الحمد لله.. أحاول أن أفتعل احتفاظي بما تبقى من هدوء، وأقتحم غرفتي أبي وأمي عشرات المرات في اليوم. يبحثان عن التقاء النظرات، لكني أتفادى الأمر لأني في حضرتهما كنت وسأبقى ذلك الطفل الذي لا ولم ولا يمكنه أن يكبر.. صارت قبعتي تنزل إلى مستوى الأنف، ودورها صار مقتصرا على إخفاء الوهن الذي فضل مؤخرا أن يسكن في عيني. فجأة أصبح كل شيء سلبيا في حياتي وحياة من أعيش من أجلهم، باستثناء تحاليل الفيروس المُغير وبقاياه. سافرت وسط دوامة مشاكل، إلى الحد الذي بلغت فيه مرحلة صرت أتمنى فيها أن أعيش حالة فرح في محطة استراحة قصيرة. في أول وآخر المطاف، كل القرارات تنزل من السماء. الحمد لله.. أجبرت نفسي في الفترة الأخيرة على الصبر، وأُجبِرت على التأخر في الانطلاق، لكني عرفت معدن كثيرين. في الحقيقة قليلون من أحببتهم وأحبهم بصدق. وبالتالي، فإن فرص الإحساس بالخذلان جد ضئيلة. كل يوم تشرق فيه شمسي مؤخرا أتذكر ما قاله الكبير جيل دولوز، بأنه كلما أخطأ الآدمي في حياته يصبح قادرا على إعطاء الدروس. لم ولن ألجأ إلى قاموس الشكوى، والمقربون يخبرون بأن ما اجتزته وأجتازه يجعل البكاء مهنة المُصاب، ولو كان قلبه من جليد. أكتب اليوم بيدي اليسرى، لأن اليمنى متعبة ومرهقة، وقريبا ستعود لها عافيتها وستخط سطورا بأسلوبها المعتاد. الحمد لله.. منذ نحو شهر، أعبر من أعقد امتحان في حياتي، وكل ما أتمناه هو أن يتعافى أبي وأمي. سقطت وأعدت السقطة مرات ومرات، ثم انهرت ونهضت.. من الضروري أن أنهض، ومن اللازم أن أبقى واقفا على الدوام، لأن الوالدين ربياني أن أجعل من لحظات الضعف مصدر قوتي. أركز مع كل التفاصيل التي تهمها، وتعبر بين الفينة والأخرى أنباء تخص الاستحقاق الانتخابي ورحيل جون پول بيلموندو وتألق منتخبنا في مونديال الفوتسال وشطحات الجيران، لكني أعترف بعدم قدرتي على التركيز. الجسد والقلب لهما حدود تحمل، لكني صرت أتقن الانتظار، وأشكر رفاقي وزملائي والأطباء الحقيقيين على الدعم اللامشروط الذي يصلني حيث أتواجد. الحمد لله.. أعرف أكثر من أي كان هشاشة كثير من المؤسسات الصحية بالبلد، ولا وقت لدي حاليا لأفضي بأن البعض ممن يشرفون على القطاع يحملون ألقابا لا يستحقونها. ما يؤلمني هو أن يترك أهل القرار فرصة لأشباه "دكاترة" و "پروفيسورات" الوقت الضائع ليمارسوا الطب في "لايڤات الانستغرام"، وهؤلاء يتمنون بأن تطول أزمة الكوڤيد لكي يبيعوا الوهم للناس، ويغطوا على اجتهاد أطباء حقيقيين، تعرفت على كثيرين منهم، يمارسون المهنة في الميدان بشرف ونكران ذات. الطبيب مكانه في المستشفى، وليس في "لايڤات" و"سطوريات" تافهة، يفتعل فيها استياءه وتأثره. كثير من ممثلين فاشلين لقطاع صحي يضم دكاترة يصارعون كل العراقيل لإرضاء الناس، وليس جلبا للانتباه ورفع عدد المتابعين. الحمد لله.. ما أتمناه حاليا هو أن يتعافى الوالدان، لهما صوتت وأصوت وسأصوت على الدوام، وبهما أحس بأني أقوى إنسان.. قاومت وسأقاوم، بشجاعة وكرامة. سواء في قرارة نفسي وعلى الأثير أو على الشاشة، أعلم بأن صوتي يبلغ المتلقي، ومتيقن بأن مستويات التلقي تختلف. ستمر المحنة، وما دمت ابن هذا البلد العظيم، سأنهض لأني مجبر على النهوض وإتمام المواجهة كيفما كان الحال. كنت وما زلت وسأبقى دائما شخصا يكتب بحرية، واليوم استجمعت قواي وأشركت المتلقي فيما أعيشه وقد يعيشه آخرون. أنا ابن المغرب الذي يسعد لسعادته، ويشقى لشقائه، ويعبر في كلتي الحالتين عما يساوره من شعور ويخالجه من أحاسيس. أحتاج لاحقا لحوار مطول أخبر فيه نفسي بكل شيء، وأن أعود لأتفنن في إتقان عملي. أرجو أن تتقبلوا مروري الاستثنائي، فقد كان من الضروري أن أفرج عن هذه السطور. الحمد لله.. أهلا بكم، أنا بلال مرميد، وأحاول أن أعود نسبيا للحياة. لست يمينيا ولا يساريا، وأكره الوسط. عادة ما أستدرج البقية للنقاش والمنافسة، وفي هذه المرة دُفعت لمنافسة تجاوزت إمكاناتي، وبالتالي لم أجد من خيار سوى توجيه الأمر لقلمي لكي يبدأ الحركات الإحمائية. أنا مجبر على أن أتعامل مع الوضع الذي يفرض علي القدر أن أتواجد فيه، وانتهى الأمر. الحمد لله.. *ركن بلال مرميد – إذاعة "ميدي1"