يعتبر تنفيذ الأحكام القضائية مدخلا اساسيا لاي اصلاح قضائي مرتقب مستقبلا . فبالاضافة الى التكوين ، المسئولية ، النزاهة ، السرعة في البث بدل مراكمة الملفات ، الضمير ، الانسان المناسب في المكان المناسب ، الاجتهاد ، المساطر ، وضع المحاكم المرتهل ..الخ يبقى تنفيذ الاحكام القضايئة من اهم الاوراش التي ينبغي ان تصب عليها الاصلاحات المنتظرة .ان عدم تنفيذ الاحكام القضائية بسبب تبريرات واهية ، قد يضر بسمعة وبهيبة الهيئة القضائية ،وذلك لما قد تخلقه مثل هكذا ا جراءات شادة من نتائج سلبية على السير العادي للمعاملات القانونية بسبب فقدان الثقة لدى المخاطبين على اختلاف اشكالهم ،خاصة بالنسبة للمستثمرين الاجانب الذين سيفقدون بهذه الممارسات اية ضمانة في الحفاظ على حقوقهم التي تكفلها القوانين الوطنية . اذ لايعقل ان تصدر المحاكم قراراتها فتبقى حبرا على ورق ، و لا تعرف طريقها الى التطبيق . "" في 8 ماي 1990 ألقى الملك الحسن الثاني رحمه الله خطابا ساميا وتاريخيا تضمن أفكارا مهمة في استكمال دولة الحق والقانون . على ضوء ذاك الخطاب أعدت الحكومة مشروع قانون موضوعه إحداث محاكم إدارية صادق عليه مجلس النواب في دورته الربيعية سنة 1991 ، بعد أن قدمت تعديلات من بعض الفرق البرلمانية قصد إدخالها عليه . وفي 10 شتنبر 1993 صدر ظهير شريف تحت عدد :1 -91 -225 المنفذ للقانون رقم 41.190 المحدث بموجبه المحاكم الإدارية . كما صدر في 3 نونبر 1993 مرسوم تطبيقي حدد عدد المحاكم الإدارية في سبعة . إذا كان القانون المنشأ للمحاكم الإدارية يعطي لها حق البث في العديد من المواضيع مثل ما تنصص عليه المواد 26 و 28 و37 و 41 و 20 ، فان المادة 11 من القانون قد أعطت لمحكمة الرباط وحدها اختصاص النظر في النزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للأشخاص المعينين بظهير أو مرسوم ، وبالنزاعات التي ترجع إلى اختصاص المحاكم الإدارية التي تنشا خارج جميع المحاكم . لكن مع هذا فان هناك ملاحظات هامة يمكن إثارتها بخصوص بعض الإحالات القانونية إلى بعض النصوص التي ليس لها علاقة بالمادة الإدارية . إن هذا القانون يعاني من بعض الإشكاليات غير المفهومة – ربما سببها النقل مثل الإحالة في كثير من مقتضياته على قوانين أخرى كالمسطرة المدنية وقانون نزع الملكية ... الخ مما يجعل قضاة المحاكم الإدارية والمحامين الذين يشتغلون بالقانون تائهين بين عدة نصوص قد تكون بينها تناقضات في الأجل أو في أي منها يتعين الأخذ بما هو منصوص عليه فيها . إن الإحالة مثلا على الفصول من 27 إلى 30 من قانون المسطرة المدنية بالنسبة للاختصاص المحلي ليست سليمة ، إذ أن بعض المواضيع التي شملتها لا علاقة لها بالنزاعات التي تدخل في اختصاص المحاكم الإدارية . مثلا ما جاء في الفصل 28 من دعاوى النفقة و دعاوى التركات .. الخ . و كيف ما كان الحال ، فإذا كانت المبادرة الملكية بخلق المحاكم الإدارية تعتبر في حينها مبادرة جريئة ومهمة ، فان الأهمية الحقيقية تبقى في مدى مرافقة الأحكام الصادرة عن تلك المحاكم بالنفاد المعجل بعد استنفادها لجميع طرق الطعن المتاحة . وهذا يدفع بنا إلى طرح السؤال التالي : ما الفائدة من خلق محاكم إدارية إذا كانت القرارات التي تصدرها لا تعرف طريقها إلى التنفيذ أو تعرف التهاون والمماطلة ، أو يثم التنفيذ بطريقة مبثورة او ناقصة ؟ . كيف التساؤل عن دولة الحق والقانون في مثل وضع شاد تبقى فيه قرارات القضاء حبرا على ورق ؟ . بل كيف يمكن طمأنة المواطن العادي بكون القضاء في المغرب ما وجد إلا في سبيل خدمة الحق والقانون ، دون تحيز او محاباة ، وحتى لو كان احد أطراف النزاع يتمتع بالسيادة والسلطان ؟. يعتبر مبدأ خضوع الإدارة إلى القانون مظهرا أساسيا من مظاهر المدنية الحديثة ، حيث يشكل خضوع الإدارة لإحكام القضاء وتنفيذها احد التطبيقات الأساسية لهذا المبدأ .كما ان عدم امتثال الإدارة إلى أحكام القضاء ، يعتبر تهورا وعملا غير مسئول لا يمكن تفسيره إلا بكون المسئولين عنه يعتبرون جاهلين أميين غير مدنيين ومتحضرين . لقد أصبحت الوظائف التي تقوم بها الحكومات جد معقدة ومتداخلة ، حيث تبين لها ضرورة التدخل لوضع أسس متوازنة تحكم العلاقة بين الإدارة وبين المواطنين . وقد شمل هذا التدخل حتى الجانب الاقتصادي بسبب محاولة الدولة تحقيق اكبر قدر من الرفاهية لإفراد المجتمع . وقد كان هذا الوضع سببا أدى إلى تعقيد علاقة الأفراد بالإدارة ، الأمر الذي نتج عنه مشاكل عويصة كان يثم حلها دائما لصالح الإدارة بدعوى واهية مثل التذرع بالصالح او المصلحة العامة ، في حين يكون الهدف في كثير من الحالات عبارة عن عملية انتقامية او تصفية حسابات بسبب ضغط لوبي انتخابي او سياسي او حتى اقتصادي في العديد من الحالات . لذا كان المنطق والعدل يحثان على انه أمام اتساع سلطات الإدارة ، فانه لا بد لها ان تمارس اختصاصاتها ضمن الحدود والضوابط المسطرة من طرف القانون . لان في هدا تطبيقا لمبدأ المشروعية الذي يلعب القضاء دورا طلائعيا في حمايته والحرص في عدم الخروج عنه . إذا كان هدا هو المأمول وما يجب أن يكون في الواقع ، فان المراقبة القضائية لا تصل الغاية المتوخاة منها بمجرد إقامة الدعوى وصدور الحكم .ولكن هده الغاية تتجسد في عملية تنفيذ الحكم بصيغة النفاد المعجل ، بعد ان يصبح حائزا لقوة الشيء المقضي به . أي بعد أن يقطع جميع طرق الطعن المتاحة في قانون المسطرة ، لان في هدا تنتج الآثار القانونية للإحكام ، ومن ثم تحقق نتائجها العملية التي من أهمها ضمان مبدأ المشروعية . إذا كان واقع الحال لا يوحي بمشاكل حين تكون الأحكام التي أصدرتها المحاكم العادية او غيرها في حق المستضعفين والفقراء ، فانه بالنسبة لفئة أخرى من ( كبار وعلية القوم ) تبقى في منجى من تطبيق الأحكام عليها ، وفي الغالب من الحالات ربما لا تقدم إلى القضاء حتى يصدر الأحكام في حقها . إذا كان هذا الحال هو القاعدة العامة ، فانه بالنسبة للإدارة تكون المشكلة جد معقدة وصعبة خاصة وانه لا يمكن تطبيق مقتضيات الفصل 433 من قانون المسطرة المدنية المتعلق بتنفيذ الأحكام ، باستعمال القوة العمومية ضد الإدارة . ويبقى السؤال المطروح وبإلحاح هو ، ما العمل حين ترفض الإدارة تنفيذ الحكم الصادر ضدها بدعوى الحرص على سلامة النظام العام ،او الدفع بالفصل 25 من قانون المسطرة المدنية المقتبس في جزء منه من الفصل الثامن من ظهير التنظيم القضائي الاستعماري ل 12 8 – 1913 " يمنع على المحاكم عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة أن تنظر ولو بصفة تبعية في جميع الطلبات التي من شانها أن تعرقل عمل الإدارات العمومية او الجماعات العمومية الأخرى ، أو أن تلغي إحدى قراراتها " رغم أن الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود المغربي قد منح للمحاكم الحق في الحكم على الدولة بالتعويضات عن الأضرار التي تلحقها بالغير . ألا يعتبر هذا الرفض من قبل الإدارة في تطبيق أحكام القضاء بمثابة عمل او قرار إداري غير مشروع يهدف إلى إرباك العمل القضائي وتعطيله ، ويعتبر مسا بالاسم الشريف الذي يحمله الحكم ، حيث إن الأحكام تصدرها المحاكم باسم الملك . ثم ألا يعتبر الامتناع عن تنفيذ الأحكام نوعا من العصيان تمارسه الإدارة ضد القرارات والأحكام التي تصدر باسم جلالته ، الأمر الذي يتعين معه مسائلة المسئول عن عدم تنفيذ الأحكام التي صدرت باسم الملك مسائلة جنائية أمام المحاكم الجنائية ؟ قبل الإجابة عن هذه التساؤلات نشير إلى فكرة تعشش في رؤوس بعض المسئولين ( الكبار ) بالإدارة ، هي أن الموظف او المواطن الذي يقاضي الإدارة ، إنما يقاضي المسئول عن اتخاذ القرار وليس الإدارة . هذه النظرة خاطئة سببها ان العديد من( المسئولين ) الذين يتحكمون في مركزية القرار لم يسبق ان وطأت أقدامهم الجامعة ، او ان وطئتها فقد خرجت وليس تخرجت منها بخفي حنين .ومع ذلك فان هذا الحال ليس بعذر يبرر غطرستهم وخروجهم عن القانون ، لان في هذا خطر يتهدد الدولة والمجتمع . فعندما يفقد المستثمر الأجنبي او المواطن الثقة في الأحكام القضائية رغم حيازتها لقوة الشيء المقضي به ، بفعل رفض الإدارة تطبيق تلك الأحكام ،فان المستقبل السياسي للدولة يكون مهددا ، لان هذا يضر بالمعاملات الخاصة والعامة ويفتح الباب للتأويل والخلط والإشاعات . ان مقاضاة الإدارة هي مقاضاة للتصرف ( القرار الذي أنتج الأثر القانوني ) وليس مقاضاة للمسئول الإداري . والقضاء حين وجد ، فان مهمته انحصرت وتنحصر في إزالة الغموض الذي يكتنف فهم القرار الإداري بين السلطة التي أصدرت القرار وبين المواطن الذي احدث القرار أثرا في وضعيته ، كان يصدر القرار من جهة غير مختصة او لعيب في الشكل او في السبب او ان يحصل هناك شطط في استعمال السلطة او تحريف لها او لانعدام التعليل ، وهذا مهم جدا لأنه ينبغي على الإدارة ان تعلل الأسباب التي حدث بها إلى اتحاد قراراها . ان هؤلاء الرؤساء الجهلة الذين لا يفكرون الا في مصالحهم ، يجهلون فكرة أساسية وهي أن تمتيع المواطن والموظف بحق متابعة الإدارة يحمل في طياته عدة فوائد نلخصها كما يلي : ا – احترام مبدأ المشروعية ، حيث ان كل التصرفات التي تجريها الإدارة يجب ان تتم في إطار القانون بحيث لا تستطع ان تلزم الأفراد بشيء خارج نطاق القوانين المعمول بها .وهذا يعني تقييد سلطة الإدارة من ناحيتين : الناحية الأولى ، وهي ألا تعمد الإدارة حين تدخل في معاملة مع الأفراد ان تخالف القانون او ان تخرج عنه الناحية الثانية ، وهي ألا يفرض على الأفراد شيئا إلا إعمالا لنص القانون . أي ليس على الإدارة ان تمتنع فقط عن مخالفة القانون ، بل يجب عليها فوق ذلك ان لا تتحرك الا بموجب القانون وذلك لجعل الإدارة خاضعة لمبدأ المشروعية وفرض الرقابة الفعلية والفعالة على أعمالها. ب تشييد السلم الاجتماعي عن طريق التعايش بين الأفراد والإدارة ، ومن ثم خلق حاجة ماسة متبادلة بين الطرفين أساسها الثقة واستقرار المعاملات القانونية . وبما ان طرفي العلاقة غير متساويين من حيث السلطة والامتيازات ، فان الحفاظ على حقوق الطرف الضعيف تقتضي تدخل السلطة القضائية للوقوف إلى جانب الحق . يلاحظ ان هذه الفعالية لن تتحقق إلا اذا احترمت الإدارة قرارات السلطات القضائية وخضوع الجميع الى أحكامها . تترتب على عدم خضوع الإدارة الى قرارات القضاء وتعصب بعض المسئولين في رفضهم تنفيذ أحكام القضاء ، مجموعة من النتائج السلبية نحددها كما يلي : 1 – إهانة سلطة القضاء من خلال اهانة القرارات والأحكام التي يصدرها . فلا يعقل القول بمبدأ( الفصل ) بين السلط واستقلالها عن بعضها اذا لم تعرف القرارات التي تصدرها إحداها طريقها نحو التنفيذ . بل نذهب بعيدا في القول ان عدم تنفيذ الأحكام التي تصدر باسم الملك ، هو مس بالاسم الشريف الذي يحمله ذاك الحكم . وهذا يقتضي تكييف التصرف الى اهانة للمقررات التي تتخذ باسم الملك كأمير للمؤمنين مادام القضاء في المغرب من وظائف الإمامة ، ويمكن تكييفه كذلك الى عصيان للأوامر الملكية ، الأمر الذي يستوجب معه المسئولية الجنائية للمسئول عن عدم تنفيذ الأحكام التي صدرت باسم الملك . ان هذا التصرف فيه جانب مهم من الصواب لحماية مبدأ المشروعية وتوفير الضمانات الأساسية ، وطمأنة المستثمرين والمواطنين في علاقاتهم ومعاملاتهم التي تحصل بالمملكة . ان الشخص الذي يحرم من حقوقه او يتعرض للظلم المسلط عليه من طرف سلطة إدارية ، يجد في القضاء السبيل الوحيد لاسترجاع حقوقه ورد الاعتبار لشخصه . فعندما تعمد الإدارة ظلما وتجبرا إلى الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية ، فان مصداقية المؤسسات تهتز ، وثقة المواطن والمستثمر تتزعزع ، وهذا فيه خطر كبير على النظام العام وعلى الدولة ومستقبلها ، كما يساعد على نشر البلبلة والأقاويل والإشاعات المغرضة إضافة الى الشك العدو أللذود للمعاملات القانونية في المجتمع . 2 – خرق مبدأ حق الدفاع . هذا شيء خطير في كل دولة تدعي إنها دولة قانون . ان احترام حق الدفاع يعتبر مبدأ مقدسا في جميع الدول الديمقراطية ،حيث المحاكمة العادلة تقتضي تمكين جميع أطراف النزاع من وسائل دفاعهم التي على ضوئها تتخذ القرارات والأحكام. فحين تعمد الإدارة إلى الامتناع عن تنفيذ القرارات القضائية بأسباب واهية ، فان هدا الامتناع يسدد ضربة قاضية لمبدأ حق الدفاع .الملاحظ ان بعض المسئولين يعتبرون لجوء الطاعن الى المحاكم بمثابة تحد لقرارهم وتمردا على سلطتهم وطعنا في شخصهم . ان هذا الاعتقاد الخاطئ في فهم مغزى عرض المشكلات على القضاء للبث فيها، تدفع بهم إلى الامتناع عن تنفيذ الأحكام وذلك حتى يظهروا قوتهم من أن لجوء الطاعن إلى المحاكم لن ينال من سلطتهم ونفوذهم ،لان مشاكل الإدارة من اختصاصهم ولا يستطع القضاء فهمها وغور أطوارها وتعقيداتها. ان احترام مبدأ حق الدفاع يلزم الإدارة ان تمكن الطاعن من الاضطلاع على ملفه ومعرفة الوثائق الموجودة فيه لأجل إعداد وسائل الدفاع عن نفسه او بحضور محام يختاره بنفسه ام توكله عنه إحدى جمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان . كما ينبغي عليها ان تمكنه من عرض وجهة نظره والاستماع إليه بحضور جميع المناقشات قبل اتخاذ أي تدبير ضده . بل يجب على الإدارة أن تأخذ بعين الاعتبار وجهة نظر وتصريحات المواطن التي تنطبق على الوقائع التي فيها جانب من الصواب. 3 – ضرب مبدأ حجية الأمر المقضي به . يعتبر تعنت الإدارة وامتناعها عن تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها خرقا خطيرا لهذا المبدأ الذي يضع حدا للنزاع عن طريق صيانة الحقوق وإزالة الظلم . ذلك ان من مستلزمات القرار القضائي تمتيعه بهذه الحجية عندما يصبح محصنا ، أي عندما يستوفي جميع طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المسطرة . ان المحاكم وهي تبث في الدعاوى وتصدر الأحكام ، يكون احد أهم أهدافها تثبيت السلم الاجتماعي عن طريق فض المنازعات ووضع حد لها . والإدارة حين تتنطع وتمتنع عن تنفيذ الأحكام ، فهذا معناه ان النزاع لا يزال مفتوحا والمشاكل لا تزال مطروحة ،وهذا ليس في مصلحة الإدارة وليس في مصلحة المجتمع والأفراد، كما يعتبر هروبا وتقاعسا من اجل إحقاق الحق وإزهاق الباطل . وعليه فان هذا السلوك المشين يجعل القرارات الصادرة عن المحاكم وبعد ان تصبح محصنة ، فارغة من مبدأ حجية الأمر المقضي به . إذا كانت القرارات التي تصدرها المحاكم ، تعرف بكل سهولة طريقها إلى التنفيذ على البسطاء والمستضعفين ، وهذا شيء نعيشه وهناك أمثلة كثيرة في هذا الباب، فإنها ، أي الأحكام بالنسبة ل ( كبار وعلية القوم ) تبقى بدون تنفيذ ، وهناك كذلك أمثلة كثير يمكن أن نتحجج بها في هذا الباب .وإذا كانت هناك وسائل قهرية تمكن الدولة من فرض قوانينها وأحكامها على الفئة الأولى ، وان هناك أساليب احتيال وتواطأ بالنسبة للفئة الثانية تجعلها بمنأى عن تنفيذ الأحكام عليها ، فانه بالنسبة للإدارة تبقى المشكلة قائمة بالنسبة للإحكام الصادرة ضدها بفعل السلطة والامتيازات ، وبفعل غياب مسطرة واحدة ومحددة لتنفيذ الأحكام الصادرة ضدها . إذا كانت الإدارة في العديد من الحالات تتمسك بمقتضيات الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية الذي يمنع على الأفراد مقاضاة الإدارة ، تلجا إما إلى عدم التنفيذ او إلى التماطل أو أن يتم التنفيذ بطرق غاية في الغرابة كالالتفاف على الحكم بتطبيقه تطبيقا مشوها ... فانه توجد هناك عدة وسائل تشكل ضغطا على الإدارة وتجبرها بتنفيذ ما صدر في حقها من أحكام . هذه الوسائل تتوزع بين المعنوي وبين المادي . وأما المعنوي في نظرنا ، فان كل جهة او شخص امتنع عن تنفيذ حكم صدر ضده يعتبر شخصا همجيا غير متحضر ، ينتمي الى العصور الحجرية او عصور ما قبل التاريخ ، ومكانه يوجد ضمن اصطبلات الحيوانات . وأما عن الوسائل المادية لإرغام الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها فهي كما يلي : 1 – إن كل شخص صدر الحكم لصالحه وحاز قوة الشيء المقضي به بعد ان أصبح متحصنا من الطعن ، عليه اللجوء الى المساجد الرئيسية في مدينته للاعتصام والدخول في إضراب عن الطعام وقراءة اللطيف ، من اجل المطالبة فقط بتطبيق ما صدر باسم الملك . هذا الإجراء يعتبر ضغطا من شانه ان يفضح الجهة المسئولة عن تعطيل الأحكام وعدم تنفيذها . والعملية تستوجب ضرورة معاقبة من عرقل تطبيق الحكم احتراما للاسم الشريف الذي يحمله حيث جميع الأحكام في المملكة تديل باسم الملك ، ثم اطلاع الرأي العام الوطني والمهتمون بالقانون وجمعيات ومنظمات حقوق الإنسان بنوع العقلية والسلوك اللذان يتوليان المسئولية بالإدارة المغربية . ان الهدف من العملية هو التشهير بمن يعرقل القرارات التي تستثب الأمن والطمأنينة في المجتمع والدولة . 2 – يجب عرض المسئول عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية على المجلس التأديبي طبقا لما ينصص عليه الفصل 13 من ظهير 24 فبراير 1958بشان النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ، الذي يفرض على الموظف احترام سلطة الدولة ، ومن بينها طبعا القرارات التي تصدرها المحاكم باسم جلالة الملك . للإشارة هنا ، فإننا حين نتكلم عن المسئول عن عدم تنفيذ القرارات التي يصدرها القضاء ، فإننا لا نقصد الموظفين الصغار ، لكننا نقصد المسئولين الحقيقيين الكبار الذين يتحكمون في اتخاذ القرارات داخل الإدارة ، وعلى رئسهم الوزير رغم انه منصبه سياسي والكاتب العام للوزارة . ينص الفصل 77 من الدستور المغربي على أن الأحكام تصدر وتنفد باسم جلالة الملك . وهذا طبعا ما ذهب إليه الفصلان 50 و 433 من قانون المسطرة المدنية المغربي . هذا معناه ان السلطة القضائية هي سلطة ملكية يمارسها ويزاولها الملك من خلال وبواسطة القضاة الذين هم نوابا مباشرين عنه . فعندما يصدر القاضي قرارا مذيلا باسم الملك ، فان هذا القرار يعتبر قد صدر عن الملك شخصيا . ان القضاء في المغرب من وظائف الإمامة ، وهذه الخاصية لها مغزى خاص في التقليد الذي جرى العمل به في المغرب منذ قرون خلت . إن الملك هو سلطة فوق جميع السلط ولا يطبق بشأنه مبدأ ( الفصل ) بين السلط . وعليه فان المسئول عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية ، وحتى لو كان الوزير نفسه ، هو امتنع عن تنفيذ الأحكام او عطلها او ناور في تطبيقها ، فانه يكون قد خالف وتمرد على أمر مولوي ، فيتعين متابعته جنائيا أمام المحاكم المختصة حتى يكون عبرة لغيره من المتنطعين الذين يشتغلون حسب مزاجهم لا حسب ما يجب ان يكون . ولا بد هنا ان نشير الى الفصل 266 من القانون الجنائي المغربي الذي ينص " يعاقب بالعقوبات المقررة في الفقرتين الأولى والثالثة من الفصل 203 على : ... الأفعال او الأقوال او الكتابات العلنية التي يقصد منها تحقير المقررات القضائية ، ويكون من شانها المساس بسلطة القضاء او استقلاله ...". 3 – تحديد مسئولية المسئول عن عدم تنفيذ أحكام القضاء طبقا لما ينص عليه الفصلان 79 و 80 من قانون الالتزامات والعقود المغربي . ان هذا حل جدري يرجع الأمور إلى نصابها ، ويحفظ الحقوق ويذود عن المكتسبات ، ويساهم في تثبيت الطمأنينة والاستقرار والسلم داخل المجتمع . ان تحديد المسئولية عن عدم تنفيذ الأحكام القضائية ، يجعل المتلاعبين يضعون في اعتبارهم ان هناك قوانين ستطالهم ، ولو تذرعوا في عدم التنفيذ بسبب المصلحة العامة او النظام العام . ففي الدول التي تحترم سلطاتها وقيمها ، وتنفد التزاماتها لا يتصور تحقيق مصلحة عن طريق عمل غير مشروع . 4 – يمكن للموظف والمواطن الذي صدر له حكم ضد الإدارة ، وامتنعت هذه عن تنفيذه ، ان يرفع دعوى شخصية ضد الشخص المسئول عن عدم تنفيذ الحكم ، مع مصاحبة الحكم الجديد ضد الامتناع عن عدم التنفيذ ، بغرامة مالية تصاعدية عن كل يوم تأخير . تبقى هذه كوسيلة من بين مجموع وسائل ناجعة لتمكين الأحكام من النفاد المعجل ، وبعد ان تصبح محصنة ضد أي طعن . ان مراقبة القضاء لأعمال الإدارة ومحاسبتها عن الأخطاء المرتكبة وإلزامها بأداء التعويض للخواص عن الأضرار اللاحقة بهم ، هو في صالحها قبل ان يكون في صالح الأفراد ، لان من مصلحة الإدارة ان تحترم القانون وتبرهن للأفراد على ان القانون وقد وضع ليحترمه الجميع ، وعلى ان المحاكم قد أنشأت للسهر على تطبيقه وزجر المخالفين له .