أجرت أسبوعية «لافي إيكو»، يوم الجمعة الماضي (13 دجنبر 2013)، حوارا مطولا مع إدريس لشكر الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي. وقد تحدث إدريس لشكر عن أسباب تراجع العمل السياسي. كما تحدث عن الخلفية السياسية لمعارضته ميلاد حزب «الأصالة والمعاصرة»، حيث أوضح أن هناك العديد من الملاحظين. وأكد أن رفض هذه الترسيمة و أظهر التاريخ أن الحق كان معه. وتحدث الكاتب الأول عن تاريخ الشبيبة الاتحادية، وكيف أنها كانت كانت هي الذراع الرئيسي للاتحاد الاشتراكي، وكيف ظلت كذلك لسنوات قبل أن تخرب الصراعات الداخلية و العداوات والتسابق على المواقع كل شي. وقال إن «إعادة بناء الحزب» تمر عبر الشباب. وعن أسباب رفض الحزب الانضمام إلى حكومة «العدالة والتنمية»، أكد لشكر أن الاتحاد الاشتراكي هو الحزب الوحيد من الكتلة الذي رفض الانضمام لأغلبية العدالة و التنمية. وقال ك «لقد قررنا الذهاب للمعارضة لأننا نعتبر بأننا على طرفي نقيض مع العدالة و التنمية مشروعنا المجتمعي، وسلم قيمنا وتاريخنا هي على النقيض من العدالة و التنمية». وفي هذا الحوار، أيضا، تحدث لشكر عن حكومة اليوسفي وموقف الاتحاد من حكومتي جطو وعباس الفاسي، كما أوضح أسباب قبوله لحقيبة وزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان. وكشف لشكر عن موقف الحزب من الكتلة الديمقراطية، ومن حزب الاستقلال و«التقدم والاشتراكية». وقال إن التاريخ قد أثبت أن «جميع الأحزاب غير الإسلامية التي تتحالف مع أحزاب إسلامية تنتهي بالاندحار». وتحدث لشكر عن الانتخابات والقرارات غير التشاركية لحكومة بنكيران. فضلا عن تخوفات المستثمرين من الأجواء الاقتصادية التي صنعتها القرارات الحكومية.. إلخ. بداية، كيف هو حال «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» وحال الحقل السياسي بصفة عامة؟ أستطيع القول بأن السياسة عادت إلى الساحة بالمغرب. في وقت من الأوقات لم يعد المغاربة يهتمون بل استقالوا من الفعل و الشأن السياسي. غير أن العامل المُحول كان هو انخراط المغرب في المسلسل الدمقراطي من خلال تعيين حكومة التناوب الأولى (حكومة اليوسفي). و هكذا وجدت الأسرة الكبيرة لليسار، و الاتحاد الاشتراكي خصوصا، نفسها في القيادة، تاركة فراغا كبيرا في المعارضة. و بما أن الطبيعة تكره الفراغ، فإن المعارضة مُلئت بتشكيلات لها فهم خاص للسياسة. بعض هذه الأحزاب يخلط العمل الخيري بالجمعوي بالديني...هذا المزيج في الأنواع كان سبب تراجع العمل السياسي الذي لم نعه للأسف في حينه لأننا كنا منشغلين بتدبير شؤون الدولة. حينما تقولون «كنا» هل تعنون الاتحاد الاشتراكي أو اليسار بصفة عامة؟ أتحدث عن الأحزاب التقدمية و الحداثية. لكن هناك أحزاب أخرى وصلت في تلك الفترة و ملأت المشهد... لقد حاولوا بطريقتهم و بفهمهم الخاص للسياسة. لم تكن هناك الأحزاب الدينية التي تتحدثون عنها فقط. فحزب الأصالة و المعاصرة ظهر أيضا في هذه الفترة... كان هناك جزء من الفاعلين السياسييين الذين اعتقدوا خطأ بأن اليسار و الاتحاد الاشتراكي خصوصا، قد هرم و لم يعد بإمكانه تقديم مشروع مجتمعي قابل للحياة (كبديل عن المشروع المحافظ) و الدفاع عنه و تحويله إلى قطب. هؤلاء الفاعلون اعتقدوا أنه ينبغي إنشاء تشكيل سياسي جديد لرفع هذا التحدي. لهذا السبب أيضا حاربت ميلاد هذا التشكيل.كثيرون اعتقدوا في تلك الفترة بأن الاتحاد الاشتراكي قد انتهى و أنه بالإمكان استقطاب هياكله و مناضليه من أجل خلق حزب جديد، أي الأصالة و المعاصرة (البام).لم يكن من الصدفة أن تنشط الاتصالات مع الكثيرين من قدماء الاتحاد الاشتراكي. لقد رفضت هذه الترسيمة و أظهر التاريخ أن الحق كان معي. ف»البام» لا يمكن أن يبني لنفسه مشروعية على حساب مشروعية أحزاب أخرى. مع ذلك فالكثيرون يعزون تراجع الاتحاد الاشتراكي إلى أخطاء كبرى، على غرار ترك الجامعة في حين أن قوة الحزب كانت هناك في السبعينات و الثمانينات... صحيح جدا. فالشبيبة الاتحادية التي كانت مشكلة في معظمها من الطلبة، كانت هي الذراع الرئيسي للاتحاد الاشتراكي. و حين كان عبد الرحيم بوعبيد يريد تنظيم لقاءات، فإن الشبيبة هي من كانت تقوم بكل شيء ، بدءا من اللوجستيك حتى التعبئة و تأطير المناضلين. و قد ظل الأمر على هذا الحال لسنوات، لكن للأسف فإن الصراعات الداخلية و العداوات و التسابق على المواقع قد خرب كل شيء و أنسانا الأسس و جعلنا نتجاهل القواعد.كثير من الكوادر و الشباب قد غادروا الحزب. لهذا فإن إعادة بناء الحزب ? و هذا واضح في الأرضية الأولية التي قدمتها لترشيحي في المؤتمر التاسع- يمر بالضرورة عبر الشباب. و لهذا السبب أيضا أحرص شخصيا ، منذ انتخابي كاتبا أول ، على الحضور في كافة اللقاءات التي تنظمها الشبيبة بدون استثناء. بعض المحللين يفسرون تراجع الاتحاد الاشتراكي بعاملين: الأول هو أنه منذ التناوب، غادر كثير من المناضلين الحزب، و من بينهم أسماء معروفة و فاعلة في جهاتها و بعض المتعاطفين. و العامل الثاني هو أن الاتحاد الاشتراكي لم يعد له موقف واضح و متميز في المشهد الحزبي. ففي بعض الأحيان تكونون على اليسار و في أحيان أخرى مع أحزاب محافظة، لم نعد نعرف ما موقع الاتحاد الاشتراكي... بخصوص هذا المنطق الذي يقول بأن الاتحاد الاشتراكي يسعى للمشاركة في الحكومة كيفما كان لونها، أذكركم بأن الاتحاد هو الحزب الوحيد من الكتلة الذي رفض الانضمام لأغلبية العدالة و التنمية. لقد قررنا الذهاب للمعارضة لأننا نعتبر بأننا على طرفي نقيض مع العدالة و التنمية.مشروعنا المجتمعي، و سلم قيمنا و تاريخنا هي على النقيض من العدالة و التنمية. أما بخصوص المناضلين الذين غادرونا أو التصويت العقابي الذي تلقيناه في الانتخابات، فهذا لا يخص الاتحاد الاشتراكي وحده. فالإنسان بطبيعته ميال إلى التغيير. على سبيل المثال، في إسبانيا، و بعد رحيل فرانكو، استلم الاشتراكيون السلطة و أنجزوا ثورة حقيقية. لكن هذا لم يمنع الناخبين الإسبان من التصويت لليمين. هذه إحدى قواعد الطبيعة. و سأقول بأن الاختراع الأعظم للدمقراطيات الغربية هو مفهوم التناوب. حقيقة أن منطق الأشياء كان يفرض رحيل الاتحاد الاشتراكي بعد حكومة اليوسفي. و هذا كان موضع نقاش داخل الحزب. كان البعض يؤيد البقاء في الحكومة و كان البعض اللآخر يؤيد المغادرة، لكن القرار اتخذ بطريقة دمقراطية، للمشاركة في حكومة جطو. هل ترون بأن هذا كان من أكبر أخطاء الاتحاد الاشتراكي؟ لا.لا أعتبر ذلك خطأ.فقرار البقاء في الأغلبية كانت له مزايا و مساوئ.فالحكومة التي تلت حكومة اليوسفي سمحت بإنجاز خطوات كبرى. لكن حين عاقب الناخبون الاتحاد الاشتراكي بقسوة ، لأننا أصبحنا في الدرجة الخامسة بعد أن كنا في الدرجة الأولى قبل ذلك بخمس سنوات، فإنه ما كان على الاتحاد الاشتراكي أن يشارك في حكومة عباس الفاسي. و هذا كان قرار خاطئ. و مع ذلك فإن هذا لم يمنعكم، شخصيا، من قبول منصب وزير في هذه الحكومة نفسها... لقد شاركت فيها بالفعل،و أعتبر أن هذا كان فرصة كبيرة لي. لقد عشت كل الغليان الذي سبق 20 فبراير و هذا سمح لي أيضا بمعايشة و المشاركة في التحولات الكبرى للمجتمع المغربي التي قادت إلى دستور 2011 الجديد ثم إلى الانتخابات السابقة لأوانها في نفس السنة. أستطيع أن أقول لكم أنه من موقعي كوزير مكلف بالعلاقات مع البرلمان،تمكنت من المساهمة من تمرير نصوص قانونية هيأت الأرضية لانتخابات نوفمبر éà&&، و ذلك خلال زمن قياسي لا يتجاوز بضعة أسابيع. أؤكد لكم بأن هذا العمل لم يكن يسيرا، لأنه كان يتعلق بمطالبة المنتخبين التصويت على قوانين ستخفض فترتهم النيابية كي يعودوا مجددا لصناديق الاقتراع.و أثير انتباهكم بالمناسبة نفسها إلى أن الحكومة الحالية لم تتمكن منذ سنتين إلى حد اليوم من إصدار قوانين تنظيمية لتنزيل الدستور الجديد. يعتبر البعض أن الأمر يتعلق بالانتهازية السياسية من جانب ادريس لشكر لا أقل و لا أكثر... نعم، يمكن الحديث عن انتهازية لكن من طرف الحزب، والحزب فقط و ليس من جانبي شخصيا.و أذكركم، من جهة أخرى، بأني لم أجلب أي امتياز شخصي بما أني لم أسع للحصول على منصب على مستوى الجماعات. اليوم أعتبر بأننا قمنا بالخيار الأفضل. كنا نعتقد بأن الكتلة قد أصبحت من التاريخ القديم.لكن ها أنتم تتحالفون مع حزب الاستقلال، هل هي كتلة مكررة؟ رسميا، و بمقتضى قرارات هيآت الاتحاد الاشتراكي، فإنه لم يعد للكتلة أي وجود.ففي البلاغ الذي تلا مؤتمرنا الثامن، تم التأكيد صراحة على أن الحزب يجمد أي نشاط له في إطار الكتلة. و بعد ذلك، لم يتحدث أي من البلاغات الرسمية الصادرة عن هيآتنا عن الكتلة. فبالنسبة لنا هذه قضية انتهت. و مع ذلك، فقد حرصنا على التذكير بأن الاتحاد الاشتراكي يبقى دائما مفتوحا لمجموع القوى الدمقراطية و عبرنا عن ذلك بصورة رسمية. أما تقاربنا الراهن مع أصدقائنا في حزب الاستقلال فلا علاقة له بالكتلة. اليوم سواء شئنا ذلك أم أبينا، فإن حزب الاستقلال يميني أكثر منه يساريا. كيف يمكننا تفسير هذا التحالف معه للمغاربة؟ لست متفقا معكم. اليوم يتقاسم حزب الاستقلال معنا نفس المواقف حول إلغاء عقوبة الإعدام، مثلا، أو حول قضية الإجهاض. نعم،لكن مرجعية حزب الاستقلال تاريخيا مرجعية محافظة و دينية... لقد تغير حزب الاستقلال كثيرا. أشارك شخصيا في لقاءات مع الاستقلال و أؤكد لكم بأن أطر و مناصلي هيآته، حداثية جدا، و لا تختلفمواقفها عن مواقف أحزاب اليسار.نعرف اليوم جميعا أين توجد قوى المحافظة. الأمر المؤكد هو أن حزب الاستقلال ليس منها. هل بإمكاننا القول أن الاتحاد الاشتراكي و حزب الاستقلال يشكلان كتلة وسطى؟ نعم، يمكننا اعتبار أن الأمر يتعلق بتحالف بين الوسط و اليسار.بين حزب يساري (الاتحاد الاشتراكي) و حزب من الوسط (حزب الاستقلال) من أجل توضيح المشهد السياسي، إذا اعتبرنا العدالة و التنمية يمينا و تحالفكم مع الاستقلال وسط-يسار، من نضع في اليسار؟حزب التقدم و الاشتراكية مثلا؟ و أين تضعون حزبا مثل الأصالة و المعاصرة؟ بداية، ينبغي قول الأشياء كما هي فيما يخص المشهد السياسي.فهناك اليوم حزب محافظ أصفه بالرجعي يقود تحالفا نجد فيه، من بين أمور أخرى، حزبا يساريا سابقا (التقدم و الاشتراكية) و التجمع الوطني للأحرار المعروف تاريخه جيدا. أظهرت التجارب عبر العالم بأن جميع الأحزاب غير الإسلامية التي تتحالف مع أحزاب إسلامية تنتهي بالاندحار. رأينا هذا في تركيا و رأيناه في إيران على سبيل المثال. تبدون و كأنكم تتوقعون انقراض هذه الأحزاب؟ أطرح على نفسي أسئلة ببساطة.ما ذا سيقترح التقدم و الاشتراكية على ناخبيه بعد سنتين من الآن أو ثلاث؟ إذا نجحت التجربة الحالية، فإن الناخبين سيكافئون العدالة و التنمية. بالنسبة للتجمع الوطني للأحرار، و لو أن وضعه أفضل قليلا من وضع التقدم و الاشتراكية لأننا يمكن القول أنه جاء كمنقذ و بالتالي فإنه يمكن أن يدافع عن حصيلته على هذا الأساس، خاصة و أن الحزب يستند كثيرا على الأعيان، و مع ذلك فإن الحزب سيتعرض للعقاب بسبب انضمامه لتحالف غير طبيعي. كيف يمكن للرأي العام أن ينسى كل الشتائم و كل الاتهامات المتبادلة بين التجمع الوطني للأحرا وبين العدالة و التنمية؟فالمغاربة ليسوا أغبياء و أعتقد أن صناديق الاقتراع ستعاقب هؤلاء في الاستحقاق القادم؟ و الاتحاد الاشتراكي في كل هذا؟ نحن في الاتحاد الاشتراكي بصدد بناء تحالف نعتبره متناسقا جدا مع حزب الاستقلال، الحزب الذي نتقاسم معه جزءا من تاريخنا و نضالنا من أجل الدفاع عن الأمة و الكفاح من أجل دمقرطة البلاد. ومع ذلك فإن حصيلة «التناوب» ليست في مصلحتكم و الناخبون عاقبوكم بقسوة في انتخابات 2011... قبل بضع سنوات، بالفعل ، كان الكثيرون يعتبرون حصيلة التناوب سلبية. لكنهم اليوم، ينظرون إلى هذه الحصيلة باحترام كبير و غدا سيقارنها الناخبون مع الحصيلة الجديدة. بالنسبة لنا، من المنطقي جدا أن يغادر حزب الاستقلال الحكومة و كنا دائما مقتنعين بأنه ينبغي أن ينضم للمعارضة. لكنكم موافقون على أن حزب الاستقلال قد انسحب من الحكومة لخلافاته مع العدالة و التنمية حول تسيير الحكومة أكثر من حرصه على توضيح المشهد السياسي أو الانسجام الايديولوجي... الاتحاد الاشتراكي لا يبحث بالضرورة عن حلفاء يشبهونه تماما في كل شيء.فعلى العكس كل حليف ينبغي أن تكون له تصوره و برامجه و الثراء يأتي من هذا التكامل. غادرت بعض فئات المناضلين الحزب، مثل رجال الأعمال و الأعيان... نعمل اليوم على أن يعود هؤلاء الرفاق إلى صفوفنا.نحن لا نستهدف الأعيان أو رجال الأعمال الذين يسعون لحماية مصالحهم بل هؤلاء الذين يجدون في حزبنا تجسيدا لقيمهم و مشروعهم المجتمعي، مواطنين يريدون المساهمة في تقدم بلادنا. بخصوص رجال الأعمال، و خلال الشهور القليلة التي دامها الربيع العربي مع كل المخاوف و الشكوك التي خلفها،نعرف أن كثيرا من الرساميل قد خرجت من البلاد. و اليوم فإن الاتحاد الاشتراكي يطالب الحكومة بأن تقوم بعمل كي تعود المليارات المغربية الموجودة بالخارج إلى البلاد. فالبلد بحاجة لهذه الرساميل و على الحكومة أن تكون حصيفة لتطمين هؤلاء المستثمرين. لا أريد التهويل لكني أؤكد لكم بأن الوضع في بلادنا مقلق جدا. ما الذي يجعلكم تقولون هذا؟ يكفي أن ترى القرار الأخير لرئيس الحكومة بتجميد سداد كل الصفقات و الطلبيات العمومية حتى 31 دسمبر، لتتصور حجم الهلع الذي يشعر به المستثمرون. تم الحديث هنا و هناك عن دورية لم يرها أي شخص لحد الآن. هل بإمكانكم تأكيد هذا القرار؟ نعم. فأطر مختلف الوزارات، و في الجماعات و الجهات يؤكدون لنا بأن رئيس الحكومة قد أصدر تعليماته فعلا بهذا الخصوص. و أنظروا إلى وضعية السيولة البنكية و القروض. من الواضح أن اقتصادناشبه متوقف. و المفارقة أنه إذا ما كان اقتصادنا لا زال قادرا على الوقوف فبفضل كل ما تمت مراكمته خلال الحكومات السابقة، بدءا من حكومة التناوب. ما رأيكم في المسطرة الجديدة للتعيين في المناصب العليا بالوظيفة العمومية؟ هذه التدابير ستعمل لسوء الحظ على تبديد الرصيد البشري في إداراتنا ألا تعتقدون بأنها مسطرة أفضل فيما يخص الشفافية و تكافؤ الفرص؟ ينبغي أن نعلم بأن هؤلاء الذين نفرض عليهم هذه المسطرة المعقدة يتعرضون يوميا للإغراءات من القطاع الخاص الذي يقترح عليهم شروطا مادية أفضل بكثير. و أخشى ما أخشاه هو أن يتم إفراغ هذه البلاد من كفاءاتها باسم شعارات خاوية . بخصوص صناديق الاقتراع ، ما هو تقديركم للإعلان الأخير حول تنظيم الانتخابات الجماعية في 2015 ؟ أولا، هذا يؤكد أسلوب عمل الحكومة الذي هو كل شيء باستثناء أنه تشاركي. ففي الدمقراطيات التي تحترم نفسها، حتى و إن كان رئيس الحكومة مخولا وحده بتحديد تواريخ الاقتراعات، فإن هذا يتم في إطار تشاوري. أما رئيس الحكومة عندنا و منذ أن تقلد مهامه، لا يتوقف عن إنهاكنا بخطاب مفاده أنه إذا ما جرت الانتخابات اليوم فإن العدالة و التنمية ستسحق الجميع، و لذلك فمن الأفضل أن يتريث. هل تؤكدون بأن الإعلان الذي قام به وزير الداخلية، محمد حصاد، تم بدون تشاور؟ نعم و المشكل ليس في الشخص المكلف بوزارة الداخلية. أعتبر أن رئيس الحكومة هو المسؤول الوحيد عن كل هذا. فنحن في دولة حق وبلد مؤسسات. والإعلان عن تاريخ الانتخابات يخضع لمسطرة رسمية وشكليات معينة. فمن غير الطبيعي أن تقوم الحكومة بكل هذا وتأتي لإعلان تاريخ للانتخابات دون احترام الشكليات. بمثل هذه الممارسات، أخشى أن تقول لنا الحكومة في سنة 2015 بأنها لن تنظم انتخابات وأنه من الأحسن ترك المنتخبين الجماعيين يتمون مدتهم الانتخابية. هل تعتقدون مثل هذا الأمر ممكنا؟ و لم لا؟ فبالأغلبية العددية الحالية، نرى تمرير نصوص و مقتضيات أكثر غرابة و أبعد عن الاحتمال. لكن الاتحاد الاشتراكي كانت له نفس الأغلبية العددية و ربما قام بنفس الشيء..؟ بالطبع لا. فقيمنا تمنعنا من القيام بمثل هذه الممارسات. و هذه القيم نفسها هي التي دفعتنا إلى الخروج للمعارضة بكل مسؤولية. و من جهة أخرى، كنا في قيادة الحكومة، و لم نحترم المساطر و القواعد المتعارف عليها فقط ، بل كافحنا من أجل تمتينها. لأن احترام القواعد و القوانين هو أفضل ضمان لاحترام المؤسسات . كيف هو حال الحزب و غليانه الداخلي... منذ إنشائه عاش الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هذا النوع من الغليان و النقاشات لكن الحزب ظل متماسكا لأننا ببساطة حزب حقيقي لا نتلقى التعليمات من أحد. هل تقولون بأن هناك أحزاب «غير حقيقية»؟ لا ينبغيتغطية وجوهنا.فذاكرة المناضلين القدامى مليئة و الألسن تتحدث. نعرف جميعا، من دفع في وقت أو في آخر، إلى إنشاء هذا الحزب أو ذاك. هذا ما عنيته بقولي أن الاتحاد الاشتراكي حزب «حقيقي». نعرفكم اليوم أكثر بصورتكم الحزبية أكثر من مهنتكم الأولى كمحام، يبدو و كأنكم أهملتموها... أبدا. فمنذ أن كنت شابا و أنا أحلم بأن أصير محاميا، و أصبحته و سأبقى محاميا دائما. لماذا مثل هذا الحلم؟ حين كنت مراهقا، في بداية الستينات، كنت أنا من يتكلف بقراءة الصحف لوالدي الذي لك يكن قارئا، و كنت أقرأ له بالخصوص جريدتي العلم و المحرر...و من بين المقالات التي كنت أقرأ له، كانت هناك مقالات تعالج المحاكمات الكبرى في ذلك الحين. و كنت أتساءل دائما كيف كان المحامون في مرافعاتهم يصدرون تصريحات خطيرة جدا دون أن تتعرض لهم السلطات. و قلت في نفسي أن هذه هي المهنة التي سأختارها حينما أكبر كي أقول كل ما أريد بحرية. هل تطابق واقع ممارستكم مع ما كنتم تحلمون به؟ نعم، خصوصا و أني اخترت الشعبة الجنائية. و هو ما سمح لي بالاشتغال على ملفات حساسة جدا. على سبيل النكتة، حصل قبل بضع سنوات أن دافعت عن أشخاص معتقلين ، أجدهم اليوم في مقاعد البرلمان كمنتخبين. بل إن أحدهم أصبح رئيسا... تتحدثون عمن؟ لا يمكنني أن أعطيكم الإسم لكني أتذكر أنه كان في السجن، و أني آزرته كمحام خلال الاستنطاق عند قاضي التحقيق. و بعد بضع سنوات كنت أتوجه له في البرلمان بقولي : سيدي الرئيس....