فقدت الشخصية المغربية الكثير من مميزاتها منذ عهد الحماية إلى الآونة الأخيرة. كان المغاربة في عهد الإستعمار وبكل فخر و اعتزاز يشاركون في المقاومة ضد المستعمر، تسود بينهم روح المودة و الإخاء. كان حب الوطن يتسم بالأعمال و ليست الكلمات. كان العدو واضح المعالم للمغاربة. لكن بعد الاستقلال، بدأ التهافت نحو المناصب و المصالح لتنضج معالم الأنانية، فظهر التسلط ثم الفساد. تجدر الفساد في أعماقنا بشكل لا يمكن قطعه بدون استئصال قطعة مهمة. إن وجه الفساد في المغرب لا يكمن في النخب السياسية، لوبيات أو نهب الأموال فقط، بل الفقير له حصته في الفساد أيضا. فساد جماعي تلك هي حقيقة المغاربة. الكل يشارك يوميا بطريقة أو بأخرى. نحن كلنا مجرمون في حق المصلحة العامة. بغض النظر عن قلة "طرف تيال الخبز" الذي يركض المواطن طول النهار من أجله،هناك غياب نسمة المصلحة العامة التي تجعل من المواطن المغربي إنسانا تغلب عليه سمات الأنانية. إن ما يحتاجه المواطن المغربي هو أن يختار طريق المصلحة العامة للحصول على المنفعة الخاصة، لكن بعض القيود الاجتماعية البدائية تهيمن على فكره وتحول دون الوصول إلى المبتغى. إن غياب المصلحة العامة و تفشي التسلط راجع إلى ترسبات تكتلت بفعل توارث وعدم استئصالها مسبقا. إن التسلط في مجتمعنا نشأ بدوره في بعض الأسر المغربية. فالأب يمارس تسلط على الأسرة بطريقة رهيبة. لا تناقش قوانينه. و إبداء الرأي المعارض حتى في اختيار الزوجة أو المسلك الدراسي هو قلة احترام الأب من منظور ثقافي متوارث أبا عن جد. فبعض المغاربة وبكل أسف لا يفرقون بين الاحترام والاستبداد، ليكون مآلك لقب "مسخوط الواليدين" الذي سوف يكون لاحقا التفسير الوحيد لهفواتك ومشاكلك المستقبلية. من ""المعلم تيال الميكانيك" إلى مدير شركة، للتسلط أوجه عدة. فالكل يمارس ديكتاتوريتة و فساده بشكل يضمن للآخر المساحة المطلوبة لممارسة نفس الشيء. " سيبى منظمة " في ظل توافق تام للكل. في بعض الأحيان يتخذ العنف أو التسلط أشكال منطقية تتسم بالأخلاقية و البراءة. عندما يمسك بالسارق من طرف العامة مثلا، ينهال عليه المغاربة باللكم و الركل حتى تختفي ملامح وجهه بالدماء أو يغيب عن الوعي. و الغريب في الأمر أن هذا التفاعل الذي يؤيده معظم المارة، لا صلة له بالشريعة الإسلامية أو القانون المغربي. بعض المغاربة لا يتهاونون في أداء ذلك الواجب كما لو أن في تحطيم أسنان السارق أجر عظيم. يتبادر إلى دهني أن لولا تدخل الأمن الوطني لصلب السارق أمام مدخل الحي. طبعا هناك بعض الاستثناءات التي تشير على أن قلوب المواطنة لازالت تنبض داخل هذا الوادي العكر. لكن الأقلية ينجلي بريقها في عمق كتامة الأغلبية. إن ما نحتاجه كمغاربة مثقلين بكثرة الأخطاء الثقافية و بعض التقاليد المغلوطة هو النقد ذو الثلاثة أبعاد يشمل كل المجالات التي أسست شخصيتنا المتسلطة. قد تتبادر إلى أذهاننا بعض الأسئلة، كيف يمكننا الخروج من هذه المهزلة و نحن لم نتمكن بعد من حل مشاكل بسيطة كتنظيم طوابير الانتظار أو التبسم في وجه بعضنا البعض؟ في الوقت الراهن، ليس بوسعنا إلا التفاؤل لعل المستقبل يخفي أحوال جيدة للمغرب. [email protected]