أعتقد أنه لم يكن من قبيل المفاجأة أبدا، لأي متتبع للشأن السياسي في المغرب، ألا يحصل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة على المرتبة الأولى أو حتى على المرتبة الثانية؛ لكن أن يأتي في المرتبة الثامنة، وبثلاثة عشر مقعدا فقط، فتلك كانت هي المفاجأة حقا. خلقت مفاجأة الكثير من ردود الفعل المتباينة، سواء داخل الحزب أو خارجه: فداخل الحزب، اختار بعض الزعماء تبرير الخسارة بربطها بهذا السبب أو ذاك، بينما شرع آخرون في جلد الذات، وانتهى الأمر بتقديم الأمانة العامة لاستقالتها. أما خارج الحزب، فهناك من استنكر وندّد بالنتائج، وهناك من هلّل لبزوغ فجر مغرب ما بعد العدالة والتنمية، وهناك أيضا من دعا إلى التعاطف مع الحزب وعدم الشماتة بزعمائه. منذ البدايات الأولى لإعلان النتائج، بدأ الحديث يتزايد عن التصويت العقابي، على الرغم من أن ذلك يبدو غير واقعي لثلاثة اعتبارات على الأقل: أولها أن مثل هذا التصويت يحتاج إلى وعي سياسي يبدو "مفتقدا"، إلى هذا الحد أو ذاك، لدى فئة كبيرة من الناخبين. ثانيها أن حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي احتل المرتبة الأولى في هذه الاستحقاقات، كان بدوره جزءا من الحكومة وتحمل تدبير القطاعات الاقتصادية الحيوية في البلاد. وثالث الاعتبارات الدالة على أن التصويت العقابي يبدو غير واقعي هو أن الفئات الاجتماعية العريضة، الفقيرة أو تلك التي تعرضت للتفقير، كان من المفترض في هذه الحالة ومن المنطقي كذلك أن تصوت على أحزاب أخرى تأمل في أن تغير أوضاعها إلى الأحسن، والأقرب إلى ذلك توجد الأحزاب ذات الصبغة الاشتراكية، أو حتى الأحزاب الأخرى التي لم يسبق لها أن شاركت من قبل في الحكومة، بغض النظر عما إذا كانت كبيرة أو صغيرة، قديمة أو جديدة. لكن ليس هذا ما حصل. وبظهور النتائج الرسمية، أخذت التفسيرات في التكاثر والتناسل بشكل سريع جدا. تلك التفسيرات تتلاقى وتتقاطع وتتكامل أحيانا، وتتباين وتتعارض وتتناقض أحيانا أخرى. وبغض النظر عمن تصدر عنه هذه التفسيرات، سواء كان فاعلا سياسيا في هذا الحزب أو ذاك بمن فيهم زعماء حزب العدالة والتنمية أو محللا سياسيا أو باحثا في أحد التخصصات العلمية أو غيرهم، يمكن أن أزعم أن هناك ثلاثة تفسيرات كبرى لهذه النتائج. التفسيرات الأولى تركز على الحزب ذاته. ويتم التركيز فيها عادة، وبشكل أساسي، على التأثير السلبي جدا للصراعات الداخلية التي نخرت "البيجيدي" من الداخل، وأوهنت قواه وجعلته أقرب إلى الضعف بكثير منه إلى القوة، وكذا تراجع العلاقة بينه وبين قواعده، ومبالغته في التفاؤل بنجاحه للمرة الثالثة على التوالي، إلى جانب مجموعة من النواقص التي اعترت حملته الانتخابية؛ فبدا، بشكل ما، كما لو أنه كان مطمئنا كل الاطمئنان إلى فوزه، ولم يعمل بجد من أجل ذلك. التفسيرات الثانية تخص العملية الانتخابية في حد ذاتها. وفي هذا الإطار، تُدرج عدد من الأسباب منها تأثير الجمع بين الانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية وما خلفته من ارتباك وتشويش لدى الناخبين، بالإضافة إلى الحديث عن مجموعة من الخروقات القانونية التي تهم أساسا غياب محاضر التصويت، وتدخل الإدارة، واستخدام المال لشراء الذمم، إلخ. التفسيرات الثالثة تهم قوة الأحزاب المنافسة. وهي تنطلق من أن تلك الأحزاب استطاعت أن تستعيد وحدتها التنظيمية، وأن تحقق إجماعا داخليا، وأن تجعل المناضلين يلتفون حول زعيم واحد. وبذلك، رسمت لنفسها توجها واضحا، وهدفا محددا، وعينت الوسائل الكفيلة بتحقيقه، ونهجت سبلا مختلفة للوصول إلى الناخبين بما في ذلك اعتمادها على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فهي لم تترك شيئا للصدفة، إذ استعدت بما فيه الكفاية، رسّت الصفوف، واختارت نخبا قوية، سواء كانت نخبها أو نخبا مستقطبة، ووضعتها في الواجهة، ودخلت المعركة من أجل ربحها. من الواضح جدا أن كل التفسيرات السابقة على الرغم من أهميتها تعجز في النهاية، سواء منعزلة كانت أو مجتمعة، عن أن تقدم تفسيرا مقنعا تماما. إنها لا تطفئ لهب السؤال: ماذا حدث يوم الأربعاء 8 شتنبر 2021؟، وإنما على العكس من ذلك تذكي جذوته. وفيما يخصني، لدي جواب بسيط عن السؤال السابق، وهو: لا أعرف.