طالعت مجددا بعضا مما تركه جبران خليل جبران من إرث، ومنه استلهمت فكرة ركن اليوم. هي مجرد استراحة، في انتظار تخفيف الحجر الصحي والانطلاق مجددا.. في فترة الحجر الصحي، أحمد الله لأني لم أجالس أنصاف العارفين، ولم أخالط أنصاف السينمائيين، وتفاديت كما في السابق أنصاف السياسيين، ولم أعد أنتبه لأنصاف الفنانين. تأكدت بأن أنصاف المثقفين هم أكبر عدو للثقافة، وزاد امتعاضي من كل متثاقف متباك على الدوام، تلذذ ويتلذذ بعزلته ويقطن في قوقعته من زمان. انتشيت أيضا بمجهودات أناس آخرين انخرطوا في أنصاف بادرات ثقافية، أرفقوا القول بالفعل، وقدموا أفلامهم بالمجان ولهم مني كل الاحترام. أولئك الحالمون بتحقيق إقلاع ثقافي، ممن آمنوا ويؤمنون بنزول الثقافة للشارع، ليحس المواطن بقيمة المنجز الثقافي. في فترة الحجر الصحي، توفقت في النأي بنفسي عن أنصاف الشجعان، ولم أقرأ سطرا واحدا لأنصاف الأدباء، وصرت أحتقر أكثر أنصاف الصحافيين الذين لا يكتبون، ويكتفون بتثبيت وجوههم وأفواههم أمام الكاميرات والميكروفونات. تيقنت ولو متأخرا بأني يجب أن أرفض مستقبلا أنصاف الحلول، وأن أتهكم على أنصاف الاقتراحات، وأن لا أشاهد أنصاف البرامج التي نبتلى بها، وأنصاف الأعمال والأفعال الدرامية التي يطبل لها مرتكبوها. في سالف الأعوام، كنت أقنع قلمي بأن يتكرم ويخط سطورا عن أنصاف أفلام سينمائية، والآن في فترة الحجر الصحي اكتسب قلمي القدرة على إقناعي بأنه لن يتحرك إلا حين يكون أمام موضوع حقيقي وليس نصف موضوع طائش. في فترة الحجر الصحي، تيقنت بأن السؤال عن أحوال العدو أفضل وأرقى وأصدق من السؤال عن نصف الصديق، وبأن فتح نقاش هاتفي مع شخص يرتب أفكاره أرحم من تضييع الوقت في التفاعل مع كثير من أنصاف مثقفين على الشبكات غير الاجتماعية. صرت مستعدا للتعبير عن الاستياء من الحيف، ومتأهبا لقصف أنصاف المسؤولين ممن لا يقدمون فكرة واحدة صالحة لتنقل لبر التطبيق، ويتخيلون بأنهم يستطيعون برسائلهم الإلكترونية و سطورهم البالية في الفايسبوك أن يجعلوني أنسى وهنهم الأبدي. تحولت من شخص يعبر عن امتعاضه من كل التفاصيل التافهة، لشخص لا ينتبه لأنصاف التقارير الإخبارية التي يعدها أنصاف إعلاميين صار العالم العربي يفرخ منهم المئات سنويا. لم تعد تحركني مقالات السب والشتم البليدة، ولم يعد لي وقت أضيعه مع أنصاف الكتبة والشعارير والنقاقيد وأشباه المناضلين. في فترة الحجر الصحي، تابعت كيف تحول بعض من أنصاف المتهافتين لمتهافتين حقيقيين. افتعلت أحيانا عدم الاكتراث، وتركت الفرصة لأشباه فنانين ليستعرضوا جهلم بافتخار. جمعت ما يكفي من ملاحظات وخزنتها، وفي داخلي قناعة راسخة بأني سأحتاجها حتما في وقت لاحق قد أذكر فيه كل واحد بما اقترفه، بهدوء وبدون ضوضاء. حاليا أعيش نصف حياة، ولا أحب نصف الحياة. مع ذلك، أعترف بأني تعلمت وأتعلم منها حاليا.. أحاول أن أبقى رصينا وأبتعد عن أنصاف المهرجين وكل أساتذتهم من كبار المهرجين، وعن أنصاف الممثلين وأشباه المنتجين. بعد مدة اكتشفت بأني صرت غريبا، ومع ذلك أفضل أن أبقى غريبا إلى حين.. من لهم قلم أحمر من المحيطين بي، عليهم أن يكتبوا نصف هذا الركن وبعدها سأناقش ضعفهم. أعرف منهم عددا يخطون فظاعات، ويجترون ما يقوم به الآخرون وفي الاجتماعات الطويلة يطلقون العنان لألسنتهم الطويلة للانتقاد. حين ستمر فترة الحجر الصحي، قد أنقل بعضهم لنصف الطريق المؤدي للجحيم والسلام.