كانت للحسن الثاني جرأة الاعتراف بكون السكتة القلبية تهدد المغرب ، ولذلك سارع إلى التغيير وهندسة حكومة التناوب التوافقي . والتي أريد لها أن تكون ناجحة -ولو ظاهريا- ، قصد الخروج من الوضعية السياسية والأزمة الخانقة التي تسببت فيها سنوات حكم الملك الراحل العجاف ، وخاصة أن وضعية حقوق الإنسان عانت من ويلات الحكم الشمولي والتحالف المشكل أساسا من طرف النظام الملكي إلى جانب المخزن السياسي والمخزن العسكري . شمولية نظام الحسن الثاني لم تمنعه من توجيه خطه الإصلاحي والترويج له ، مستغلا بذلك القابلية التي أبداها أبرز الخصوم التاريخيين والذين شكلوا عماد المعارضة لسنوات طويلة ويتعلق الأمر أساسا بحزب الإتحاد الاشتراكي الذي قاد تجربة التناوب التوافقي ، لتحويل مواقفه الإصلاحية إلى ما بات يسمى"إيديولوجيا التصالح" والمشاركة في حكومة بدون ضمانات تضع مسافات بين العمل الحزبي وطبيعة النظام الملكي والذي لم يكن مستعدا للتنازل عن سلطاته وصلاحياته الدستورية والتي تجعل منه السلطة الأولى في المملكة ، وبذلك فإن باقي الفاعلين يخضعون لمشيئته والتي كانت تصب في اتجاه ضمان انتقال مفاتيح الحكم إلى العاهل محمد السادس بدون أية تصادمات مع معارضة كانت تملك كل مقومات تحريك الشارع والتأثير فيه . "" وبوفاة الملك الراحل الحسن الثاني وجلوس محمد السادس على عرش أسلافه يكون قد ورث عن فترة حكم والده وتسلم منه هدية ملغومة ، ويتعلق الأمر بالمجال الاجتماعي ( البطالة ، الفقر ، الأمية ، تدهور قطاع التعليم ، الصحة ، السكن ...) وقضية الصحراء، هذا إلى جانب المعضلات المجتمعية ( الرشوة ، المحسوبية ، الفساد السياسي والأخلاقي ...) وأزمة القضاء وعلاقات المغرب بالدول المجاورة ، هذا دون إغفال القضية الأمازيغية ، إلخ ... وأمام تعقد الإشكالات وجسامة الانتظارات أقدم -أي الملك الحالي- كخطوة أولى على إزاحة الوزير الذي أمسك المغرب إلى جانب الحسن الثاني بقبضة من حديد طيلة عقود من الزمن المغربي الرديئ ، ويتعلق الأمر بإدريس البصري ، والذي عرف عنه أنه كان إلى جانب الملك الراحل مهندسا لسنوات الجمر والرصاص ، مما شكل رسالة ذات حمولات وإشارات تشي بكون العهد الجديد ينهج مسارا ورؤية غير تلك التي ألفها المغاربة من سلوكيات وخطابات . ووفقا لذلك أصبحت مسامع المغاربة تتعايش مع خطابات تسويقية من قبيل "المفهوم الجديد للسلطة" ، "مغرب الخير والنماء" ، "ملك الفقراء" ، "المشروع المجتمعي الديموقراطي الحداثي" . وإلى جانب إزاحة الراحل إدريس البصري ، قام بتأسيس هيئات والإشراف على مبادرات من قبيل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، هيئة الإنصاف والمصالحة ، مدونة الأسرة ، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية... وقد قابلت هذه المبادرات تفاقم لنكبات ونكسات عرفها المغرب ونذكر منها : أحداث 16ماي ، فاجعة انفكو ، كارثة مجمع المنال ، محرقة روزامور... والتراجع المتواصل للمغرب في الميدان الاجتماعي في ظل تراجع القدرة الشرائية وارتفاع كلفة المعيشة وغياب العدالة في توزيع الثروات والتي يستفيد منه المخزن الاقتصادي في تحالفه مع المخزن السياسي ، هذا الأخير - المخزن السياسي- الذي يشكل غالبا النواة الصلبة للمخزن الاقتصادي . مما نتج عنها تصاعد للحركات الاحتجاجية على امتداد مدن المملكة واختلاف المناطق ، وما أحداث سيدي إيفني إلا تتويج لحركية اجتماعية تعاني من الحيف الذي تمارسه الدولة في عدم قيامها بتوزيع عادل للثروات .وحينما نستحضر الأحداث المؤلمة التي عرفها عهد محمد السادس والطريقة التي عولجت بها فسيتبين لنا أن كل الشعارات التي تتردد على مسامعنا غير ذات فائدة . فماذا لو كانت الدولة قد واجهت ماقام به المخزن الاقتصادي في محرقة روزامور بنفس الحزم والصرامة التي تصدت بها لأحداث 16 ماي ، لأن اختلاف الأزمنة والأمكنة لا ينتج عنه بالضرورة اختلاف الخلاصات والنتائج ، فلا فرق بين الذي يقتل باسم قيم الدين والذي يقتل باسم قيم السوق . فالإرهاب الاقتصادي لايختلف عن الارهاب الديني، وكما أن الإرهاب لاهوية ولا دين له فهو كذلك لا تخصص له فقد يكون دينيا ، وقد يكون اقتصاديا ،وقد يكون عسكريا ، كما يحدث مع القمع الذي تمارسه الدولة (الإرهابية). والواقع أن نبوءة الحسن الثاني قد تحققت في جزء منها وكان المغاربة على موعد معها في السابع من شتنبر من العام 2007 ، لأن السكتة القلبية السياسية تجسدت في العزوف عن المشاركة السياسية وهجر صناديق الاقتراع ، فالأمر هنا يتعلق بسكتة قلبية لأنها إحدى تشكلات الفراغ المؤسساتي والذي تستطيع أية إيديولوجيا أم خطاب متطرف ملئه ، وبالتالي فإن الدولة هنا تقوم بصناعة الإرهاب الذي تحاربه كي تجعل منه ذريعة للتهرب من الإصلاح وتظليل الرأي العام وثنيه عن القيام بمطالبه المشروعة في دولة ديموقراطية عادلة ومنصفة . وتعتبر الأحزاب إحدى مرتكزات الدولة العادلة ، ولكن الظاهر أن أحزابنا تحولت إلى مقاولات سياسية تشتغل بمنطق الربح والخسارة ، والعرض والطلب . فالأحزاب التي من المفروض أن تسهم في شق الطريق أمام الانتقال الديموقراطي المفترض تحولت إلى أكبر المعيقين له والذين لا يترددون في وضع عصيهم في عجلة التغيير. فهل لمحمد السادس جرأة والده كي يكون صريحا مع شعبه ويؤسس باعتباره أعلى سلطة في البلاد لعمل اجتماعي وثقافي وسياسي جديد ؟ فالأمر يتعلق بمصير ومستقبل الملكية ذاتها ،فكما تخشى الطبيعة الفراغ ، فإن الملكية تخشى الفراغ . فحيثما يوجد الفراغ توجد كل المتناقضات والسلبيات . فإذا كان الراحل الحسن الثاني قد هندس التناوب التوافقي واعترف بدنو السكتة القلبية لاعتبارات ملكية ذاتية، فالمطلوب حاليا وضع مصلحة الوطن فوق أي اعتبار والسير قدما نحو ملكية مواطنة تستمد شرعيتها من المواطن . وبعيدا عن العاطفة وباستخدام العقل فإننا سنستشف أن الحلول توجد بالأساس عند عاهل البلاد بدرجة أولى ،وسياسيينا الصوريين بدرجة ثانية -باستثناءات قليلة- ، والشعب بدرجة ثالثة والمطلوب منه أن يقوم بمسؤوليته كاملة وأن يعي مسؤوليته الحضارية وجسامتها فكما تكون الشعوب بانية للحضارة فهي معاول للهدم أحيانا أخرى . وللملك والسياسيين والأمة واسع النظر... www.elaouni.tk [email protected]