خلفت نتائج اقتراع يوم 8 شتنبر الماضي لاختيار ممثلي المغاربية في مجلس النواب ومجالس الجهات والجماعات، سقوطا مدويا لحزب العدالة والتنمية لم يجد له قياديو الحزب تفسيرا وحرك أقلام المحللين السياسيين بحثا عن جواب مقنع لما حدث في تلك الليلة فالسقوط من أعلى السلطة التنفيذية إلى حزب بدون فريق برلماني لم يكن يتوقعه حتى خصوم "إخوان العثماني". نقدم لقراء "الأيام2" سلسلة قراءات تحليلية في المشهد السياسي ما بعد 8 شتنبر، وفيما يلي قراءة محمد شقير.
أعتقد أن هناك ملاحظتين أساسيتين في الاستحقاقات الانتخابية التي جرت يوم 8 شتنبر الجاري: – المسألة الأولى ما يتعلق بنسبة المشاركة، وهي النسبة التي وصلت إلى 50.3 في المائة من المسجلين. هذه النسبة يجب أن نقف عندها كثيرا، فهي تدفعنا لطرح تساؤلات كثيرة، حول الأسباب التي جعلت نسبة المشاركة تصل لهذا المستوى، ويظهر لي أن هناك مجموعة من العوامل ساعدت في ذلك، أهمها أن منسوب الثقة عاد بشكل كبير لفئات عريضة من الهيئة الناخبة، نتيجة لمجموعة من الاعتبارات سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي. خارجيا، أعتقد أن الصورة التي ظهرت بها الدبلوماسية الخارجية، من خلال المواجهة مع مجموعة من الدول الإقليمية، إضافة إلى الطريقة التي أدارت بها الدولة الصراع مع إسبانيا، وجعلها ترضخ وتبحث عن أرضية للتفاهم، إضافة إلى الدخول في مواجهة مع ألمانيا، كل هذا أعاد منسوب الثقة بشكل كبير للناخبين. العامل الثاني المساهم في هذه النسبة هو مواجهة تداعيات الجائحة، حيث ظهر أن المواطنين شعروا أن لهم مؤسسات واجهت الوباء الذي هزم مجموعة من الدول التي كانت تعتبر نفسها رائدة ومتقدمة، فالمواطنين شعروا أن الدولة تخاف عليهم وتحميهم من تداعيات الجائحة، فرجع منسوب كبير من الثقة للمواطن، مما انعكس على المشاركة في الانتخابات. العامل الثالث أن هناك شريحة جديدة من الناخبين، حيث انضاف أزيد من مليوني شخص جديد إلى الكتلة الناخبة وغالبيتهم شباب، ويظهر أن عقلية هؤلاء الشباب مختلفة بشكل كبير عن عقلية الأجيال السابقة، فشباب اليوم له حس براغماتي ولا تهمه الخطابات الإديولوجية أكثر مما يهمه من الذي يمكن أن يحقق له انتظاراته. من جهة أخرى، هناك معطى مهم ميز هذه الانتخابات والذي يجب أن نقف عنده، وهو الفشل الذريع لحزب «العدالة والتنمية»، ففي تاريخ العمليات الانتخابية، ليس هناك أي حزب كان في الصدارة ثم نزل للحضيض، ونزل من المرتبة الأولى (125 مقعدا) إلى المرتبة الثامنة (13 مقعدا)، ويبدو أن هناك عوامل أخرى تفسر هذه النتيجة. أعتقد أن السبب راجع إلى السخط على توجه ظهر بشكل وتحول إلى شكل مغاير، هناك سخط مجتمعي على نوع من النفاق السياسي، مما أفرز لنا هذا التوجه العقابي أو بالأحرى التوجه الانتقامي ضد حزب «العدالة والتنمية» الذي كان يجسد نوعا من الطهرانية السياسية ورفع شعارات لمحاربة الفساد، لكنه انقلب على كل تلك الشعارات وأظهر وجها لم يكن يتصوره المواطن العادي، وهذا ما عكس ردة الفعل السياسية ضد هذا الحزب، الذي ترأس الحكومة لولايتين. يظهر كذلك أن خرجة ابن كيران الأخيرة كانت ضد الحزب، فقد ردد خطابا حاول المشهد السياسي أن يتناساه، وقال لغة ساقطة سياسيا، ووزع السباب على العديد من الفاعلين السياسيين والإعلاميين والمحللين، فكان من الأفضل للسيد عبد الإله ابن كيران أن يصمت، ويبدو أن خرجته كان لها تأثير سلبي على الحزب، وخدمت منافسيه بما فيهم حزب «التجمع الوطني للأحرار». خرجة عبد الإله ابن كيران كان فيها كذلك الكثير من «النفاق السياسي» الذي تحدثنا عنه، فكيف يعقل أنه كان يمدح فاعلا سياسيا (عزيز أخنوش) ويتحدث عنه بالأمور الإيجابية، وعندما بدأ أخنوش يطمح لرئاسة الحكومة أصبح يشكك في قدرته. النقطة التي أريد الحديث عنها كذلك هي الضربة القوية للأمين العام سعد الدين العثماني، فالملاحظ ليس تراجع الحزب فقط ولكن فشل الأمين العام في الانتخابات، وهذه مسألة رمزية، فسقوط الأمين العام يضرب الرمزية السياسية للحزب بأكمله، وأعتقد أن الأمر ليس موجها فقط للعثماني ولكن موجه كذلك لعبد الإله ابن كيران. في مقابل ذلك، كان من المتوقع أن تحتل الأحزاب الكبرى المراتب الأولى في هذه الانتخابات نظرا لعدة اعتبارات من أهمها تغطيتها لكل الدوائر الانتخابية، إضافة إلى الإمكانيات المالية والمادية التي تمتلكها هذه الأحزاب، حيث تمكن حزب «التجمع الوطني للأحرار» من القيام بعملية تواصلية مبكرة تحت شعار «100 يوم 100 مدينة»، أو حزب الاستقلال الذي يحتضن مرشحين كان في مقدورهم أن يعبئوا أسطولا من السيارات السياحية للترويج لصور مرشحيه، وكذلك فعل حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي لجأ إلى اكتراء سيارات كانت تجوب شوارع المدن بما فيها مدينة الدارالبيضاء للترويج لمرشحيه. هذه الأحزاب وعلى رأسها حزب «التجمع الوطني للأحرار» وظفت بذكاء الفضاء الأزرق ولجأت إلى شركات متخصصة لنشر فيديوهات ولقاءات وتجمعات مرشحيها مما رسخ صور هؤلاء المرشحين وشعارات ورموزها لدى هيأة منتخبة شابة مندمجة بشكل كبير في العالم الافتراضي. هذه الانتخابات تميزت كذلك بانفتاحها على كل الأطياف من خلال إلغاء العتبة وتطبيق القاسم الانتخابي مما سهل عملية تقارب في النتائج بين الأحزاب الكبرى، فبخلاف الانتخابات السابقة لم ينجح أي حزب في تجاوز 120 مقعد في حين سمح بولوج أحزاب صغيرة للمشهد البرلماني. ولعل هذا الوضع قد يساعد في تشكيل أغلبية مريحة لائتلاف حكومي قد يتكون من ثلاثة أو أربعة أحزاب يمكن أن يترأسها التجمع وينضم إليها حزب الأصالة والاستقلال بالإضافة إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.