بغض النظر عن التفاصيل حيث يسكن الشيطان وتسكن الأخطاء، كشفت الخرجة الإعلامية الأخيرة للمندوب الوزاري لحقوق الإنسان، شوقي بنيوب، بعض ملامح إفلاس المجتمع المدني الحقوقي في المغرب، والأكيد أن الوضع مقبل على إفلاس أكبر بعد أن اختار أغلب الحقوقيين اللجوء إلى لغة الصمت، أو الارتماء في أحضان المنظمات الأجنبية، حيث لم تجد المندوبية الوزارية لحقوق الإنسان أمامها سوى تقرير واحد من جمعية واحدة، حسب ما أكده بنيوب، وهو ما يطرح السؤال عن طريقة اشتغال عشرات الجمعيات الحقوقية في المغرب، علما أن العمل الحقوقي اليوم أصبح مدعوما، بخلاف الأمس. "الوضع" مؤلم، ولم تعد هناك تقارير يمكن الاعتماد عليها من أجل المحاججة، حسب ما أكده شوقي بنيوب، الذي انتهى الملف الحقوقي بين يديه بعد أن فضلت أطراف حكومية عدة التخلي عن الكرة وسط الميدان، والخطير في الأمر أن العمل الحقوقي العشوائي بات يفرض نفسه أكثر من أي وقت مضى، حيث يوجد بعض محترفي التصعيد، الذين يستغلون هذا الفراغ، للترويج لقضايا حقوقية زائفة؛ ما معنى أن يحتفل "الانفصاليون" بفوز المنتخب الجزائري على نظيره المغربي دون أن تتحرك أي جهة للرد أو ردع هذا السلوك من طرف من يأكلون الغلة ويسبون الملة؟ في المغرب فقط، وقد يكون الأمر نفسه في بعض الدول المشابهة، تلجأ بعض الجمعيات الحقوقية إلى تقارير أجنبية من أجل الحديث عن قضايا وطنية، بدل القيام بعملها ميدانيا، وهو ما يعني بكل بساطة، وجود كيانات تعمل ب"المناولة" لتوفير الحطب من أجل إدانة المغرب في المحافل الدولية. في المقابل، لن يجد المواطن البسيط من يؤازره في قضاياه الحقوقية الملحة، من قبيل الدفاع عن حقه في الاستفادة من الخدمات الاجتماعية والصحية، على سبيل المثال، لأنه لا يوجد حقوقيون مستعدون للترافع عن قضايا عادلة، بعيدا عن "النفخ الإعلامي". حتى شوقي بنيوب نفسه اختار تقديم تقرير حقوقي بطريقة مسالمة، تجنب فيها إثارة أي خلاف، بل إنه أجل القضايا الساخنة إلى تقارير لاحقة، وهذا الأمر لم يكن ليمر مرور الكرام في زمن المناضلين الحقوقيين الكبار، ولكن فراغ الساحة، سمح بظهور معطف "المسؤول" بمقاسات أكبر من "معطف الحقوقي". حتى الحاضرون في اللقاء الإعلامي مع شوقي بنيوب فضلوا الصمت، ولم يطرحوا عليه سوى سؤال واحدا تحدث صاحبه عن الجدوى من تقديم هذا التقرير في غياب الحديث عن القضايا الساخنة، وفي ظل اختيار المندوب عدم مواجهة أي جهة بعينها، الأمر الذي يؤكد أن جائحة كورونا ضربت أكثر من مجال وتسببت في إفلاس أكثر من قطاع، لكن لا أحد كان يتصور إفلاس المجال الحقوقي، حيث تختلط الوطنية أحيانا ب"الخيانة الناعمة"، ويختط الدعم الوطني مع الدعم الأجنبي، ومناورات الحكومة مع مناورات الهيئات الحقوقية. كل هذه المواضيع أصبحت غير ذات جدوى، في انتظار "صحوة حقوقية"، وفي انتظار ذلك المواطن الذي يؤمن بأهمية المحافظة على العمل الحقوقي، ليس من أجله فحسب، بل من أجل حماية وطنه أيضا.