فِي مقهًى صغيرٍ بالعاصمَة تونس، كانَ الموعدُ معَ عرابة "فيمن" التونسيَّة أمينَة، رفقةَ صديقتين لها كانتَا تخوضانِ معهَا فِي أمور السياسة والحركة النسائية وهن صديقاتٌ منذ عدة سنوات، بحيث دأبن على الذهابُ جماعة إلى حفلات الروك. أمينَة التي لا تنتمي شأن صديقتيها إلَى أيِّ حزبٍ سياسيٍّ، يحدوهنَّ أملٌ فِي إسقاطِ النظَام، قائلة إنَّ المشكل لا يكمنُ فِي النهضة لوحدها، أو فِي زعيمها راشد الغنُّوشِي، وإنمَا فِي النظامِ بأكمله. ذاعَ صيتُ أمينة، بعدمَا نشرتْ صورةً تبينُ فيها عن ثدييها عاريين على الفيسبوك. وتمَّ إيقافها في التاسع عشر من مايْ 2013، على خلفية كتابة اسم "فيمن" على سور مقبرة. مما أشعل شرارة عدة حركات نسائيَّة انبرت إلى الدفاع عنها. في التاسع والعشرِين من ماي الماضي، تم اعتقال ثلاث أجنبيات ينتمين إلى حركة فيمن أمام قصر العدالة بالعاصمة توسن، عقبَ خروجهن عارياتٍ ينددنَ باستمرار حبس "أمينة"، ليحكمَ عليهن بأربع أشهر من السجن مع وقف التنفيذ ومغادرة تونس. لكن أمينة، أبت إلا إن تفجر مفاجأة، بعد عشرين يومًا من مغادرتها السجن، بإعلانها مغادرة حركة "فيمن"، التِي قالت إنها معاديَة للإسلام، ومشكوك فِي أمرها من حيث التمويل الذِي تتلقاه. دونَ أنْ يعنِي ذلكَ حسب ما ذهبت إليه في حوار مع "هوفينغتون بوست"، التخليَّ عن قضية تؤمن بها. بحيث أنها نشرتْ فِي الخامس عشر من غشت الحالِي، صورةً لها عاريَة النهدين على مواقع التواصل الاجتماعِي. ما خلفيات قرارك الخروج من حركة "فيمن"؟ خروجِي من "فيمنْ" كانَ مردهُ إلى عدمِ علمِي بمصادر تمويلها. التِي استفسرتُ عنها زعيمة الحركة، الأوكرانيَّة، إينَّا شيفشينكُو، غير ما مرة، لكن دون جدوى. لذلك، لمْ يكنْ من الممكن أن أستمرَّ فِي حركةٍ تتلقَى أموالاً مشبوهَة. فماذَا لوْ كانت إسرائيل هيَ التِي تمولُ؟ أنَا أريد أن أعرف. كما أننِي لا أريدُ أن يكونَ اسمِي مقترنًا بمنظمَة أو حركة معاديَة للإسلام. إذْ لمْ ترق لِي تلك الحركة التِي أقدمتْ عليها فتياتٌ صحنَ "أمينة أكبر، فيمن أكبر" أمام سفارة تونس في فرنسَا. أو حين أحرقن علم التوحيد أمامَ مسجدٍ في بارِيس. إذْ أثرَ ذلكَ فِي عددٍ كبير من المسلمين كمَا فِي أقاربِي. أعتقدُ أنَّ من الضرورة بمكان احترامُ كل فردٍ منَّا دينَ الآخر. لكن تلك التحركات كانت ترومُ دعمكِ فِي الوقتِ الذِي كنتِ فيه خلفض القضبان. ألم تصلك الأصداء؟ أنَا أشكرُهُنَّ على دعمهنَّ لِي. سيمَا جوزيفِين وماركريت وبولين، اللائِي قادهنَّ التضامنُ معِي إلى دخول السجن في تونس. لقد كانت هناك تحركات جيدة، لكن لا الحركات جميعها. إذْ كان عليهن ان يتحدثن إلى محاميَّ قبل الإقدام على بعض التحركات التِي زادتْ الطينَ بلَّة لحالتِي. هل أخبرتِ فيمن بخروجك من الحركة؟ كلَّا، قد لا يروقُ لهن القرار، لكن الأمور تسير هكذَا. اتخذتِ قرارَ الخروج من "فيمن" لكنك نشرتِ صورة لك عارية الثديين قبل أربعة ايام، كيف ذلك؟ بالفعل، لقدْ نشرتُ صورةً لِي عاريَة الثدييِن مع حرفة A، الذِي يمثلُ رمزًا للتمرد..لكن الأمر مختلف. هل تنتمِين اليوم إلى حركة "فيمن أتاك" التِي ثارت على "فيمن"؟ حتَّى اللحظَة، أنَا غير منتمية "فيمن أتاك"، ولا أزال أفكر في الأمر. لكنكم تعلمون أنَّ المشكلة بالنسبة إليَّ في تونس ليس في النهضة أو في راشد الغنوشِي بشخصه. وإنمَا في النظام. ففِي حال حكمَ حزبٌ من الأحزاب الموجودة اليوم فِي المعارضة، تونس ستكون على الحال نفسه. مشكلتِي ليست فِي القدرة على ارتداء تنورة قصيرة هنا في تونس، لأننِي أعرف أنني قادرة على فعل ذلك دائما. لكن المسألة الأكبر هيَ أنْ تكون المرأة غدًا على أن تصبحَ رئيسةً للجمهوريَّة. وأن لا تكون نساء البادية أولات حصة الأسد من المعاناةِ. كيف تعرفين الفوضَى التِي تناضلِين لأجلها حاليًّا؟ الفوضَى لا تعني البلبلَة والاضطراب، كما يعتقد البعض. فلا تحيلُ إلى تكسير كل شيء، بقدر ما تتلخصُ في تكسير النظام. فإذَا قتل شرطِيٌّ شخصًا على سبيل المثال، لن يكونَ التحرك بإهداء ذاك الشرطِي كتابا. اللجوءُ إلَى العنفِ ضروريٌّ فِي بعض الأحيان. هلْ من تحركات تمَّ إعدادُها لحركة "فيمن أتاك"؟ لدينا بعض الأفكار، لكننا لا نزالُ في تفكير مستمر. وإذَا ما تمَّ الاهتداءُ إلى أفكار معينة سنُفصحُ عن ذلكَ. دعينَا نعودُ إلى الشهرينِ اللذين قضيتهما في السجن، كيف عاشتْ أمينة تجربة الحبس؟ كنتُ أعتقدُ أننِي سأقضِي بالسجن سبعة اشهر. لقد حاولتُ ان أخلقَ في السجن عالميَ الخاص. لقدْ سبقَ لِي أن عشتُ فِي قسمٍ داخلي، وبالتالِي فإنني لم ألمس فرقًا كبيراً. وكلُّ َضا ساءنِي أننِي لمْ أكنْ قادرةً على القراءة. ففي اليومِ الثانِي بعد اعتقالِي طلبتُ لائحةً من أربعة كتب، غادرت السجن ولم أتوصل بأيٍّ منهَا.