أو تشكيل حكومة جديدة بعد بناء أغلبية جديدة، وقد حدث الاحتمال الثاني بعد انضمام حزب التجمع الوطني للأحرار إلى الائتلاف الحكومي بعدد هام من الحقائب الوزارية يضاهي ما كان لحزب الاستقلال في الحكومة السابقة كما ونوعا. ويستفاد ضمنا من ذلك أن مكانة أعضاء الحكومة، المنتسبين لحزب التجمع الوطني للأحرار، في تدبير قطاعات حكومية عدة ونوعية، توازيه نفس المكانة في رسم وتسطير خطوط البرنامج الحكومي واجراءته على أرض الواقع. كما أن مسؤوليات هؤلاء الأعضاء، فيما سنته الفقرة الأولى من الفصل 93 من الدستور، لايستقيم معناها إلا في سياق متصل بالمسؤولية المقررة بالفصل 88 الآنف ذكره. وحاصل هذا المعطى أن البرنامج الحكومي قد تغير ليعكس تصورات وأفكار التكتل الحكومي الجديد لأن منطق الديمقراطية يفترض أن " برنامج الأغلبية يصبح برنامج الحكومة" كما يجمع عليه فقه القانون الدستوري ( Jean Gicquel et Jean-Eric Gicquel droit constitutionnel et institutions politiques 24 édit année 2010, MONTCHRESTIEN P 622 وفي سياقه وجب استحضار مغزى ودلالة السمة المميزة لدستور سنة 2011 الذي تبنى مفهوم ديمقراطية الأغلبية، التي رأى البعض- بصدد بحث مستجدات دستور 2011- أنها تمكن المواطن من"تحديد من يحكم ولماذا" في تحديد الاختيارات السياسية. (David Mellonla constitution marocaine de 2011 mutation des ordres politiques et juridiques marocains,http//www.can.infor/revue-pouvoirs,2013, p 8) وبعبارة أخرى أن البرنامج الحكومي، الذي من أجله نالت حكومة الأستاذ بنكيران التنصيب، تغير و أصبح أو سيصبح - على الأقل من الوجهة النظرية القانونية البحثة بقطع النظر عن واقع الممارسة السياسية- برنامجا يعكس الصيغة الممكنة من المواءمة والتوفيق بين برامج الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية. وهذا أمر لاتجادل فيه التيارات السياسية المشكلة للحكومة الحالية، إذ أنها كانت طيلة شهور تؤكد أن المفاوضات جارية لمناقشة بنود البرنامج الحكومي المقبل، كما أن الحكومة أعلنت أنها بصدد دراسة البرنامج الحكومي وتدقيق بنوده. ولما كان التعاقد السياسي بين البرلمان والحكومة حاصلا في التنصيب الأول على برنامج محدد مع عدم جواز تعديله أو تغييره بصفة انفرادية، فإن الحكومة مطالبة بمراجعة البرلمان قصد تحقيق غايتين: أولهما البرهنة بشكل ملموس من طرف الحكومة على حصولها على الأغلبية الموصوفة المتطلبة للتنصيب البرلماني من طرف مجلس النواب، وثانيهما التعاقد السياسي على التغييرات أو الإضافة الحاصلة في برنامج الحكومة تبعا لتغير الأغلبية المساندة لها ولتستقيم معاني ومضامين المحاسبة في وقت لاحق. سيما في دائرة ما بقرره الفصل 101 من الدستور. وقد يقول قائل أن البرهنة الملموسة على قيام الأغلبية أمر لاتخطئه العين ولايحتاج إلى بيان أو دليل مادام أن ثمة تحالف يشكل الأغلبية بعد انضمام حزب التجمع الوطني للأحرار إلى الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية، فإن ذلك مردود عليه بأن هذا القول ينسحب على التنصيب الحاصل سنة 2012 لأن نيل الثقة على البرنامج الحكومي كانت مؤكدة في حينه. وخلاصة ذلك أن عرض البرنامج ومناقشته من طرف الأغلبية والمعارضة على السواء والتصويت عليه مسألة بالغة الأهمية، وإن كانت نتيجة التصويت شبه محسومة مسبقا، وذلك لغايات: - منح الحكومة شهادة ميلاد بأغلبية مريحة تمنحها راحة نيابية ضامنة للاستقرار السياسي؛ - افساح المجال أمام الإغناء والإثراء اثناء المناقشة - تمكين المعارضة من ممارسة دورها في النقد أثناء مناقشة البرنامج الحكومي وتقييم السياسات العمومية المنتهجة في وقت لاحق سيما باستحضار الدلالات العميقة للفصل 10 من الدستور بشأن المركز الذي أن ينبغي تتبوأه المعارضة في العمل البرلماني والحياة السياسية. 4- وجوب الرجوع إلى الفقرة الثانية من الفصل 70 وكذا الفصل 101 من الدستور التي أناطت بالبرلمان صلاحية تقييم السياسات العمومية، وليس عبثا أن جاءت مهمة التقييم مقترنة بمراقبة العمل الحكومي في الفصل 70 السابق ذكره. وحيث إن فقه القانون الدستوري تواضع على استحالة الفصل بين وظائف المراقبة والتقييم، وبالتالي يتأثر تقييم السياسات العمومية، إيجابا أو سلبا، بمدى فعالية المراقبة البرلمانية الوجوبية على وجه خاص. )Dominique Chagnollaud : Le contrôle du gouvernement et l'évaluation des politiques publiques dans l'ordre du jour du parlement( art. 48.4 const.), p 3( وباستحضار هكذا مقتضى قانوني يقر مبدأ تقييم السياسات العمومية إلى جانب إقرار الرقابة البرلمانية، تصل هذه الورقة إلى القول أنه لايستقيم الحديث عن تقييم السياسات العمومية إلا بالعودة إلى التعاقد السياسي بين الحكومة والبرلمان على أهداف محددة في صيغة البرنامج الحكومي المصادق عليه، وما قد يلحق به خلال الولاية التشريعية من تغييرات وإضافات، في حالة تبدل الأغلبية، يشترط فيها توخي ابتداء تعاقدا سياسيا على مستجدات البرنامج الحكومي. والقول بخلاف ذلك يفضي إلى عدم وحدة مرجعية وأسس تقييم السياسات العمومية بين البرلمان الذي قد يستند إلى وثيقة تعاقدية هي البرنامج الحكومي الحائز على ثقته بتصويت الأغلبية المطلقة، وبين الحكومة التي ستقدم انجازاتها بناء على أكثر من وثيقة غير الوثيقة نائلة الثقة البرلمانية، وفي ذلك إخلال بأحد دعائم الحكامة الجيدة وبأحد أهم قواعد تقييم السياسات العمومية القائمة على تقييم حصيلة العمل الحكومي إستنادا إلى ما هو مسطر في البرنامج الحكومي كوثيقة مرجعية. أخيرا ثمة ملاحظة أنهي بها الحديث، وتتصل بما انتهى إليه الرأي القائل بوجوب التنصيب البرلماني للحكومة، والداعي في الآن ذاته إلى امكانية حل مشكلة التنصيب بسعي الحكومة إلى تفعيل الفصل 103 من الدستور المغربي من خلال ربط رئيس الحكومة مواصلة العمل الحكومي يتصويت بمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة. إن فكرة استعاضة الفصل 88 بالفصل 103 من الدستور تستدعي التوقف عندها لابراز مايلي: - أن هذا الموقف بعد أن فطن وتنبه إلى حيثيات لزوم التنصيب التبس عليه الأمر، وقال بإمكانية إعمال الفصل 103، علما بأن تطبيق مقتضاه لايكون إلا بمبادرة من حكومة منصبة برلمانيا، ويفترض أنها اشتغلت لمدة زمنية ليست باليسيرة لاستساغة عودتها إلى مجلس النواب لربط مواصلة العمل الحكومي بالتصويت بالثقة على تصريح يخص السياسة العامة، وبالتالي لايستقيم معنى الحديث عن عدم تنصيب الحكومة مع إمكانية طلب الثقة في دائرة ما يقرره الفصل 103. وبحكم أن الرقابة في نطاق الفصل 103 تبقى اختيارية مقابل وجوبية تلك المتصلة بالفصل 88، فإنه لايعقل "تقديم المندوب على الملزوم"، فبالأحرى القيام بالمندوب وترك الواجب دون وجه حق. - أن الإفضاء بتصريح حول السياسة العامة يخص موضوعا محددا وجزئيا داخل البرنامج الحكومي، الذي له مفهوم أشمل وأعم من مجرد تصريح حول السياسة العامة، وبالتالي فلامحل موضوعيا لإعمال نص خاصة بالتصريح في موضع البرنامج الحكومي لانتفاء عنصر المطابقة بين حيثيات الحالتين، وباعتبار أن الجزء لايستغرق الكل والعكس يبقى صحيحا. - أن الأغلبية المطلوبة في التصويت على البرنامج الحكومي هي أغلبية مطلقة لعدد أعضاء مجلس النواب يستلزم توافرها لفائدة البرنامج الحكومي لنيل التنصيب البرلماني، في حين أن الأغلبية المطلوبة لحيازة الثقة في نطاق الفصل 103 هي أغلبية مجازية تجعل الحكومة حائزة على الثقة إذا لم تصوت ضدها الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب. ومفاد ذلك أن ولوج الثقة من بوابة الفصل 103 من الدستور يمنح للحكومة ولادة بضابط ميسر قد تستوفيه حكومة غير مسنودة بأغلبية مريحة، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر مستقبلية على الاستقرار الحكومي الذي تغياه المشرع بصرامة تقنية التصويت المتبناة في الفصل 88 من الدستور. أستاذ زائر بجامعة محمد الخامس السويسي بالرباط