هو سر قديم.. هناك أناس كثر يتحدث عنهم الجميع، وإن كانوا لا يستحقون.. وهناك قلائل يتقنون كل شيء، ومع ذلك ننساهم؛ لأن الأغلبية اعتادت التطبيل للقبح. ركن اليوم أخصصه لإعلامي يجتهد في كتابة السيناريو، يطور نفسه، وينافس نفسه، ويحتفي بنفسه. سأحتفي بسعيد نافع، لأني أنتشي عادة بالتصفيق لمن لا يطلب نهائيا من يصفق له.. هو شخص يغرق في خجله، وفي آخر المطاف تنقذه مساهماته في نقاشات تهم السينما والتلفزيون والكرة. سعيد نافع، كما أعرفه منذ أزيد من عشرين عاما، إنسان يدون كل شيء، ويكتب ولا يتوقف عن الكتابة، حتى وإن لم يطلب منه أحد أن يكتب. بينه وبين القلم والقدم علاقة وطيدة. ولأنه يحب التواري ويتيه في دروب التواضع، لم يصبح لاعب كرة وإن كان رجاويا، ولم تتح له مبكرا إمكانية إثبات كفاءاته في كتابة السيناريو وإن كانت سطوره مقنعة من زمان. المدعون يصرخون بدون توقف ويملؤون الفضاء، ويعيثون فيه فسادا، ونحن بصمتنا أو بعدم اهتمامنا نساهم في منح هذا القبح جرعات قوة. في بيت سعيد نافع، يمكن أن تعثر على عشرات السيناريوهات، ومئات القصص، وآلاف الأفكار التي يحتجزها عن طيب خاطر. قرأت الكثير مما خطته أنامله؛ لكنني مستاء، لأن كتاباته سجينة لا تخرج إلى العلن. لأن أهل القطاع الذين يشتكون من ندرة السيناريوهات المتقنة لا يبحثون عنها، لتعثر فيما بعد على غث يقبر السمين. هناك كفاءات تحتاج التشجيع؛ ومنها سعيد نافع.. وتجربته في مسلسل "السر القديم" الذي يشاهده المغاربة يؤكد هذا الكلام، لمن يريد طبعا كلام الحرفة. تجالسه، وبسرعة يشرع في طرح الأسئلة التي ترهق آخرين. ما هي الإبستمولوجيا؟ ثم ينطلق متحدثا عن الإبستمولوجيا التكوينية، ويذوب في فلسفة المعرفة يعرج على الكوميديا الإيطالية، ثم ينتهي به المطاف متحدث عن سينما جاك بيكر... هو مبدع في المجال الإعلامي، ومبدع في كتابة السيناريو، مع ذلك فهو لا يبحث عن مقابل. هو أصلا لا ينتمي إلى تلك الفئة التي اعتادت أن تشتكي من العوز وقلة الإمكانات وقصر ذات اليد، وهو أيضا ذلك السيناريست الذي يفترض أن تتهافت عليه شركات الإنتاج وتنفيذ الإنتاج مباشرة بعد عرض حلقة واحدة من المسلسل الذي كتبه. الأمور حاليا لا تسير بهذا الشكل، وتلك قصة أخرى لا يرغب سعيد نافع في قراءتها.. سعيد نافع يرفض الكلام. لذلك، قررت اليوم، بعد طول انتظار، أن أترك قلمي يتكلم. كثيرون سيركضون لينقلوا له تفاصيل هذا الركن؛ لكنني أرغب في أن أخبرهم بأنهم تأخروا. للأسف، نتأخر كثيرا حين يتعلق الأمر بالاعتراف بموهبة الآخر الذي نعرفه، والذي لا يطلب سوى مساحة للتألق؛ لأننا نلعب في سيناريو حياتنا دور الأشرار. نصفق أحيانا لمنعدمي الموهبة، فقط لأنهم ينطون ويتهافتون ويلهثون وراء الفرص، ونمنح كل عابري السبيل الفرصة ليقترفوا مهنة كتابة السيناريو. من ضمن هؤلاء من صاروا يحكمون على سيناريوهات، على الرغم من أنهم لم يشاهدوا شريطا، ولم يقرؤوا نصا، ولم يكتبوا جملة وحيدة في حياتهم. هناك من يكتب السيناريو، وهناك بالخصوص من يرتكب السيناريو، وبين الاثنين مسافة حياة. هؤلاء أيضا أعرفهم، ويعرفون بأني أعرف رؤوسهم الفارغة. كتبت عن سعيد نافع لأني أعترف بموهبته، ولأني أعرف قلمه أكثر مما يعرفه هو بنفسه، وأريده أن يخرج من دائرة الظل، فهي لا تلائمه ولا تخدم عيون المشاهد. سعيد نافع، أعتذر حقا إن كنت قد تهجمت على خجلك، وقطعت خلوتك، أو تطاولت على حرمة صمتك. سيناريوهاتك يجب أن تغادر بيتك ومقر جريدتك، فقد تعبنا بصدق من تفاهات كثير من كتاب السيناريو الجاهلين، والسلام.