هل هناك صلة بين الانسحاب الأمريكي المتسرع وغير المنظم من أفغانستان وبين تزايد هجمات الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران في اليمن على المملكة العربية السعودية؟ يرى الكاتب خالد أبو طعمة، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، أن العديد من المحللين السياسيين العرب والكتاب مقتنعون بأن تعامل إدارة بايدن المعيب مع الأزمة في أفغانستان، الذي أسفر عن سيطرة حركة طالبان على كل الأراضي الأفغانية، شجع الجماعات الإسلامية المتشددة، ومن بينها الحوثيون الذين يهددون أصدقاء واشنطن العرب وحلفاءها، وزادها جرأة. ويقاتل الحوثيون ضد التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن منذ عام 2015. ومصدر القلق الرئيسي للعرب هو أن الطريقة "المذلة" التي انتهى بها الوجود الأمريكي في أفغانستان قد أرسلت رسالة إلى إيران ووكلائها (حركة حماس وحزب الله والحوثيين) مفادها أن الأمريكيين ليسوا ضعفاء فقط، ولكن أيضا لا يمكن الوثوق بهم لدعم حلفائهم أو الدفاع عنهم. ويرى الكاتب أنه يبدو أن الحوثيين المدعومين من إيران يقولون لأنفسهم: إذا كانت الولاياتالمتحدة ضعيفة هكذا وليس لديها أي مشكلة في خيانة حلفائها وأصدقائها، ربما يكون هذا هو الوقت المناسب لتصعيد الهجمات ضد السعودية. وشهدت الأيام القليلة الماضية تصعيدا كبيرا في هجمات الميليشيا الحوثية في اليمن ضد المناطق المدنية في السعودية. واستهدفت الهجمات منشآت نفطية داخل السعودية. ويوم 5 شتنبر، أعلن السعوديون أنهم اعترضوا صاروخا باليستيا وطائرات مسيرة مسلحة أطلقها الحوثيون في اليمن على المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في السعودية، التي تضم بنية تحتية نفطية مهمة. وقد أصيب طفلان. وقبل ذلك بأيام، شن الإرهابيون الحوثيون هجوما بطائرة مسيرة على مطار أبها السعودي، مما أسفر عن إصابة ثمانية أشخاص وإصابة طائرة بأضرار. وقد تم استهداف المطار في مناسبات عديدة في الماضي. وفي عام 2019، أصيب 20 شخصا على الأقل في هجوم مماثل بطائرة مسيرة. وأدان مجلس وزراء الداخلية العرب "بأشد العبارات" الأعمال الإرهابية المتكررة التي تقوم بها الميلشيا الحوثية ضد السعودية، وفقا لصحيفة "الأهرام" المصرية. فقد أكدت الأمانة العامة للمجلس، في بيان صدر يوم الأحد 5 شتنبر، ضرورة مساءلة ومحاسبة مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية التي تعد جرائم حرب شنيعة. و"جدد المجلس مساندته المطلقة لكل الإجراءات التي تتخذها المملكة العربية السعودية للحفاظ على أراضيها ومنشآتها وسلامة مواطنيها والمقيمين فيها". وقال الكاتب السعودي فهد ديباجي، في مقال بعنوان "التصعيد الحوثي ورسائل إيران"، إن "مشاهد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، حملت العديد من الرسائل للنظام الإيراني". وتابع ديباجي بأن انسحاب القوات الأمريكية يعزز "من فرضيات واحتمالات توسعه من جديد لاستكمال مشروع بدأته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بتمكين تيارات الإسلام السياسي من حكم المنطقة". وأشار ديباجي إلى أن إدارة بايدن وجهت رسالة أخرى إلى إيران ووكلائها عبر شطب اسم مليشيا الحوثي من قائمة التنظيمات الإرهابية. وواصل ديباجي قائلا: "هذا التعامل المتهاون المقصود من الولاياتالمتحدة، والغرب عموما، جعل الحوثيين يصدّرون خطابا إعلاميا متصلّبا تجاه العالم يظهرهم كذبا بمظهر الطرف القوي، وهو الخطاب الذي تصاعد وأصبح أكثر مباشرة وفجاجة على وقع الأحداث المتسارعة التي شهدتها أفغانستان وانسحاب أمريكي بطعم الهزيمة. الآن لدى الإدارة الأمريكية فرصة كي تُظهر أن فهمها لليمن جاء بشكل خاطئ، وتعلن أنّها لن تدع مليشيات إرهابية مسلحة تفرض أمرا واقعا على الأرض اليمنية". وأضاف ديباجي أنه "لا يوجد أحد في العالم فهم العقلية الحوثية الإرهابية كما فهمتها المملكة العربية السعودية، التي حذرت وما زالت تحذر من خطرها. إرهاب الأذرع الإيرانية واحد لا يتجزأ، والتخاذل والتعامي الغربي لم ولا يتغير حيال سلوك الحوثي في اليمن ولا النظام الإيراني الداعم المباشر والمحرك لهذه المليشيا". وتساءل الصحافي والمحلل السياسي اللبناني خير الله خير الله ما إذا كانت الولاياتالمتحدة، بعد انسحابها من أفغانستان، ستستمر في لعب دور المتفرج "في الوقت الذي لا توجد فيه إشارة إلى أن الحوثيين سيوقفون سياستهم العدوانية التي تستهدف فرض الأمر الواقع (الحكم الإيراني) على شبه الجزيرة العربية" التي تشمل السعودية والكويت وقطر وعمان والإمارات العربية المتحدة، وكذلك الأجزاء الجنوبية من العراق والأردن. وأعرب خير الله عن اعتقاده أن الولاياتالمتحدة لن تتمكن من فعل أي شيء ضد التهديد الحوثي ما لم تأخذ في الاعتبار أن إيران مصممة على استخدام اليمن كورقة أساسية لفرض شروطها على إدارة بايدن. وأضاف أن "إيران ترى فرصة جديدة للتقدم في اليمن وتعزيز وجودها هناك". وقد كانت ميليشا الحوثي من بين أول الجماعات الإسلامية التي رحبت بسيطرة طالبان على أفغانستان و"هزيمة" الولاياتالمتحدة. وقد أشارت الميليشيا إلى أنها استمدت الإلهام من النصر المزعوم لطالبان. وتعليقا على سقوط أفغانستان في أيدي حركة طالبان، كتب محمد عبد السلام، المتحدث باسم ميليشيا الحوثي: "كل احتلال له نهاية. أمريكا الآن تحصد الفشل بعد 20 عاما من احتلال أفغانستان، فهل تفكر دول العدوان في هذا؟". وقد كان تهديد عبد السلام موجها بشكل أساسي إلى السعودية، التي تقود تحالفا يضم تسع دول لمنع الحوثيين من السيطرة على اليمن. وكانت الرسالة التي وجهها المتحدث باسم الحوثيين هي: جماعتنا الإرهابية المدعومة من إيران ستحذو حذو أفغانستان وتهزم أصدقاء أمريكا، وخاصة السعوديين. وقام مسؤول حوثي آخر، هو عبد الملك العجري، بتذكير التحالف بقيادة السعودية بمصير الولاياتالمتحدة في أفغانستان، قائلا: "دول العدوان (أعضاء التحالف الذي تقوده السعودية) أمامها خياران في اليمن: إما أن تغادر بعد إبرام اتفاق كما فعلت أمريكا في أفغانستان، أو بغير شرف كما فعلت في فيتنام". من جانبه، أعرب الصحافي اليمني زكريا الكمالي عن مخاوفه مما أسماه "أفغنة اليمن"، وحذر قائلا: "من المؤكد أن الحوثيين سيستوردون المزيد من التجارب من الفوضى الأفغانية ويبدؤون في تنفيذها في الأراضي اليمنية"، وأضاف أنه من الواضح أن قادة الحوثيين "يشعرون بالغيرة من الإنجاز الأمني لطالبان في أفغانستان". واعتبر الكاتب خالد أبو طعمه أن أكثر ما يزعج العرب هو أن إدارة بايدن فشلت في اتخاذ موقف متشدد ضد الهجمات المتزايدة من الحوثيين ضد السعودية. وحتى الآن، ردت إدارة بايدن على الهجمات بإصدار بيانات موجزة وصفت هجمات الطائرات المسيرة والهجمات الصاروخية على أهداف مدنية في السعودية بأنها "غير مقبولة". واختتم أبو طعمة تقريره بالقول إنه لا بد أن إيران والحوثيين وطالبان يضحكون بشدة وهم يشاهدون إدارة بايدن وهي تتحرك بارتباك وتخبط بشأن الوضع في أفغانستان واليمن. الأمر الذي على المحك هنا ليس مصداقية الولاياتالمتحدة فقط، ولكن أمن واستقرار حلفاء أمريكا العرب وأصدقائها الذين تركوا بمفردهم لمواجهة إيران، التي تستغل الضعف والارتباك في إدارة بايدن لبسط سيطرتها على نطاق أوسع.