اعتبر عبد الفتاح زهراش، المحامي بهيأة الرباط، وعضو هيأة الدفاع عن ضحايا توفيق بوعشرين أن موقف وزير الدولة في حقوق الانسان «المصطفى الرميد»، داخل الحكومة «موقف غامض»، و«غريب»، مشيرا إلى أن دفاع الضحايا الذي اختار الخروج للرأي العام سواء من خلال البيان الذي أصدره والندوة صحافية التي عقدها بالرباط، سعى للرد على مغالطات فريق العمل الأممي الذي غيب الضحايا ودفاعهن في تقريره، وأن ما تعرض له الضحايا من انتهاكات واعتداءات صدرت عن المتهم، وقال القضاء كلمته في جزء منها، هو موضوع طعن من طرف دفاع الضحايا بدورهن، مادام أن الحكم لم يكسب صيغة «قوة الشيء المقضي به»...
هذا نص الحوار: * أصدرت هيئة الدفاع عن ضحايا مدير النشر السابق لجريدة «أخبار اليوم» بيانا حول هذه القضية.. ما هي سياقات هذا البيان..؟ ** البيان الذي الذي أصدرته هيأة الدفاع عن ضحايا توفيق بوعشرين يأتي على اثر المغالطات التي وردت في تقرير فريق العمل الأممي حول الاعتقال التعسفي، والذي يبقى - على كل حال رأيا استشاريا - حيث كان هذا التقرير موضوع ندوة صحافية من طرف دفاع المتهم توفيق بوعشرين. ومن أجل تنوير الرأي العام الوطني والدولي والحقوقي بالخصوص، عملت دفاع الضحايا على نشر بيانها، للرد في حدود ما عشناه وتابعناه من خلال أطوار المحاكمة ابتدائيا، أخذا بعين الاعتبار إيماننا العميق بأن الحكم لازال غير نهائي، ولازال موضوع طعن بالاستئناف. ولعل هذا ما يؤكد أن ما تضمنه التقرير الأممي يتضمن عددا من المغالطات، لأنه لا ينبغي إصدار ملاحظات بالطريقة التي تمت من خلال التقرير، إلا إذا كان الحكم نهائيا حائزا لقوة الشيء المقضي به. * ما هي أهم الانتقادات التي توجهونها، كفريق للدفاع عن الضحايا، واكبتم أطوار المحاكمة منذ أولى مراحلها وعبر العشرات من الجلسات التي استغرقتها، على تقرير فريق العمل حول الاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة؟ ** أولا أود أن أشير إلى أن الملاحظات التي نسجلها ونبديها على تقرير فريق العمل الأممي، تأتي من دورنا كمحامين وهيأة للدفاع عن ضحايا المتهم توفيق بوعشرين، وليس دفاعا عن الدولة، لأن «للبيت رب يحميه»، كما يقال. وعلى كل حال فإن الحكومة المغربية عبرت عن موقفها من خلال وزير العدل، وهو الموقف الذي أكده كذلك وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة. وبالنسبة لنا كهيأة دفاع فإن المغالطة التي تستوجب التوضيح هي أن محاكمة توفيق بوعشرين وسياقاتها غير مرتبطة بالبتة بجرائم الصحافة والنشر. ولا ترتبط بما كان المتهم يعبر عنه في الجريدة التي كان يشرف على إدارة نشرها، وهي «أخبار اليوم». فالمحاكمة منذ بدايتها، وإلى حين صدور الحكم، واكبتها العديد من وسائل الإعلام وحضرت أطوارها العديد من المنظمات الحقوقية، سواء التي تنتمي للمجتمع المدني، أو التي تكتسب صفة الوساطة من قبيل المجلس الوطني لحقوق الانسان، الذي تابع بدوره هذه المحاكمة. وفِي هذا الإطار ينبغي التأكيد توخيا للموضوعية على أن هيئتين حقوقيتين هما: الجمعية المغربية لحقوق الانسان والمنظمة المغربية لحقوق الانسان، فالأولى سبق لها أن صرحت بأنه لا يمكنها الإدلاء بأي تعليق إلى أن يصير هذا الحكم نهائيا. وهذا ما نعتبره كدفاع للضحايا عملا حقوقيا احترافيا. وهو نفس الموقف الذي اتخذته المنظمة المغربية لحقوق الانسان. ونفس الموقف سار عليه المجلس الوطني لحقوق الانسان في إطار الصلاحيات التي يخولها له الظهير المنظم لأشغاله. وعلى كل حال فرئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان الأستاذة «أمينة بوعياش»، عبرت عن هذا الموقف خلال استضافتها - أخيرا - في أحد الحوارات التلفزية. وهو الموقف الذي نعتبره موقفا حقوقيا سليما، يندرج فيما هو متعارف عليه عالميا. وبالنسبة لما كهيأة دفاع عن الضحايا فإننا نؤكد على أمرين اثنين بخصوص هل: الاعتقال تعسفي أم غير تعسفي، حيث نؤكد أن ما عبرت عنه المحاكمة من خلال الدفوع التي تقدم بها المحامون الذين آزروا المتهم، وحقوق دفاعه التي كانت مضمونة خلال جميع الأطوار التي قطعتها المسطرة، بدءا من الإيقاف من طرف الفرقة الوطنية، مرورا بالتقديم أمام النيابة العامة ووصولا جلسات المحاكمة، حيث ظهرت خلال جميع هذه المجريات شروط المحاكمة العادلة واضحة. وما نعيب على التقرير كدفاع للضحايا هو أن اكتفى بالاستماع إلى جهة واحدة من القضية دون الضحايا، اللواتي لم يتم استيفاء حقوقهن، رغم أن المواثيق الدولية والعهود وكذلك الاتفاقية التي بموجبها صادق المغرب على جرائم قانون الاتجار بالبشر، تنص على حماية الضحايا. وهي المؤاخذة التي نسجلها، ليس فقط على التقرير الأممي وإنما كذلك على الحكومة، بخصوص ما أدلت به من ملاحظات أمام المجلس الأممي لحقوق الانسان، الذي ينبغي تداركه من طرف الجميع، سواء بالنسبة لدفاع الضحايا، الذي لن يكتفي بالبلاغات والندوات وإنما سيعمل على طرق جميع الأبواب لإسماع صوت الضحايا، للدفاع عن حقوق الضحايا. * نعلم أن الساحة القضائية المغربية شهدت خلال السنة المنصرمة العديد من القضايا والملفات التي نظر فيها القضاء.. فلماذا برأيكم ملف بوعشرين وحده الذي كان موضوع تقرير فريق العمل الأمني، دون غيره مِن الملفات..؟ ** بالنسبة لي أرى أن من بين الأشياء التي جعلت النيابة العامة تتمسك بالمتابعة وتحرص على التطبيق الصارم للقانون بخصوصها، وجعلتنا كمحامين نتنصب كدفاع للضحايا لنبين الأضرار الجسيمة التي لحقت بهم، هو ما نعتبره «نفوذا» يتمتع به المتهم توفيق بوعشرين وما أكدته بعض الضحايا اللواتي لم يجرؤن على كشف ما كنت يعانينه. فالشخص الذي استطاع توظيف كل هذه الآليات، من أجل إيصال وجهة نظره المعزولة إلى المنظمات الدولية دون غيرها، علما أن هناك صحافيا آخر يتابع في إطار ملف الأحداث التي شهدتها منطقة الريف، وهو (حميد المهدوي) لابد أن يكون له نفوذ، حيث إننا لم نر ولم نسمع مثل هذه المواقف المتضامنة معه. رغم أن الصحافي المهدوي اعتقل في إطار نشاطه - كما سبق أن صرحت بذلك - كصحافي، وليس في إطار الجرائم المنصوص على عقوباتها في القانون الجنائي. كما أعتبر أن المغرب - وأنا هنا لا أدافع عن الدولة المغربية - وإنما أطرح رأيي كمواطن ومحامي وحقوقي، (أعتبر) أن المغرب قطع مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان، وبات يتوفر على آليات للرصد والمراقبة، كما توجد ببلادنا منظمات لها امتدادات، من قبيل النقابة الوطنية للصحافة، في إطار الفيدرالية الدولية للصحافيين، كما أن هناك منظمات وهيئات حقوقية، ليست -بالضرورة - تابعة للدولة. وإنما هي إطارات مستقلة، تعبر عن آراء ومواقف، قد تعتبر في نظر الآخرين متطرفة، وفِي رأيها هي موضوعية وتبقى ذات طابع حقوقي ومشهود لها بالكفاح والنضال في مجال حقوق الانسان، وهي التي سبقت أن عبرت عن رأيها حول محاكمة المتهم توفيق بوعشرين، والذي مفاده أنه لا يمكنها الإدلاء برأي جازم دون أن تعرف المحاكمة نهايتها، ويكون الحكم حائزا لقوة الشيء المقضي به. ولعل هذا من العيوب التي نسجلها على تقرير فريق العمل الأممي. * ألا يعتبر تقرير فريق العمل المذكور نوعا من محاولة التأثير على المحاكمة خلال مراحلها القادمة؟ ** أكيد أن إصدار هذا التقرير في هذه الفترة بالذات، وبالتزامن مع اقتراب دخول المحاكمة لأطوارها الاستئنافية، ينطوي على سعي حثيث من طرف الواقفين خلف هذه الخطوة، على محاولة التأثير في الملف، والضغط بأساليب غير قانونية على المحاكمة. فأدبيا وأخلاقيا كنّا ننتظر كفريق للدفاع عن ضحايا المتهم توفيق بوعشرين أن يسير فريق العمل الأممي على النهج الذي سارت عليه العديد من المنظمات والهيئات الحقوقية التي تشتغل بمنهج احترافي. وعلى كل حال فالتقرير يبقى رأيا استشاريا، وغير ملزم سواء للأمم المتحدة، أو الدولة المغربية. ونحن كدفاع للضحايا نرى أن التقرير ينطوي على إساءة للضحايا، وفيه إجحاف وتبخيس للجزء الذي قال فيه القضاء كلمته. وإن كنّا، كمحامين ننوب عن الضحايا، غير راضين على الحكم الصادر في هذا الملف ابتدائيا، كما سبق عن عبرنا على ذلك إبان صدور الحكم. * هل يمكن اعتبار أن الردود الرسمية، حول استفسارات فريق العمل الأممي، لم تكن في المستوى الذي تمليه حقيقة ملف بوعشرين..؟ ** المؤسف اليوم أن السيد وزير الدولة في حقوق الانسان وخلال اللقاء الرفيع المستوى المنعقد بمناسبة الدورة 40 لمجلس حقوق الانسان بجنيف (يوم الاثنين الماضي) كان من المفروض عليه أن يوضح حقيقة ملف توفيق بوعشرين، وأن لا علاقة له بحرية الرأي أو التعبير، وإنما هو ملف جنائي يرتبط أساسا بما ينص عليه القانون الجنائي وما يتضمنه من عقوبات حول الجرائم التي ينص عليها. والقول بوجود نواقص كان يقتضي من وزير حقوق الانسان أن يطرح هذه النواقص أمام الهيأة الأممية ويوضح مكامنها، إن وجدت فعلا ، وأين هل تتعلق بالحقوق المدنية أو الاجتماعية، أم فيما تنص عليه المواثيق الدولية، والعهود الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الملحق بهما، كان على الوزير أن يوضح هذه النقط. وهنا تطرح علامات استفهام فالموقف المتعلق بالأستاذ المصطفى الرميد داخل الحكومة موقف غامض، وهو الشيء الغريب في نظرنا.