خلفت نتائج اقتراع يوم 8 شتنبر الماضي لاختيار ممثلي المغاربية في مجلس النواب ومجالس الجهات والجماعات، سقوطا مدويا لحزب العدالة والتنمية لم يجد له قياديو الحزب تفسيرا وحرك أقلام المحللين السياسيين بحثا عن جواب مقنع لما حدث في تلك الليلة فالسقوط من أعلى السلطة التنفيذية إلى حزب بدون فريق برلماني لم يكن يتوقعه حتى خصوم "إخوان العثماني". نقدم لقراء "الأيام2" سلسلة قراءات تحليلية في المشهد السياسي ما بعد 8 شتنبر، وفيما يلي قراءة الحقوقي والأستاذ الجامعي عبد العزيز النويضي. كانت أكبر مفاجأة هي اندحار حزب العدالة والتنمية، تقريبا إلى المرتبة الأخيرة، وقراءتي لهذا، أن هناك عوامل كثيرة تُفسّر هذه النتيجة، وسأسردها بدون ترتيب الأولويات. من هذه العوامل ما يرجع لمسؤولية الحزب نفسه، وفي هذه الحالة يمكن اعتبار أن هناك تصويتا عقابيا، فقد حصلت خيبة أمل من حزب العدالة والتنمية الذي حصل على الأغلبية مرتين، ولكن خابت الآمال لأن المواطنين لم يلمسوا تحسنا في حياتهم اليومية. بل في رئاسة هذا الحزب للحكومة حصل عدد من التراجعات في الحقوق والحريات والوضع الاجتماعي. لقد استمعت إلى عدد كبير من المواطنين يقولون «إذا كان هذا الحزب غير مسؤول عن هذه التراجعات فما كان عليه إلا أن يتحلى بالشجاعة ويخرج للمعارضة»، ويقولون «لو صوتنا عليه ونجح فمن المحتمل جدا أن يستمر في السياسات التي أضرّت بالناس». إذن هذا أحد عوامل التفسير. وهناك عوامل أخرى ترتبط بأمور أضرت بسمعة الحزب، مثلا مسألة تقاعد السيد عبد الإله بن كيران، في الوقت الذي يفتخر هو بأنه أصلح التقاعد بطريقة أضرّت بالموظفين، بحيث زاد في سن الخروج للتقاعد وقلّص من طريقة احتساب المعاشات. أعرف سيدات من العائلة أو الأصدقاء، وكلما سألت أزواجهن: «هل تقاعدت فلانة»؟ يردون: «ذنوبنا على بنكيران لي زادنا فسنوات الخدمة». وفي نفس الوقت أخذ الرجل تقاعدا جرّ عليه انتقادات كبيرة. الموظفون يقولون نحن نساهم في صندوق التقاعد، وهو لم يساهم في أي شيء ومع ذلك يأخذ 7 ملايين إلخ.. هذه الأشياء تؤثر في الرأي العام بالتأكيد. وهناك عنصر آخر هو بعض تصريحات السيد بنكيران أو أعضاء بارزين في الحزب، حيث كان كثيرا ما يخرج عن السياق، وهو ما يسيء إليه ويفجر التعليقات الساخرة. هذا جزء من تفسيري لمسؤولية الحزب في هذه النكسة الانتخابية. هناك نقطة أخرى لديها علاقة باستعمال المال، فحسب المراقبين، استعملت الأموال بشكل كبير وكان منتظرا من خلال عدد من المؤشرات فوز حزب التجمع الوطني للأحرار وتبوئه الرتبة الأولى. ويبدو كما لو أنه كان هناك إيحاء أو تشجيع بأن يذهب الناخبون في هذا الاتجاه، فقبل الانتخابات التحق به عدد كبير من الأعيان والناخبين الكبار المنتمين لأحزاب أخرى، وكان هذا مؤشرا آخر على أن هذا الحزب ستكون له حظوظ أكثر من غيره. هناك عامل آخر يتجاوز الحزب ويتجاوز حتى المغرب ككل، وهو المناخ الدولي والإقليمي، الذي لا يستسيغ اليوم أحزابا لها تفسير محافظ للمرجعية الإسلامية، هذا المناخ الدولي ليس ضد الإسلام بالضرورة ولكن ضد الأحزاب المنظمة التي لها تفسير محافظ للدين، لا ينسجم مع كونية حقوق الإنسان ويبرر التمييز ضد المرأة إلخ.. وقد لعب هذا أيضا لغير صالح حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية في انتخابات 8 شتنبر، خصوصا أن هذه الأحزاب مشكلتها أنها تعادي الغرب بمبررات أيديولوجية في كثير من الحالات بعيدا عن فهم عميق لواقع وسوسيولوجية المجتمعات الغربية. في قراءة النتائج المعلنة نلاحظ أن الأحزاب الثلاثة الأولى لديها 257 مقعدا في البرلمان، أي تفوق نسبة الأغلبية البرلمانية المحددة في 198 مقعدا، فحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي طبقا للدستور سيعين الملك منه رئيسا للحكومة، لديه حرية كبرى في اختيار حلفائه لتشكيل الأغلبية الحكومية، ويمكن أن يدخل معه الأصالة والمعاصرة ويمكن أن يُدخل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، ويمكن أن يتحالف حتى مع التقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية، إذا أراد بعض منهم أن يظل في الحكومة مثلما بقي المرحوم الوفا، حين خرج حزب الاستقلال من الحكومة وظل هو فيها. عموما، لقد تفاجأت باندحار حزب البيجيدي، إذ كنت أتوقع أن يأتي في الرتبة الثالثة أو الرابعة. ولكن هناك مسألة إنسانية أريد أن أثيرها، فأنا كنت أتمنى أن ينجح الأستاذ سعد الدين العثماني، فهو إنسان طيب، طبعا لم تكن لديه سلطة، وكلهم لم تكن لديهم سلطة، ولكن هو لا يحمل خطابا مزدوجا، هو إنسان واقعي، ولكنه في جميع الحالات يتحمل هو وحزبه مسؤولية الفترة التي قضوها في الحكومة. وكذلك تأسفت لعدم نجاح نبيل بن عبد الله، لأن حزب التقدم والاشتراكية كان يمارس السياسة بنوع من الأخلاق، وطبعا تأسفت لجميع أصدقائي في تحالف فيدرالية اليسار وأهنئ من نجح منهم ومن الاشتراكي الموحد. الفكرة الأخيرة هي أنني أتمنى من أحزاب اليسار بجميع تلاوينها، والتي لديها غيرة على استقلالية قرارها وعلى مستقبل المغرب، أن تعمل من أجل تشكيل حزب يساري اشتراكي قوي، يناضل من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية كما كان عليه حزب الاتحاد الاشتراكي سابقا.