أثارت المواقف التي عبّر عنها المندوب الوزاري المكلف بحقوق الإنسان، أحمد شوقي بنيوب، الكثير من الجدل وسط الحقوقيين والقانونيين، بالنظر إلى دفاعها المستميت عن منظور السلطة لكل القضايا التي تناولها. في هذا الحوار مع محمد رضى، مهندس وعضو المكتب التنفيذي لمنتدى كرامة لحقوق الإنسان، ردّ مفصل على ادعاءات المندوب الوزاري. بدءا، كيف تعلق كحقوقي على المواقف التي عبّر عنها المندوب الوزاري لحقوق الإنسان في أول خروج إعلامي له، هل توافق أنها كانت سياسية أكثر منها حقوقية وقانونية؟ الأستاذ شوقي بنيوب له سابقة حميدة في المجال الحقوقي، ويحظى بالاحترام من لدن العديد من الفاعلين في مجال حقوق الإنسان، وننتظر منه أن يقدم إضافات نوعية للعمل الحقوقي من موقعه الجديد. لكن دعني أقول منذ البداية أن المواقف التي عبّر عنها في حواره الأخير كانت غير موفقة، وبعضها أُسِّس على منطلقات خاطئة، بل تخالف الدستور والقانون. أن تقول لمندوب وزاري وفاعل حقوقي معروف، إنك خالفت الدستور صعب «شوية»، بل اتهام خطير؟ وأنا أقول إن البينة على من ادعى، وبيننا الدستور والقانون، وسأقول لك وجه المخالفة، كما أن المسائل التي سأطرحها ليست معقدة، بل هي بسيطة ويمكن التأكد منها، ولن نختلف كثيرا تجاه هذا الأمر. أين خالف الدستور والقانون، إذن؟ دعني أولا أبدأ بالجانب الشكلي في حوار السيد بنيوب، لقد اختار المندوب الوزاري الخروج إلى الرأي العام من خلال مؤسسة إعلامية خاصة لديها مواقف معلومة من القضايا التي صرّح بشأنها المندوب الوزاري، وهي مواقف لا تندرج ضمن الحق في التعبير عن الرأي المكفول لهذه المؤسسة ولغيرها، بل مواقف تمت إدانتها قضائيا أو الإشارة إليها بشكل سلبي في تقارير مؤسسات دولية. وبالتالي، أن يُعبّر المندوب الوزاري عن آراء ومواقف لا تختلف كثيرا عن تلك التي دافعت عنها الوسائل الإعلامية التابعة للمجموعة الإعلامية نفسها، وفي القضايا نفسها، فهذا يطرح مشكلا أدبيا على مستوى الشكل ابتداء. كيف ذلك؟ لنأخذ على سبيل المثال قضية توفيق بوعشرين، التي أبدى فيها المندوب الوزاري موقفا معينا سنأتي على مناقشته، فالمعروف أن المساهم الرئيس في المجموعة الإعلامية السيد أحمد الشرعي لديه نزاع قضائي طويل مع الصحافي توفيق بوعشرين، والوسائل الإعلامية التابعة لمجموعته قادت حملة شرسة ضد بوعشرين، لدرجة أن الفريق الأممي المكلف بالاعتقال التعسفي أشار سلبا في تقريره حول الصحافي بوعشرين إلى إحدى الوسائل التابعة للمجموعة لأنها استُخدمت منبرا للضغط والتشهير في حق النساء اللواتي رفضن الانضمام إلى المشتكيات ببوعشرين.. تقصد أن اختيار المندوب الوزاري الخروج عبر هذه المجموعة يمس بحياده وموضوعيته ابتداء؟ هذا أقل ما يمكن قوله في هذا الموقف، لكن أنا لا أقصد مصادرة حق هذه المجموعة الإعلامية في محاورة أي مسؤول كان. كلامي موجه إلى المندوب الوزاري أساسا، أقول له من الناحية الأخلاقية لا يمكنك المرور عبر خصم قضائي وسياسي للتعبير عن المواقف نفسها تقريبا، التي كان يعبّر عنها هذا الخصم، فهذا الأمر غير مقبول أخلاقيا من أي مسؤول سام في الدولة، وإلا أصبح طرفا وأقحموا معهم مؤسسات الدولة في صراع قضائي يُفترض أنها بعيدة عنه. هل مواقف السيد بنيوب كانت متناغمة مع مواقف المجموعة الإعلامية التي حاورها؟ بالتأكيد، كان متناغما مع مواقف تلك المجموعة في العديد من القضايا، وعلى رأسها قضية الصحافي بوعشرين. هل تقصد أننا أمام منظور واحد يتكرر على ألسنة متعددة المواقع؟ السيد بنيوب أظهر أداء جميلا بلكنته المراكشية، وعبّر بحرارة عن إمساكه بالملفات التي لها علاقة باختصاصه، لكن يمكنني القول إن الصورة التي انطبعت في الأذهان أن السيد المندوب الوزاري جاء للدفاع عن مواقف السلطة في كل القضايا التي تناولها. كان منتظرا منه بعض التوازن في مقاربة الملفات التي تطرق لها الحوار، بغض النظر عن درجة الإلمام بالقضايا التي طُرحت وتفاصيلها، ولكن الانطباع الذي خلّفه المندوب الوزاري هو أنه دافع بحرارة عن موقف السلطة فقط.. وهل يفترض أصلا الحياد في من هو مندوب وزاري؟ لا أطلب منه الحياد، لأن مواقفه حينها ستكون بدون طعم ولا رائحة، بل أقول إن مواقفه يجب أن تكون مؤسسة ومسيجة بالدستور والقانون، وبالمعايير الحقوقية الدولية والوطنية، وبالأخلاق والأدبيات الخاصة بالعمل الحقوقي. وأرى أن السيد بنيوب لم يلتزم بهذه المنهجية فقط. قلت إن المندوب الوزاري عبّر عن مواقف مخالفة للدستور، أين يكمن ذلك؟ السيد المندوب عبّر عن مواقف في عدد من القضايا بناء على أسس ومنطلقات تخالف الدستور. لنبدأ من الأول، عندما قدّم السيد بنيوب نفسه وكأنه وزير، على نفس المرتبة مع وزير في الحكومة، فهو قال كلاما غير صحيح، ومناف للدستور، لأن الفصل 87 من الدستور حدّد بشكل صريح أعضاء الحكومة، كما أن القانون التنظيمي المتعلق بعمل الحكومة حدد بشكل حصري من هم أعضاء الحكومة، وبالطبع ليس من بينهم المندوب الوزاري، الذي يعد مجرد موظف سام، يشتغل تحت إمرة الحكومة. السيد بنيوب ذهب بعيدا وقال بأن المندوبية توجد تحت إمرته، لكن هذا إذا قرّر الوزير الوصي على القطاع أن يفوض له ذلك. يترتب على هذا أن المندوب الوزاري غير مسؤول سياسيا أمام المواطنين وممثليهم؟ هو ليس عضوا في الحكومة، وبالتالي، لا يمكنه أن يتحدث للرأي العام كما لو أنه مسؤول سياسي. السيد بنيوب موظف سام دوره تنفيذ السياسات العامة في مجال حقوق الإنسان التي تضعها الحكومة، وفقا للدستور، فهو جزء من البنية الإدارية، وله أن ينتزع من التفويضات ما يشاء. أنا هنا لا أدافع عن الوزير ولا عن الحكومة، فهم أقدر على الدفاع عن أنفسهم. لكن يبدو لي أن هناك استقواءً على الدستور وعلى المؤسسات الدستورية التي تهم المغاربة جميعا، وهذا واضح عندما يقول “للسيد وزير الدولة أن يأخذ ما يشاء”، هذا استقواء لا ندري مصدره، ولكن على الجميع أن يتحمل مسؤوليته أمام الشعب، وأمام المؤسسات الموكول لها مراقبة الحكومة، لأن هذه أول مرة يتجرأ مسؤول إداري على الحديث للرأي العام وكأنه مسؤول سياسي وعضو في الحكومة، خلافا للدستور. لكن قرار التعيين يؤكد أن بنيوب عين مندوبا وزاريا بدرجة وزير؟ هذا خطأ يمارس في مجموعة من القرارات، وأيضا في نصوص تشريعية، سببه أننا عندما نريد منح امتيازات وتعويضات ومنافع الوزير لمسؤول إداري سام، نختصر التعبير وتُكتب صفته المعين بها مرفوقة بعبارة “بدرجة وزير”، لكن هذه العبارة لا تخوله وضعية وزير المحددة دستوريا، وإنما تخول له منافع وامتيازات مقابل قيامه بالمهمة العمومية التي عُيّن لأجلها. وللإشارة، هناك عدد معتبر من المسؤولين السامين في الدولة عينوا كموظفين سامين، لكن “بدرجة وزير”. وللإشارة، كذلك، حين تم تعيين الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، ورد صراحة في قرار التعيين أنه يستفيد من المنافع والتعويضات المخولة للوزير، لكن لا أحد يستطيع القول إن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض لديه سلطة الوزير. وعليه، لا ينبغي الخلط، وإلا سنخل بالبناء الدستوري كاملا. يلاحظ في المواقف التي عبّر عنها المندوب الوزاري أنه تجاهل الخوض في النقاط الخلافية، وفضل التعبير عن مواقف سياسية أكثر منها حقوقية، ومن ذلك ما ورد على لسانه في ملف معتقلي حراك الريف، فبدل أن يجيب عن الادعاءات بوجود التعذيب مثلا، راح ينتقد استخدام مصطلح حَراك الريف. ما تعليقك؟ من الناحية القانونية والقضائية هناك إشكالات فعلا، هي من صميم مسؤولية المندوب الوزاري ومسؤولين آخرين، ومنها وجود “ادعاءات جدية” بالتعذيب، حيث إن المجلس الوطني لحقوق الإنسان كلّف بمهمة فريقا من الطب الشرعي، أنجز تقريرا، باتت مضامينه معلومة لدى الرأي العام، تفيد وجود ادعاءات جدية بالتعذيب في حق معتقلي الريف، لا نقول ادعاءات صحيحة ولا نقول كاذبة، وإنما نعتبرها ادعاءات جدية، بمعنى أنها تتطلب تحقيقا، ومعلوم أن القانون ينص على إلزامية التحقيق في الجنايات التي تصل عقوبتها 30 سنة. فالقانون يلزم صراحة النيابة العامة بفتح تحقيق كلما وصل إلى علمها، بأي طريقة كانت، وجود مزاعم بالتعذيب، إذ يمكنها أن تطلب من قاضي التحقيق القيام بتحقيق في تلك الادعاءات، لكنها لم تفعل، بل رفضت القيام بإجراء كهذا… حتى المندوب الوزاري سكت عن هذه النقطة، مع أنها قضية أثارت جدلا واسعا لدى الرأي العام. لماذا؟ للسيد المندوب الوزاري أن يثير ما يشاء ويسكت عما يريد، لكن المواقف التي أصدرها فيها خلل ونقص، وتنطوي على فهم مخالف للقانون. من الممكن أن نختلف في الآراء، أو حول تأويل معين للقانون، لكن عندما يكون النص القانوني صريحا لا يمكن أن نختلف. نحن لدينا مؤسسة وطنية لحقوق الإنسان أنجزت مهمة حقوقية خلصت إلى وجود ادعاءات جدية بالتعذيب، ويقتضي القانون والتزامات المغرب الدولية أن تطلب النيابة العامة فتح تحقيق قضائي تحت إشراف قاضي التحقيق، لكنها رفضت واعترضت، بحجة أن تقرير الطب الشرعي ليس وثيقة قضائية، وهذا تغليط للرأي العام لأن النيابة العامة تنوب عن المجتمع في الدفاع عن الحق العام والنظام العام، وإنجاز الوثيقة القضائية من مهامها. لقد أشار المندوب الوزاري إلى اللجنة الفرعية المعنية بالتعذيب، وهو يعرف أن الاتفاقية الدولية تلزم الدول بفتح تحقيق في كل ادعاءات التعذيب بشكل جدي. السيد المندوب أثار قضية التأثير على القضاء بواسطة الشارع، وأنه لن يجدي نفعا في تغيير الاقتناع الصميم للقضاة؟ هذا رأي نسمعه من أكثر من جهة، ومن حق السيد المندوب أن يكون له رأي كهذا أو غيره، لكن ما يهمني أساسا، هو القناعات التي تخالف القانون والدستور. وبالطبع، أنا لا أفهم المغزى من وراء قوله إن التظاهر والاحتجاج محاولة للتأثير على القضاء، بينما وسائل التأثير الممنوعة هي تلك التي جرّمها القانون، كالارتشاء أو الابتزاز، والحال أن التظاهر يعكس نبض المواطنين، ويقتضي من مؤسسة القضاء وغيرها من المؤسسات الدستورية الاستماع إليهم جيدا، لأنها مؤسسات للشعب وهو مصدر شرعيتها. كيف نقبل الاحتجاج على السلطتين التنفيذية والتشريعية ونرفض الاحتجاج على السلطة القضائية، هذا مخالف للمنطق الديمقراطي. أكثر من ذلك، ألا يتذكر السيد بنيوب احتجاج المواطنين ضد قرارات ملكية، وهنا أشير إلى القرار الملكي بالعفو عن مغتصب الأطفال دانييل كالفان، ألا يتذكر كيف تم سحب القرار الملكي ثم استقبال عائلات الأطفال الضحايا في القصر الملكي. أعتقد أن ما عبّر عنه المندوب الوزاري تفسير سلطوي صرف. تقصد أن الاحتجاج على أحكام القضاء مطلوبة؟ عندما نقول إن الحق في الاحتجاج على أحكام قضائية لا يجب أن يكون، لأنه قد يهدد السلم المدني، أو يؤثر على الاقتناع الصميم للقضاة، فهذا خطأ، لأنه من حق المواطنين الاحتجاج على الحكومة وعلى البرلمان وعلى القضاء أيضا، إذا كانت هناك أحكام يرى المواطنون أنها تجنبت الحقيقة لسبب من الأسباب. صحيح أن القاضي مطالب بأن يشكل اقتناعه الصميم بناء على ما راج أمامه في المحكمة من وقائع وشهادات وحجج وإثباتات، لكن القاضي ابن بيئته، يتفاعل مع مشاعر الناس وتوجهاتهم ومعاناتهم، وهو في ذلك كأي مسؤول عمومي، مطلوب منه التفاعل إيجابا مع المواطنين. في قضية بوعشرين، وجه المندوب الوزاري نقدا إلى تقرير الفريق الأممي المكلف بالاعتقال التعسفي، على اعتبار أنه لم ينصت للضحايا، ما تعلقيك على موقفه؟ من حق المندوب الوزاري أن يكون له رأي، لكن الفيصل بيننا هو القانون، والمادة الأولى في قانون المسطرة الجنائية تؤكد أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به، وبما أن الحكم الذي صدر لحد الآن، هو ابتدائي فالصحافي بوعشرين بريء، وما تقوله المطالبات بالحق المدني يبقى لحد الآن، مجرد مزاعم تعوزها الإثباتات القضائية. سيقولون لك إن القانون المغربي يأخذ بقول الضحايا في قضايا الاغتصاب مهما كان القرار النهائي؟ هذا غير صحيح، ومحاولة لتوجيه مسار القضية، ومع ذلك أقول لهم إن القضاء لم يصدر بعد أي قرار نهائي حائز لقوة الشيء المقضي به، وبالتالي، فإن كل ما يُقال مردود. هل تقصد أن موقف المندوب الوزاري محاولة لدعم التوجه الذي تضمنه الحكم الابتدائي؟ لا أظن ذلك، لأنني متفق أن التأثير على القاضي غير ممكن سوى بوسائل الإجبار أو وسائل الإغراء، إذا خضع لها القاضي. ما يهمني أنا هو قول المندوب الوزاري بأنه شكل قناعته بناء على الحكم الابتدائي، لأنه خطأ غير مقبول، ولا نحتاج إلى الشطر الثاني من المادة الأولى من قانون المسطرة الجنائية الذي يؤكد على ضمانات المحاكمة العادلة. ويكفي الرجوع إلى مواقف منظمات دولية مثل “أمنيستي” و”مراسلون بلا حدود” و”هيومان رايتس ووتش” ولجنة “حماية الصحافيين”، التي أكدت أن محاكمة بوعشرين افتقرت إلى شروط المحاكمة العادلة، هذا علاوة على مواقف منظمات حقوقية وطنية، وشخصيات وطنية، ورأي عام معتبر لديه قناعة ظاهرة أن محاكمة بوعشرين لم تحترم معايير المحاكمة العادلة. وهذا أمر لا يجادل فيه سوى الطرف الآخر، وعلى رأسهم النيابة العامة التي تواجه بوعشرين فيما يخص المطالبة بالحق العام، والسيدات اللواتي وصفهن المندوب الوزاري ب”الضحايا”، وهذا خطأ آخر… لماذا؟ نحن لا نقول إن النساء المشتكيات في قضية بوعشرين ينبغي الدوس على حقوقهن، فهن مطالبات بالحق المدني، والقانون يسمح لهن بالتعويض، وهذا ما فعلنه أمام المحكمة. لكن ينبغي أن نتفق أن الاعتقال قد تقوم به المحكمة، لكن لفائدة المجتمع، وليس لفائدة “الضحايا”، إذ ليس هناك أي تعويض للمطالبات بالحق المدني اسمه اعتقال المتهم ووضعه رهن الاعتقال بدون سند قانوني. لقد اعتقل بوعشرين قبل صدور أي حكم يدينه، بمعنى تمت معاقبته قبل محاكمته، وجراء أفعال تبقى مجرد مزاعم تعوزها الإثباتات القضائية، وهذا جوهر الإشكال حين قلنا إن بوعشرين معتقل تعسفيا. لكن المحكمة يمكنها أن تعتقل المشتبه فيهم؟ طبعا. لكن الاعتقال يجب أن يكون بناء على سند قانوني صريح، وهناك نجد المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية، قد حددت سند الاعتقال على وجه الحصر، لأن حرمان شخص من حريته ليس بالأمر الهيّن، فالقانون حدد نوعين من السندات: إما مقرر قضائي اكتسب قوة الشيء المقضي به يأمر بحبسه أو سجنه أو اعتقاله أو إكراهه بدنيا، وإما أمر قضائي بالاعتقال الاحتياطي. وفي حالة بوعشرين ليس هناك قرار قضائي نهائي، أما الأمر القضائي فيصدر عن قاضي التحقيق، بينما يوجد بوعشرين في السجن حاليا بناء على “أمر بالإيداع في السجن” صادر عن الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، الذي لا يمكنه إصدار أوامر قضائية. كما أن الاعتقال الاحتياطي محدد بالقانون، ففي الجنح يكون لمدة 30 يوما وقابل للتجديد مرتين، أما في الجنايات فيكون لمدة 60 يوما قابل للتجديد خمس مرات، وكل هذا لا وجود له في حالة بوعشرين. ولهذا قال قرار الفريق الأممي المكلف بالاعتقال التعسفي إن بوعشرين معتقل اعتقالا تعسفيا من الدرجة الثالثة، فهو معتقل لحد الآن خارج القانون. المندوب الوزاري يقول إن الأهم بالنسبة إليه هو «الواقعة»، وليس التكييف القانوني لها؟ الواقعة هي ما يثبت قضائيا، وليست مسألة خيالية. لقد اهتدت البشرية إلى وسائل وآليات لإثبات الوقائع القضائية، وكل خروج عليها قد ينطوي على ظلم للأطراف. في الفصل 23 من الدستور نص صراحة على أنه لا يمكن اعتقال أو إدانة أي شخص إلا وفق الحالات وطبقا للإجراءات التي نص عليها القانون. ولذلك، فالقضاء والمندوب الوزاري وغيرهما مطالبين بسلامة الإجراءات، والمندوب الوزاري يعرف جيدا ما يُسمى بالدفوعات الشكلية، التي يترتب على عدم احترامها بطلان الدعوى أساسا. لقد وضعت الإجراءات الشكلية من أجل الوصول إلى الحقيقة، وكل تجاوز لها معناه أن الطريق خاطئ، والقضية باطلة. ماذا قال الفريق الأممي بهذا الشأن؟ لقد أكد أن العنف ضد النساء مرفوض، لأن الأممالمتحدة هي من أقرت حقوق النساء، ولا أتصور أي مسؤول عندنا قد يكون جريئا لدرجة أن يملي على الأممالمتحدة كيف تحمي النساء. وللإشارة، لم يخض الفريق الأممي في موضوع القضية، بل توقف عند الشكل، مؤكدا أن الخروقات الشكلية التي ارتكبت تحول دون الوصول إلى الحقيقة. وأن السلطات لكي تحمي حقوق المشتكيات، كان عليها أن تمتع المتهم بكافة الضمانات، وأن تسمح بحضور المراقبين الدوليين إلى المحاكمة. وللإشارة، الفريق الأممي لم يخض في النزاع المدني، بين المشتكيات والمتهم، بل ركز على الشق المتعلق بالدعوى العمومية بين السلطات والصحافي بوعشرين، وما أوصى به ملزم للدولة، ولا علاقة للمطالبات بالحق المدني بأي شيء من ذلك. تناول المندوب الوزاري، أيضا، قضية حامي الدين الذي يُراد له أن يحاكم مرتين على الأفعال نفسها، مركزا على عدم حجية المقرر التحكيمي لهيئة الإنصاف والمصالحة في قضيته، لماذا ركز على ما هو هامشي في القضية مرة أخرى؟ من خلال الحوار لمست أن هناك نوعا من الاستقواء الإيديولوجي، لاحظ مثلا كيف أنه اختار إقصاء فئات من المواطنين، في الوقت الذي أشاد بمرجعية فئات أخرى، وهي محاولة لاستعداء فرقاء على بعضهم البعض، معروف عنهم التضامن فيما بينهم في مواقف مختلفة. ما علاقة هذا بقضية حامي الدين؟ قضية حامي الدين تطرح إشكالا كبيرا له صلة بقضية المدافعين عن حقوق الإنسان، فهو رئيس منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، ويشتغل في المجال العام، وله مواقف سياسية وحقوقية أزعجت أطرافا كثيرة. وبسبب ذلك، تم اللجوء إلى فتح ملف صدر بشأنه مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به. رغم ذلك، وخلافا للقانون، ولموقف النيابة العامة، ولموقف قاضي التحقيق، اختار المندوب الوزاري القول بأن الدعوى العمومية لم تسقط بعد، وهذا غير صحيح، فالمادة 4 من قانون المسطرة الجنائية تؤكد صراحة أن الدعوى العمومية تسقط في حالات محددة حصرا، من بينها صدور مقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به. إن تجاوز هذه المبدأ من قبل المندوب الوزاري خطير جدا. لكن يمكن فتح القضية بناء على معطيات جديدة؟ هذا في مرحلة التحقيق، حيث يمكن لقاضي التحقيق أن يستدعي الشخص للتحقيق، ويظهر له أن المعطيات المتوفرة لا تسعف في توجيه الاتهام وخلص إلى عدم المتابعة، في هذه الحالة لا يجوز لقاضي التحقيق أن يستدعي الشخص نفسه مرة ثانية، إلا إذا ظهرت معطيات جديدة. وطبعا، لا يمكن إسقاط هذه الحالة على قضية حامي الدين، التي صدر بشأنها قرار قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به. إجمالا، إلى أين نتجه حقوقيا؟ هناك عملية تدافع جارية بين منظورين: منظور السلطة الذي اختار المندوب الوزاري الدفاع عنه، في مقابله طلب ملح ومتزايد على الحقوق والحريات، وهذه الدينامية قد تفتح آفاقا جديدة أمام الفاعل الحقوقي، وستمكنه من أدوات جديدة، قد تقوي وتُجوّد العمل الحقوقي، وقد نرى ارتفاعا في اللجوء إلى الآليات الأممية لحقوق الإنسان. السيد المندوب الوزاري كان بإمكانه أن ينتقد الفريق الأممي المكلف بالاعتقال التعسفي، وأن يلقى انتقاده صدى، لو أن المغرب يتفاعل إيجابا مع قرارات الفريق الأممي، لكنه لا يفعل ذلك. فهو يتعامل مع الفريق، لكنه لا يقبل توصياته، وهو سلوك ممنهج، وهذا يعني أنه لا يقبل بهذه الآليات حقيقة. من الإيجابي أن تكون لدينا مقاربة استباقية في المجال الحقوقي، وهي مقاربة مفيدة في المجال الحقوقي، لكن من أجل تحقيق ذلك يقتضي عدم الإخلال بالضمانات الدستورية وبالاحترام الواجب لحقوق الإنسان بشكل نسقي، وفي الوقت نفسه القول بالمقاربة الاستباقية. إن الإخلال المنهجي يقتضي إعادة النظر في منظور السلطة لحقوق الإنسان، وليس تبني مقاربة استباقية لأنها لن تعالج الوضع في العمق.