بغير قليل من الروية، تسارع الأغلبية السياسية إلى استهجان كثير من الملاحظات التي تقدمها المعارضة في باب ما أصبح المعجم السياسي المغربي يصفه "بالتنزيل السليم للدستور"، استهجان أقرب ما يكون إلى التتفيه المنهجي لكل دفع بعدم الدستورية، تارة بدعوى حاجة ملحة للاهتمام بالأمور الجوهرية والمهمة وترك جانبا ما قد يبدو مجرد تمسك واهن بشكليات وجزئيات وأمور تقنية، وتارة أخرى باسم شعبوية سياسية تعتبر الدستور آخر ما قد يفكر فيه المواطنين أو يضعونه في أفق انتظاراتهم. هنا لابد من التأكيد أن الدساتير توضع لكي تحترم، وان الدفوعات الشكلية في المادة الدستورية تعتبر بالتعريف دفوعات في الجوهر، نعم تنهض الدساتير على التاريخ كما تتأسس على الأفكار والمبادئ الكبرى، إنها ترجمة قانونية لفكرة المشروعية، لمبدأ فصل السلط، لكن سمو الوثيقة الدستورية يقتضي احترام شكلانيتها، مساطرها، إجراءاتها، آجالاتها، جزئياتها، هذا الاحترام هو ما سيضمن التقدير الواجب للأفكار والقيم والمبادئ والمرجعيات. نعم إن الدستور ليس صندوقا سحريا لإنتاج مناصب الشغل والطرق السيارة ومعدلات النمو والحماية الاجتماعية، إنه مجموعة قواعد وحزمة إجراءات وشكليات. لكن هذه القواعد وضعت لتأسيس تعاقد سياسي واجتماعي مبني على فصل السلط، وعلى ضمان المسؤولية السياسية وعلى تأمين حماية الحقوق. قد يبدو إجراء ما -لوحده- معزولا عن سياقه وعن ذاكرته وعن تاريخيته، وعن تطبيقاته المقارنة، مجرد عملية شكلية بدون معنى تقريبا. لكن الغالب أن ذلك الإجراء أو تلك الشكلية حاملة لمضمون سياسي وحقوقي ورمزي مؤكد. لقد خيضت ثورات سياسية وحقوقية،ومعارك فكرية و فلسفية، في الغرب، دفاعا عن مبادئ الديمقراطية ودولة الحق، ثم جاءت الدساتير لتدون كل تلك الصيرورة ،من صراعات و توافقات و تدافعات ،في صيغ إجراءات وشكليات ومساطر. نعم إن المغاربة ينتظرون تطوير المدرسة وحل إشكالية العطالة، وتمنيع الاقتصاد، لكنهم واعون تماما أن العطب الدستوري شكل جزءا حقيقيا من كل مشاكلهم، ويريدون أن يكون دستور 2011، -كما فهموه دستورا للمسؤولية السياسية- جزءا من حل هذه المشاكل. إن الدفاع عن الدستور ليس قضية أغلبية ومعارضة، إنه ليس دستور الأغلبية ولا دستور المعارضة، إنه دستور كل المغاربة بكل مؤسساتهم وانتماءاتهم، لذلك فالدفاع عنه هو قضية مبدأ تهم كل الديمقراطيين. حول التنصيب البرلماني: يعتبر التنصيب البرلماني للحكومة، كترجمة لفكرة المسؤولية السياسية أهم ملامح البعد البرلماني في الأنظمة الدستورية والسياسية. وفي التجربة الفرنسية ترجع تقاليد مسطرة التنصيب البرلماني إلى الجمهورية الثالثة (1940-1975)، حيث كان رئيس الدولة يعهد إلى شخصية سياسية بتشكيل الحكومة، ثم يقوم هذا الأخير باقتراح وزارئه على رئيس الدولة الذي يوقع مراسيم تعيينهم، لتتقدم الحكومة بعد ذلك أمام مجلس البرلمان من أجل التنصيب. أما خلال الجمهورية الرابعة، فعرفت مسطرة التنصيب مرحلتين: المرحلة الأولى قبل إصلاحات عام 1954، حيث كان رئيس الدولة يكلف شخصية سياسية بتشكيل الحكومة، وكانت هذه الأخيرة بعد إعدادها للبرنامج الحكومي تتقدم فقط أمام الجمعية الوطنية، وإذا حظي هذا البرنامج بالأغلبية المطلقة لأعضائها يقترح بعد ذلك رئيس الحكومة المنصب، أعضاء حكومته على رئيس الدولة الذي يصبح ملزما بإصدار مراسيم تعيينهم. المرحلة الثانية، عرفت تغييرا في الأغلبية اللازمة للتنصيب، تم في كون رئيس مجلس الوزراء أصبح مطالبا باختيار فريقه الوزاري قبل عملية التنصيب. مغربيا، لقد شكل التنصيب البرلماني كتجسيد لمسؤولية الحكومة أمام مجلس النواب، إحدى المطالب التاريخية للأحزاب السياسية في بلادنا، حيث دعت المذكرة المشتركة لحزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المرفوعة بتاريخ 9 أكتوبر 1991، للملك الراحل الحسن الثاني، إلى "ربط تقديم الوزير الأول المعين من جلالة الملك للبرنامج الحكومي أمام المجلس (= مجلس النواب) بالتصويت عليه وحصوله على الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب، وفي حالة إذا لم يحصل البرنامج على الأغلبية المطلقة يمنح الوزير الأول فترة تأمل لمدة أسبوع يعود بعدها أمام المجلس حيث يكفي أن يحصل البرنامج الذي يتقدم به على الأغلبية النسبية لأعضاء المجلس وحينئذ يشكل الوزير الأول الحكومة ويتقدم بلائحة أعضائها إلى جلالة الملك الذي يقوم بتعيينهم". واستمراراً لنفس المنطق، نجد تقريبا نفس التصور في المذكرة المقدمة من طرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أمام اللجنة الاستشارية المكلفة بمراجعة الدستور بتاريخ 28 مارس 2011، حيث تم اقتراح ما يلي: * "يعين الملك رئيس الحكومة الذي يعرض عليه فريقه الحكومي. * يتقدم رئيس الحكومة المعين أمام مجلس النواب ويعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه. * بعد التصويت على البرنامج الحكومي يعين الملك باقي أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها". أما على مستوى الممارسة ،فيمكن داخل التجربة الدستورية المغربية، تحقيب المراحل التي مرت منها وضعية الحكومة في علاقة مع البرلمان ومن زاوية مسؤوليتها السياسية، من خلال ثلاثة لحظات أساسية: * لحظة المسؤولية الأحادية للحكومة أمام الملك؛ * لحظة المسؤولية المزدوجة للحكومة أمام الملك ومجلس النواب؛ * لحظة التنصيب البرلماني. الحكومة ولحظة المسؤولية الأحادية اتجاه الملك: دساتير 62-70-72. في ظل هذه الدساتير الثلاث ظلت الحكومة تخضع في وجودها للملك، إذ يعد التعيين الملكي الشرط الوحيد لتأليف الحكومة ولمباشرة مهامها دون حاجة إلى موافقة البرلمان. إنها حكومة تابعة للملك تشكيلا وتأليفاً، مسؤولية وسلطة، ولأنها تعين من طرف الملك، فهي خاضعة للمسؤولية أمامه، أما مسؤوليتها أمام البرلمان فتعقدها الإجرائي وجمودها الواقعي والسياسي جعل الحكومة عمليا مسؤولة بشكل أحادي أمام الملك وحده. في هذا السياق قدمت الوثيقة الدستورية لعام 1962 هندسة للصلاحيات داخل السلطة التنفيذية، أصبحت بموجبها الحكومة منبثقة بشكل واضح من الإرادة الملكية المنفردة، حيث فقد الوزير الأول صفته السابقة كرئيس للحكومة وأصبح بموجب الفصل 24 يعين ويعفى من طرف الملك، مثله في ذلك مثل باقي الوزراء، هؤلاء الوزراء الذين لا يختارهم ولا يمثل رئيسا لهم ، تعبيراً عن الصلاحيات الأساسية التي تم تخويلها للملك كرئيس فعلي للسلطة التنفيذية، مقابل حكومة تابعة له بشكل كبير. إذ أن البرلمان لا يمنح لهذه الحكومة الثقة، ولا يصوت على برنامجها، إذ لا مجال للحديث عن المسؤولية السياسية لها أمام ممثلي الشعب، لذلك فقد تم الاعتراض على الطلب الذي تقدم به الفريق الاستقلالي خلال برلمان 1963، والقاضي بالتصويت على البرنامج الحكومي، بدعوى عدم دستوريته. وإن كان مجلس النواب المنتخب في ماي 1963 قد حاول كذلك الالتفاف على غياب المسؤولية السياسية للحكومة أمامه، بأن أضاف إلى نفسه وهو يصيغ قانونه الداخلي صلاحية التصويت على البرنامج الحكومي، فإن الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى ،قد قضت في دجنبر 1963 بأن مسألة التصويت غير مطابقة للدستور. ولأن دستور 1970 لم يكن كما كانت أحزاب المعارضة تصفه سوى دسترة لحالة الاستثناء، فقد عرف تعزيزا أكبر لسلطات الملك الذي خولت له كامل السلطة التنظيمية، مما جعل الحكومة تفقد بصيص السلطة التي منحها إياها دستور 62، حيث تقهقرت وظيفة الوزير الأول إلى مجرد منسق للأنشطة الوزارية، لتتكرس بكل قوة بتبعية الحكومة بشكل مطلق للملك. الأجواء السياسية التي عرفها المغرب في بداية عقد السبعينات جعلت دستور 1972 يبث قليلا من الحياة في دور وظيفة الحكومة، حيث استرجع الوزير الأول السلطة التنظيمية، وعوضت هيمنة الديوان الملكي التي امتدت من لحظة إعلان حالة الاستثناء إلى حدود عام 1972، بالإقرار باختصاصات المجلس الوزاري، وتم التنصيص على أن يتضمن البرنامج الذي يعرضه الوزير الأول على مجلس النواب الخطوط العريضة للسياسة الحكومية. ورغم أن الدعاية الرسمية لمشروع دستور 1972 قد تركزت على كون هندسة القانونية تتأسس على فكرة تكليف مجلس النواب بتنصيب الحكومة، فإنه من الواضح أن هذا الدستور رغم الانبعاث المحدود لدور الحكومة لم يجعل بالتأكيد من هذه الأخيرة مسؤولة أمام البرلمان قدر مسؤوليتها أمام الملك، حيث تعد قائمة بمجرد أداء الوزراء للقسم لحظة تعيينهم. الحكومة بين المسؤولية المزدوجة أو التنصيب المزدوج: دستوري 92و96. شكل دستور 1992 اللحظة الأولى لبث نفس برلماني محدود في البنية الدستورية المغربية الرئاسية الطابع، حيث لأول مرة سينص الفصل 59 وبعد إقراره بأن الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب، على أن الوزير الأول يتقدم، بعد تعيين الملك لأعضاء الحكومة، أمام مجلس النواب ليعرض البرنامج الذي يعتزم تطبيقه، وان هذا البرنامج يكون موضوع مناقشة يتبعها تصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 74، ويترتب عليه الأثر المشار إليه في الفقرة الأخيرة منه. وقد أثار هذا الفصل نقاشا فقهيا بين الباحثين الدستوريين الذين انقسموا إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: دافع عن كون الدستور المعدل، يقر بآلية التنصيب المزدوج للحكومة، فبالنسبة للأستاذ الراحل عبد الرحمن القادري،فقد دافع خلال مقال له نشر بجريدة الاتحاد الاشتراكي في شتنبر 1992 ،على أن الحكومة في المغرب مطالبة بأن تحظى بثقة الملك وبثقة أغلبية مجلس النواب لكي يصبح تشكيلها تشكيلا قانونيا، ذلك أن الوزير الأول المعين من طرف الملك الذي يتمتع بثقته، قبل إجراء النقاش حول برنامج الحكومة الذي يعهد إليه بتشكيلها مطالب بعد المشاورات التي سيقوم بها مع مكونات الأغلبية التي يعتزم الاستناد إليها بأن يختار وزراء من بين الشخصيات التي تحظى بموافقة الملك فيكون على الوزير الأول والحالة هذه أن يحرص على أن تكون الهيئة الوزارية المقترحة من طرفه تحظى بثقة الملك وثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. أما في حالة رفض منح الثقة لها من طرف أغلبية مجلس النواب فيصبح جلالة الملك ملزما بتعيين وزير أول جديد، سيحاول التغلب على العراقيل التي وجدها في طريقه سلفه الذي لم يفلح في الحصول على ثقة ممثلي الأمة بمجلس النواب. الاتجاه الثاني: اعتبر أن الإصلاح الدستوري لعام 1992 رغم ما تضمنه من تغييرات ملحوظة وإيجابية فإنه أبقى السلطة التنفيذية على ما كانت عليه، إذ لم يقع أي تحول أساسي في مراكزها ولم يذهب التعديل إلى حد ميلاد سلطة جديدة، فالحكومة خلافا لما قد يتبادر إلى الذهن لم تمر في ظل التعديلات المقترحة من وضعية التنصيب (Investiture) من طرف الملك وحده إلى وضعية التنصيب المزدوج (Double investiture) أي التنصيب من طرف الملك والبرلمان،وهذا ما ذهب إليه مثلا الأساتذة:رقية المصدق و عبد اللطيف المانوني. فبالنسبة للأستاذ عبد اللطيف المانوني، إذا كان الفصل 24 يضع أسس وصيغة تنصيب الحكومة من طرف الملك –(يعين الملك الوزير الأول وباقي أعضاء الحكومة، كما يعفي الحكومة بمبادرة منه أو بناء على استقالتها)-، فإن قراءة متريثة للفصل 59 لا تسمح لنا بالقول بأن هناك إقرارا لتنصيب مزدوج للحكومة، بل على العكس من ذلك تدفعنا للاستنتاج أن هناك تمييزا واضحا بين التنصيب والمسؤولية فالملك يمارس وحده سلطة تنصيب الحكومة وهذه الأخيرة تكون أمام البرلمان مسؤولة فقط بالإضافة إلى مسؤوليتها أمام الملك، حقيقة أن الفصل 59 يشير إلى أن الحكومة بعد تنصيبها من طرف الملك تتقدم ببرنامج أمام البرلمان، ويضيف وفقا للتعديل أن هذا البرنامج يكون موضوع مناقشة يتبعها تصويت لكن هذا الفصل ذاته يؤكد أن هذا التصويت يجب أن يقع وفق الشروط المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من الفصل 74 والرجوع إلى الفصل المذكور، يفيد أن برنامج الحكومة الجديدة لا يقبل بالتصويت الإيجابي أي حصوله على أغلبية محددة بل فقط إذا لم تصوت ضده الأغلبية المطلقة من أعضاء البرلمان، أي أن الفصل 74 لا يلغي إمكانية المصادقة على البرنامج الحكومي لو حظي فقط بأقلية أعضاء البرلمان شريطة أن لا تتكتل ضده أغلبية مطلقة، وهذا أمر يتنافى مع مفهوم التنصيب من طرف البرلمان ولا يقبل منطقيا إلا إذا افترضنا أن الحكومة تكون قائمة الذات بمجرد تعيين الوزير الأول والوزراء من طرف الملك. وأخيرا وللزيادة في الوضوح، فإن الفقرة الأخيرة من الفصل 74 التي يحيل إليها الفصل 59، تنص "يؤدي سحب الثقة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية"، فالفقرة لا تتكلم عن انسحاب الحكومة وهو اللفظ المناسب لو كان الأمر يتعلق بتنصيب مزدوج يتضمن أيضا تنصيب الحكومة من طرف البرلمان بل إنها تنص بصراحة على استقالة الحكومة، وبطبيعة الحال لا تستقل إلا مؤسسة موجودة وقائمة الذات. غير أن هذا الاختلاف القانوني في التكييف الدستوري للفصل 59، سوف لن يلغي فيما بعد اتفاق كل الباحثين على قراءة الوثيقة الدستورية لعام 1992 أو 1996 ضمن إطار المسؤولية المزدوجة،وليس التنصيب المزدوج خاصة في ظل انتصار التأويل الرئاسي لمسألة التعيين الملكي للوزير الأول، وكذلك لتواتر اتخاذ الوزراء الأوليين لبعض صلاحياتهم، في صيغ قرارات ومراسيم حتى قبل أن يحظى برنامجهم الحكومي بثقة مجلس النواب. الحكومة ولحظة التنصيب البرلماني: دستور 2011. لم يترك دستور 2011 أي شك في كون النظام الدستوري المغربي قد مر إلى لحظة التنصيب البرلماني للحكومة فالفصل 88 منه، ينص في فقرته الأخيرة على أنه: "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي". إن المشرع عموما منزه عن العبث، وإذا تعلق الأمر بالمشرع الدستوري فإن كلمة واحدة أو علامة تنقيط واحدة قد تحمل معها رهانات سياسية ودستورية كبرى، لذلك فلا يمكن أن نفهم من مصطلح التنصيب إلا ما يعنيه بالضبط كمفهوم دستوري واضح يستحيل معه تصور ممارسة الحكومة لصلاحياتها الدستورية قبل تحققه. على عكس تماما ما ذهب إليه الأستاذ خالد الناصري في مقاله بجريدة بيان اليوم (العدد 6534، الأربعاء/الخميس 2012-1-12/11- الصفحة 2) عندما اعتبر أن بامكان " الحكومة تباشر كامل اختصاصاتها في أفق تحضير أساس التنصيب البرلماني" أو عندما وصف البرلمان بأنه "سلطة استكمال التنصيب" والحال أنه بمنطوق الفصل 88 فالبرلمان هو سلطة التنصيب وليس شيء آخر. إن المرور إلى لحظة التنصيب، يتضح كذلك من طبيعة الأغلبية التي أصبح من حقها ممارسة هذا الاختصاص المهم، فعلى عكس دستوري 92 و96 فالتنصيب يقتضي "تصويتاً إيجابياً" لأغلبية موصوفة ووازنة، توازي حجم المهمة الدستورية، هي الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس النواب، وليس فقط شرط عدم تصويت الأغلبية ضده. إن التنصيب في حالة دستور 2011 يعد كذلك ترجمة لمبدأ المسؤولية المنصوص عليه في الفصل الأول وتنزيلا للمرتكز الرابع من الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 الذي تحدث عن قيام "حكومة منتخبة" بانبثاقها عن الإرادة الشعبية، المعبر عنها من خلال صناديق الاقتراع، والتي تحظى بثقة أغلبية مجلس النواب. لقد اتجه المشرع الدستوري نحو جعل الحكومة مسؤولة حصرياً أمام مجلس النواب (أنظر الخطاب الملكي ل 2011-6-17)، لذلك اختفت من دستور 2011 تلك الفقرة التي ظلت حاضرة في الدساتير الخمسة السابقة (62-70-72-92-96) والتي تجعل الحكومة مسؤولة أمام الملك وأمام مجلس النواب، لذلك فهذه المسؤولية هي التي تشكل عمق وخلفية إجراء التنصيب وأبعاده السياسية. إن بعض النقاشات التي واكبت عمليات تسليم السلط أو قانونية عقد المجلس الحكومي (والتي سنرجع إليها فيما بعد) تعود في نظرنا إلى إشكالية الموائمة بين التنصيص على مسطرة التنصيب البرلماني وبين كون تعيين باقي الوزراء سابق من الناحية الإجرائية على زمن التنصيب، في حين أن الحالات الأعم في التجارب الدستورية المقارنة والتي تنطلق من مبدأ التنصيب البرلماني تجعل من أمر تعيين باقي وزراء الحكومة لاحقا على حصول البرنامج الحكومي لرئيس الحكومة على ثقة أغلبية النواب. وعموما فإن النقاش الذي سيطرح حول القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة (الفصل 87) من شأنه معالجة بعض القضايا التي أثيرت خلال هذه المرحلة. دون ذلك ،فإن الجدل السياسي والقانوني حول الصلاحيات المخولة للحكومة بين محطة التعيين الملكي ولحظة التنصيب البرلمانين، يبقى غير ذي معنى، إذ أن الأمر لا يتعلق كما ذهب بعض الزملاء بصراع بين تأويلات مختلفة للنص الدستوري، ولا حتى بمسألة تنزيل أو أجرأة مقتضى من مقتضيات الدستور، إننا ببساطة أمام واحدة من حالتين: إما خرق الدستور أو التطبيق السليم لمنطوقه، وليس أبعد من ذلك.