تم تنصيب الحكومة الثلاثين في تاريخ المغرب السياسي بتصويت أعضاء مجلس النواب على البرنامج الحكومي بأغلبية 218 صوت ، وذلك وفقا لأحكام الفصل 88 من الدستور الذي بمقتضاه يتقدم رئيس الحكومة أمام مجلسي البرلمان مجتمعين ، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة ، ويعرض البرنامج الحكومي الذي يعتزم تطبيقه . ويجب أن يتضمن هذا البرنامج الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني ، وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية و تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه لأول مرة ينص الدستور الجديد على قاعدة التنصيب بالنسبة للحكومة عندما نصت الفقرة الثالثة من الفصل 88 من الدستور على أن الحكومة تعتبر منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم لصالح البرنامج الحكومي . وهذا يعني أن المشرع الدستوري قد ربط بين تنصيب الحكومة وإجبارية حصولها على ثقة مجلس النواب ، بينما لم يتضمن كل من دستوري 1992 و1996 قاعدة التنصيب ، حيث تم التنصيص على إجبارية عرض البرنامج الحكومي للتصويت تستقيل الحكومة على إثره استقالة جماعية إذا تم رفض هذا البرنامج بالأغلبية المطلقة للأعضاء الذي يتألف منهم مجلس النواب . إن هذه القاعدة الجديدة التي جاء بها القانون الأسمى الجديد تطرح مسألة دستورية مهمة تتمثل في المفعول القانوني لكل من التعيين والتنصيب بالنسبة لأعضاء الحكومة بمعنى :هل الحكومة مطالبة بالحصول على التنصيب في الوقت الذي تم تكوينها ؟ وهل يمكن للحكومة أن تمارس بمجرد تعيينها أم لابد من ضرورة تنصيبها بحصولها على ثقة مجلس النواب ؟ بعدما تم نسخ الأحكام الدستورية الواردة في دستوري 1992 و1996 القاضية بتقديم الحكومة استقالتها بصفة جماعية في حالة عدم حصول البرنامج الحكومي الذي عرضته أمام مجلس النواب على الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس ؟ إن التأويل القانوني لمقتضيات الفقرة 3 من المادة 88 من الدستور الجديد يجعلنا أمام عمليتين متلازمتين ، تتعلق الأولى بتعيين أعضاء الحكومة من طرف جلالة الملك وفقا لأحكام الفقرة الاولى من الفصل47 من الدستور الذي بموجبه يعين الملك رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب وعلى أساس نتائجها، ويعين أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها وكذا الفقرة الأولى من الفصل 88 من الدستور والثانية تهم تنصيب الحكومة بحصولها على ثقة مجلس النواب طبقا لمقتضيات الفقرة 3 من المادة 88 من الدستور . وفي نفس السياق ،جاء الدستورالحالي بأحكام جديدة تخول للسلطة التشريعية صراحة الحق في مراقبة عمل الحكومة وتقييم السياسات العمومية وفقا لأحكام الفصل 20 من الدستور . كما جعلت الوزراء مسؤولين عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به وفي إطار التضامن الحكومي كما تنص على ذلك مقتضيات الفصل 93 من الدستور ، بل تم توسيع مجالس المراقبة لتشمل المؤسسات العمومية وشبه العمومية وشركات الدولة عندما نص الفصل 89 من الدستور على ممارسة الحكومة الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية ، حيث أعطى الفصل 102 من الدستور الإمكانية للجان البرلمانية الدائمة المعنية في كل من مجلس النواب ومجلس المستشارين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية ، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم . وفي نفس الإطار ، وبالرجوع إلى الدستور الفرنسي ، نلاحظ كيف تم تأويل الفصل 49 من هذا الاخير في فقرته الأولى من طرف الأستاذ جويل ميخانترechantar Joel M في كتابه droit politique et constitutionnel (ص 372 ) عندما اعتبر أن الحكومة توجد ، من الناحية القانونية ،منذ تعيينها من طرف رئيس الدولة ، ولكنها سياسيا لا يمكنها تجاوز ثقة البرلمان كما يوحي بذلك الفصل السالف الذكر ، والذي بمقتضاه « يقوم الوزير الأول ، بعد التداول في المجلس الوزاري ، بعرض مسؤولية الحكومة حول برنامجها أو عند الاقتضاء بشأن تصريح سياسي عام ، أمام الجمعية الوطنية الفرنسية . ويمكن الجزم بأن هذا المقتضى الجديد الذي جاء به الدستور الحالي المتمثل في تنصيب الحكومة بحصولها على ثقة مجلس النواب يعطي للخيار الديمقراطي قوته ومناعته و للممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي ويعزز مكانة السلطة التشريعية لتصبح بالفعل القلب النابض للديمقراطية باعتبارها أرفع تعبير عن إرادة الأمة ويجعل من التحول الديمقراطي الذي أرسى دعائمه الإصلاح الدستوري الجديد واقعا ملموسا روحا ومنطوقا، خاصة إذا ما علمنا أن جميع الدساتير التي عرفتها البلاد منذ 1962 إلى 1972 كانت تكتفي فقط في هذا المجال بالتنصيص على أن الوزير الأول ، بعدما يعين جلالة الملك الحكومة ، يتقدم أمام البرلمان ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه كما تنص على ذلك الفقرة الثانية من الفصل 68 من دستور 1962 والفقرة الثانية من الفصل 59 من دستور 1970 ونفس الفصل من دستور 1972 الذي جاء بإضافة جديدة تتمثل في وجوب أن يتضمن البرنامج الحكومي الخطوط الرئيسية للعمل الذي تنويا لحكومة القيام به في مختلف مجالات النشاط الوطني وبالأخص في ميادين السياسة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخارجية . وجاء كل من دستور 1992 و1996 بمقتضى جديد بموجبه يكون البرنامج الحكومي موضوع مناقشة يتبعها تصويت تستقيل الحكومة على إثره بصفة جماعية إذا تم رفض البرنامج بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب . إن هذا التطور في المسار السياسي المغربي يشكل حصنا قويا للبناء الديمقراطي ينبغي تكريسه على مستوى الممارسة لما فيه تعزيز دعائم دولة الحق والقانون والمؤسسات التي تعتبر أساس الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي والعيش الحر الكريم والثقة في الغد الأفضل ..