من مكاني في القبر.. فيلم "Buried" جعلني أتخيل نفسي أعيش داخل قبر.. في هذا الفيلم، البطل لم يمت في البداية، لأنه كان محتجزا في قبر رغم أنه كان لا يزال على قيد الحياة. من هنا جاءت فكرة هذا الركن، وبالتالي أترك الفرصة للخيال قليلا ليفرض هيبته. من مكاني في القبر الافتراضي تخيلت نفسي أشاهد أشياء مدعمة وضعت جورا في خانة السينما، وسيتكومات تصيب الأتقياء الأحياء بالغثيان. كنت سأثني مرة أخرى على أفلام "لارس ڤون ترير" و"وودي آلان" و"تارانتينو"، لأتيقن بأني لم أخطئ التقدير خلال المشاهدات التي أثثت فترة مرافقتي للأحياء. كنت سأصفق للقطات التي تكشف توترا جميلا في "Antichrist"، وسأبتسم حين أسمع الموسيقى التصويرية في فيلم "The Hateful Eight". كنت سأتذكر أن شريطا عاديا موجها إلى الجمهور مثل "Taxi 5" طرح للعرض في أزيد من ثمانمائة قاعة في فرنسا، في حين أن إحياء وإنشاء القاعات السينمائية لم يكن الهم الأول لمسيري القطاع السينمائي عندنا. من مكاني في القبر الافتراضي، كنت سأتذكر أني ابن هذا البلد الذي لم أخنه يوما، مثلما لم أخن كل الرفاق والسينيفيليين الحقيقيين وهم كثر في المغرب. اقتحمت المجال دون أن أطرق الباب، لكن بعد أن تكونت فيه. تتلمذت على يد أساتذة مبدعين، بعيدا عن مدعين يسيئون لي ولكم ببهتانهم. منذ خمس عشرة سنة، عبرت بجانب السجاد الأحمر في معاقل السينما العالمية بقبعتي وقناعاتي الخاصة. لم أحسب حسابا لما يقوله كثيرون حين يكتبون، أولئك الذين تفوق أخطاؤهم الإملائية عدد كلمات سطور تكون في الغالب مدفوعة الثمن. احتفظت بقبعتي ولم أنزعها، ولم أتنازل في سنوات الشباب عن حضور "John Terry" في شخصيتي حين ارتكبنا الحماقات وعاكسنا الفتيات، سامحنا الله جميعا. ولم أتوقف بالمقابل عن التضييق على الرداءة بما أوتيت من قوة. ابن بلد يصفق فيه بعض من أشباه فنانين لمن يطبل لهم، ومع ذلك بقيت وفيا لفنانين حقيقيين يربطني بهم احترام الفن واحترام المتلقي. من مكاني في القبر، كنت سأستغرب من كل أولئك الذين وجهت لهم الدعوة لنناقش بعضنا البعض في الجانب المهني، وتخلفوا عن الموعد بداعي الإصابة وصاروا بعد الرحيل يتفنون في اختلاق إنجازات واهية. كنت سأوجه التحية إلى كل الذين كانوا يتابعون ما أخطه خفية، وحاولوا مرارا أن يوقفوا ركنا استمر لسنوات، خمسة أيام في الأسبوع بدون توقف. كنت سأبعث بالتحية لكل من ساهموا في تجربة ال"إف. ب. إم" التي أشكر ضيوفها، وأعبر عن امتناني لصاحب فكرتها بصمت، فضل هو أيضا أن يبقى عملة تعاملنا الوحيدة. من مكاني في القبر الافتراضي، أتذكر كل أخطائي الشخصية التي لم أندم على أغلبها، وأفخر بإنجازاتي المهنية الصغيرة. أستعيد شريط الذكريات، وأحصي عدد ضحايا الفساد في المجال الفني ممن كشفنا وهنهم، وعشرات من فنانين حقيقيين منسيين دعمنا اجتهادهم. أحمد الله لأني اقتحمت مجالا يتزاحم فيه الباحثون عن الطرق الملتوية لتحقيق الربح، ولم أبتسم يوما في وجه أحدهم.. كانوا يكرهونني في صمت، وكنت أحتقرهم في العلن. لم أخن يوما عهدا ولا صديقا ولا فنانا حقيقيا، مثلما لم أخن عاداتي البسيطة المتمثلة في مشاهدة السينما وحبي للسينما وأهل السينما الحقيقيين. من مكاني في القبر، أسخر من أشباه مخرجين مدعين، يكتبون عن أفلامهم البئيسة ويهللون لإخفاقاتهم المدعمة بالمال العام وبالنقاقيد الذين يقتاتون على الفتات.. أولئك الذين حاولوا المنافسة، وبعثوا بمتتبعيهم الافتراضيين الذين يبدو أنهم لا يتعدون العشرة على الأكثر، لينتقدوا طريقتي التي تابعها عشرات الآلاف بهفواتها وأيضا بحسناتها. من مكاني، أبعث لهم التحية ولدي اقتناع بأنهم ندموا وتفطنوا إلى أننا في أول وآخر المطاف أبناء بلد واحد، تقاسمنا نفس الهواء والفضاء، لكننا اختلفنا في كل التفاصيل المهنية. من مكاني في القبر الافتراضي، أسترجع كل التفاصيل، وكما قال درويش..أتيت ولكني لم أصل، وجئت ولكني لم أعد. المهم أن القلم هو الذي يصنع الفرق ومعه الفارق، ومن تلك البلدة النائية جئت. منحت مثل كثيرين ربع فرصة، وحولتها إلى فرصة حقيقية، وبدعم من زملاء محترمين جعلت من خلق برامج سينمائية موضة بعد أن كانت عبئا يتأفف منه الجميع. القلم يروض، ويصير بدوره كاميرا تنقل كل شيء، وتجعلك تصور حتى ما لا يتحقق. أتوقف وأنهي هذه الاستراحة الغريبة..أقمع الخيال، وأعود للواقع.. لازلت هنا معكم وبينكم، وما حمله ركن اليوم هو فقط وصلة إشهارية تحسيسية. حياتي ليست قصيدة، بل هواجس متتالية، وحلم مكلف عماده رغبة في الرقي بالذوق الذي ساهمنا جميعا، كل من موقعه، في الدفع به مؤخرا إلى الحضيض. دعونا نحلم، ونصنع نجوما حقيقيين، ونتفادى تكريمات معيارها الوحيد التقدم في السن. حتى لا يسارع العديد إلى اجترار الجملة نفسها بخصوص التمركز حول الذات، أدعوهم ليكتبوا سطورا تخصهم وسيكتشفون أن الأمر ليس بتلك السهولة التي يتحدثون عنها.. بأنهم حين يحاولون، يهينون ذواتهم. أحلم كثيرا؟ نعم، وليس هناك من بإمكانه أن يمنعني ويمنعكم من الحلم. على خلاف ما يعتقده كثيرون، فقد بعت ولا أزال أفخر ببيع الحلم بالمجان. هناك آخرون يبيعون الجهل للمتلقي بثمن باهظ في وقت الذروة.. للأسف الشديد.. *ركن "سينما بلال مرميد"، ميدي1