"يجب أن نحمد الله على الاستقرار لأنه عندنا في بلدنا اختلاف وحرية رأي ويمكن للإنسان أن يختلف مع الرأي الرسمي دون أن يتعرض له أحد ويدخل بيته مطمئنا، وهو ما يفتقده الكثيرون'." الأستاذ سعد الدين العثماني التدبير السحري: قد تكون ظروف موضوعية عديدة،داخلية وخارجية، حالت دون التزام حكومة العدالة والتنمية-تغليبا- بكل فقرات التعاقد/البرنامج الذي رضيه المواطنون –من خلال نوابهم- ميثاقا،وعهدا, يجمعهم بحكومتهم ،على مدى ولاية كاملة. كل الحكومات،في العالم، معرضة لعدم الوفاء التام بالتزاماتها ؛مما يضطرها ،كارهة غالبا،لتعديل برامجها ؛موازِنة بين المأمول والممكن. لا ضرر في هذا على السير العام للدول؛مادام الاجتهاد الحكومي قائما بإخلاص؛ وما دامت حسابات الأسوأ حاضرة في البرامج إياها،منذ التأسيس؛شريطة المكاشفة الرسمية ،والعامة، ليشترك المواطنون في تدبير الأزمات الطارئة ,واثقين في جهود حكوماتهم. شرط المكاشفة هذا -وهو ركن أساسي في الديمقراطية-اختل اختلالا كبيرا في التدبير الحكومي الحالي؛مما يجعل حتى الحديث عن العوائق والمثبطات الموضوعية، مجرد رجم بالغيب؛مادام الخطاب الحكومي يتبنى خطابا تبريريا و قاموسا غريبين على كل التراكمات السياسية ببلادنا. بموجب هذا الاختلال اختلطت كل الأوراق ،والتبس ،كلية،على النقد السياسي، تحديد المرتكزات ،والاشتغال عليها لتقويم الأداء،والسعي إلى إقناع الحكومة بتعديل ،ولو الخطط ،إن لم يكن البرنامج العام . ومن هنا يشتغل الخطاب الحكومي –تدميريا- على أربع واجهات: واجهة تنزيل البرنامج،وتحقيق الالتزامات؛وواجهتا المعارضة والموافقة البرلمانيتين ؛وأخيرا واجهة التحليل السياسي،المشتغل في عدة اتجاهات . هذه القوة التدميرية ،هي نفسها التي تتصور العامة وجودها في السحر؛إذ تراه يحدث خللا في نظام الكون المألوف: "فألقاها فإذا هي حية تسعى" ؛بعد أن كانت:"عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى". كيف يشتغل البرلمان-معارضة وأغلبية- على خطاب رئيس الحكومة؛وهو يدلي بكائنات برمائية وأسطورية، تعيق جهوده؟ كيف ستصاغ الأسئلة وتحدد الإجراءات؛في اتجاه وضعية أداء سليمة؟ كيف يشتغل المحلل السياسي؛على هذا الخطاب ،خارج الفقه السحري؟ هل هناك عبث سياسي ،مسكوت عنه أكثر من هذا؟ أما لازمة "التشويش" فتشغل كل الحيز الذي يحتله الإعلام المخالف،والمعارضة، في ذهن رئيس الحكومة. لا عيب في الإيمان بالسحر،وكل العيب في التشويش. مجاراة هذا المنطق الفاسد -وهو غير مؤهل لإدارة ولو سوق أسبوعي في البادية؛بله الدولة– لا تدفع سوى في اتجاه واحد: إحداث غرفة فقهية سحرية في البرلمان،من صنف فضاءات "هاري بوتر" العجائبية ،لتفهم عن رئيس الحكومة قاموسه. حتى الحزب الذي افترض المواطنون أنه المعني بالخطاب السحري البرمائي،بادر إلى حمل رئيس الحكومة على المكاشفة:أعلن الأسماء يارجل ،وهات الأدلة،ودونك والقضاء . وللخطاب السحري لرئيس الحكومة امتدادات وتشعبات: لاتنزيل للدستور الا ملكيا.لا أحب منكم لملكه مثلي.لا رضا ملكيا كالذي تستظل به حكومتي.لا تتوقعوا مني أن أكون غير ذلول للملك. لا فساد ماليا مغربيا الا يلحقه العفو. لا زيادة في الأسعار وان علت. لا تفاوض مع شباط .لا هزيمة الا على يد مزوار.لا انتخابات سابقة لأوانها .نحن لها إن رغبتم . لا أزمة حكومية ،وان انهارت.أنا 20 فبراير.أنا الربيع العربي... وتتواصل الامتدادات السحرية و الملغزة ؛في تكريس لمدرسة سياسية جديدة تقطع مع كل التراكمات التدبيرية للدولة المغربية؛ليس منذ الاستقلال فقط ،بل منذ إدارة الجنرال ليوطي ؛وحتى قبله. النقد الملكي الصريح: بدا ،في خطاب الاحتفال بثورة الملك والشعب،ثوريا فعلا ؛إذ أطاح بالبروتوكول الملكي الذي كان يقتضي –دائما- حفظ ماء الوجه للحكومات ،والوزراء فرادى؛ مهما تكن الزلات ،ومهما يبلغ التقاعس. وحتى الحكومات ،بدورها ،لم تكن تخل بالتجاوب،بالمثل، مع هذا المستوى من التعامل الملكي؛حتى وهي لا ترى نفسها مسؤولة ،دائما،عن كل ما يصدر عنها؛مما يدخل في الأجندة الملكية. حادثة "البيدوفيل دانيال" شكلت بداية الإخلال بهذا البروتوكول،من طرف واحد؛إذ صمت رئيس الحكومة ،وهو المحب للكلام؛ونطق وزيرا الإعلام والعدل بما يعفيهما من مغبة الزلل ؛دون استحضار أدنى حرج لهما ولغيرهما. ستبادر المؤسسة الملكية الى تحمل مسؤوليتها كاملة في الخطأ ،مما شكل سبقا رائعا ،نفعه استغرق ضرره؛خصوصا والملك يستقبل ،كأب، أسر الضحايا ؛مما تضمن اعتذارا راقيا. لم تبق معلقة غير قضية التعنيف المبالغ فيه للمتظاهرين،ليطوى الملف كلية؛مغربيا على الأقل. لا اختزل الانتقاد الملكي الصريح للحكومة في رد فعل غاضب ؛لأنه قارب قضايا إستراتيجية في الأداء التنفيذي؛وهو يطيح بالمدرسة السياسية الجديدة التي تتوهم أنها تنطلق من الدرجة الصفر. ثم وهو يسجل التراجع الحكومي اللامبرر عن مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين. وخارج الخطاب- لكن ضمن نفس الروح- رسمت رسالته،أخيرا، إلى ملتقى سفراء المملكة ،خرائط جديدة للعمل الدبلوماسي- بما فيه الثقافي-الى حد أن خصوم وحدتنا الترابية اعتبروها بمثابة إعلان لحرب دبلوماسية بأجندة تستهدفهم مباشرة. لم يرد رئيس الحكومة- مباشرة- على النقد الملكي الذي استهدفه ،هو قبل غيره ؛لكن جناح الحزب المسلح بأسنان الحديد ،فعَّل مبدأ العين بالعين ؛وراح يدفع في اتجاه "ليس في الإمكان أبدع مما كان "؛وأن الميثاق ملكي ؛كما سبق لرئيس الحكومة أن قال عن الدستور، حينما استغرب منه ألا ينجز شيئا مما هو جديد فيه. كانت الفرصة مواتية لرئيس الحكومة ليقول – خارج الخطاب السحري- ها أنذا ،وها هم المسؤولون؛ولكم واسع النظر،يا مولاي. فضل مرة أخرى ألا يكون وفيا الا لنهج الغرائبية والشعبوية،متفرغا لتنفيذ أجندة رجل سبق أن قال عنه : "مافيدوش". وهل كان شباط يرغب في غير استبدال بعض عجلات الحافلة؟ سعد الدين العثماني: أظهر،غير ما مرة أنه لا ينتمي لمدرسة رئيس الحكومة ،وان كان الرجل الثاني في الحزب.ويكفي أن نقارن بين رد فعليهما وهما يواجهان ،أخيرا ، شبيبة عدالية ،لا تفهم كيف أن قادتها الحكوميين لا يجارونها في لهفة البحث عن الرئيس مرسي لإرجاعه الى عرش مصر.هم لم يتلهفوا على أي شيء وطني ،مطلبي،لهفتهم على أن تصحح الأمور في أرض الكنانة. ليفهم كل واحد منا نفير هؤلاء الشباب كيف يشاء؛وصولا إلى اعتباره إخراجا حزبيامحبوكا . يفرض علي الحيز هنا أن أسجل أن الأستاذ العثماني يصرح لشبيبة حزبه بألا خوف في المغرب على حرية الرأي. نترك جانبا مدى صدقية هذا الكلام ونواصل،معه،دون أن نحمل كلامه أكثر مما يحتمل: قل ما تشاء ولا روحانيات أو برمائيات تعترض عودتك إلى منزلك. هذا في ما يخص المواطنين العاديين ،فكيف يكون الأمر حينما يكون أحد هؤلاء المواطنين رئيسا للحكومة؟ المنطق السليم يقول بأن هامش الحرية هنا شاسع ،بقدر صدارة هذه المرتبة – دستوريا-في هرم الدولة. لكن رئيس الحكومة لا يقبل مثل هذا الكلام ،وفي نفس الوقت يصمت حينما يواجهه الملك بانتقادات مباشرة. عدا هذا يتفق الرجلان – الرئيس والوزير-على الإدلاء بالاستقرار في البلاد؛إلى حد اعتباره- ربما- بديلا لبرنامج حكومي ننتظر دائما تحقيقه ؛أو بديلا للتصريح الصادق -وحتى الفاضح- بكل المعيقات الموضوعية ،وحتى الذاتية التي تحول دون تحقيقه. ومهما يكن رأينا في وجود استقرار سياسي حقيقي ،وسليم، فان الأسلم منه ،والأنجع، أن تكون هناك دينامية في الانجاز ،تستدعي بالضرورة الاختلاف في الرأي،وحتى الصخب؛وهما يتعارضان كلية مع الدعة والسكون؛خصوصا والحكومة تمن يهما على المواطنين. وهل يستقيم أن يكون الاستقرار- في وجوده سليما- انجازا لحكومة واحدة؟ هل كان المغاربة في فتنة من أمرهم ،وجاء الاستقرار مع الحكومة الجديدة؟ ثم من نصدق، بخصوص قضية الرأي، وإمكانية العمل بحرية،رئيس الحكومة أم وزير خارجيته؟ أنا أميل لتصديق الثاني لأنه أبان عن صدق،وحكمة دبلوماسية، وهو يخاطب شبيبة حزبه:"لست هنا لقول ما يرضيكم ،ولكن لقول ما أراه صوابا ،وقد أكون مخطئا". قارنوا هذا بكل الزوابع التي أثارها ويثيرها رئيس الحكومة ،مما يرضي أسماع مشايعيه ،حتى وان لم تطمئن قلوبهم. إن الطاولة ،سواء ضربتها أم لم تضربها- وأنت تتحدث -لاتضيف إلى المعنى شيئا؛عدا التشويش عليه. كل أملي أن تنهار المدرسة السحرية في تدبير الدولة،وتطرد الساحرة ممتطية صهوة مكنستها؛وتسلط الأضواء الكاشفة على كل مناطق الظل في التدبير العام والخاص؛فهي موجودة ،ولا يكفي فقط أن نسجل وجودها. وإذا لم تكن النسخة الثانية للحكومة خالية ،تماما ،من السحر و ألغازه ،فالأفضل المضي ،بسرعة ،الى انتخابات تستعيد رجال الدولة الحقيقيين ،المنزوين في الظل. [email protected] Ramdane3.ahlablog.com