لما لانتخابات مندوبي الأجراء التي جرت في شهر يونيو 2021 من أهمية كبيرة لعلاقتها بالمجالات المهنية والاجتماعية والاقتصادية، أكتب هذا المقال بهدف المساهمة في النقاش حول ما عرفته هذه الانتخابات من اختلالات، وما يمكن القيام به من خطوات عملية لتقوية دور مندوبي الأجراء داخل المقاولات لما للنقاش من دور كبير في التقويم والإصلاح وتقوية العلاقات المهنية، وأبرز هذه الاختلالات تتمثل في : – عدم احترام التواريخ والإجراءات وفق ما جاء في القرار رقم 955.21 الصادر عن وزارة الشغل والإدماج المهني بتاريخ 6 أبريل 2021 وما نتج عن ذلك من انعكاسات سلبية. – الطريقة التي تمت بها الانتخابات في المؤسسات التي تقل عن عشرة أجراء، ورغم تقنينها هذه المرة فقد عرفت نسبة الخروقات ارتفاعا أكثر مما كان يحدث في المراحل السابقة. وكان من الممكن أن لا تحدث هذه الاختلالات لو تم احترام التواريخ والإجراءات وفق ما جاء في القرار السالف الذكر، كما كان لزاما اتخاذ التدابير والإجراءات التي تجعل هذه الاختلالات لا تقع لكونها كانت معروفة خلال جميع الانتخابات السابقة، في حين مع الأسف لاحظنا أنها ازدادت عما كانت عليه، ومن هنا يتضح أن وزارة الشغل والإدماج المهني لم تقم بما كان عليها أن تقوم به بكامل الجدية والمسؤولية خاصة لما لهذه الانتخابات من تأثير على العلاقات المهنية والاجتماعية والاقتصادية. بالرجوع للأرقام التي أفرزتها هذه الانتخابات يتضح استمرار ارتفاع عدد المندوبين غير المنتمين للنقابات في القطاع الخاص، مثلما كان عليه الأمر خلال جميع الانتخابات السابقة، وقد تضمنت النتائج الأرقام التالية : – عدد المندوبين الأصليين غير المنقبين 22213 بنسبة %57,30. – عدد المندوبين الأصليين المنقبين 16550 بنسبة %42,7. في حين أسفرت نتائج ممثلي الموظفين بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية التي جرت في الشهر نفسه عن النتائج التالية: – عدد ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية المنقبين 6460 بنسبة %74,87. – عدد ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء بالإدارات العمومية والجماعات الترابية والمؤسسات العمومية غير المنقبين هو 2168 بنسبة %25,13. والهدف من القيام بهذه المقارنة بين القطاع العام والقطاع الخاص توضيح أن تراجع عدد المنقبين في القطاع الخاص لا يعود إلى العزوف أو إلى التوقف من العمل النقابي، إذ لو كانت هذه الأسباب هي التي تقف وزراء هذا التراجع لكان ذلك في القطاع العام وليس في القطاع الخاص، وهو ما يوضح أن هذا التراجع يعود إلى الأسباب التالية : – التضييق على الحريات النقابية رغم أن العمل النقابي يضع من أهم أولوياته دعم المقاولة وتقوية الاقتصاد الوطني. – عدم تطبيق مقتضيات مدونة الشغل وما ينتج عن ذلك من نتائج سلبية على حقوق العمال. – عدم تعميم التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وعدم سلامة جل التصريحات من العيوب، والذي أخذ طابعا هيكليا دائما رغم بعض التغييرات البسيطة التي تتم من فترة إلى أخرى. – اتساع القطاع غير المهيكل بشكل مهول وما لذلك من ضرر على حقوق العمال وعلى الاقتصاد الوطني. ويتضح ذلك من خلال كثرة النزاعات التي تحدث عند التحاق العمال بالنقابة وهو ما يتطلب من الجهات المسؤولة القيام بما يجب عليها أن تقوم به من أجل احترام الحق النقابي وتطبيق القانون حماية لحقوق العمال والمقاولات التي تطبق القانون، ودون ذلك سيظل الوضع على ما هو عليه. وتعد محطة الانتخابات مرحلة أولى فقط في مسلسل يمتد على عدة مراحل، وفي هذا الإطار يتعين وضع برنامج يتضمن تفعيل ما جاءت به مدونة الشغل حول الصلاحيات المخولة لمندوبي الأجراء قصد القيام بمهامهم، ومنها : 1- حث المشغلين على توفير شروط العمل لممثلي الأجراء قصد القيام بمهامهم وفق ما جاءت به المواد من 455 إلى 461. 2- الحرص على احترام مسطرة الاستماع عند ارتكاب خطأ من طرف الأجير وفق ما تنص عليه المادة 62. 3- هيكلة لجنة المقاولة : تقوم لجنة المقاولة بدور أساسي في تطوير وتقوية المقاولة لمواجهة تحديات المنافسة، غير أنه لا تتم هيكلة هذه اللجان في جل المؤسسات وحتى عندما يتم ذلك، لا تشتغل وفق ما هو محدد في المواد التالية : حيث نصت المادة 464 على : (تحدث في كل مقاولة تشغل اعتياديا خمسين أجيرا على الأقل لجنة استشارية تسمى "لجنة المقاولة). كما نصت المادة 465 على : (تتكون لجنة المقاولة من : – المشغل أو من ينوب عنه؛ – مندوبين اثنين للأجراء يتم انتخابهما من قبل المندوبين المنتخبين؛ – ممثل أو ممثلين نقابيين اثنين بالمقاولة عند وجودهما). كما نصت المادة 466 على : (في إطار المهام الاستشارية للجنة المقاولة يعهد إليها بالمسائل التالية: – التغييرات الهيكلية والتكنولوجية للمقاولة؛ – الحصيلة الاجتماعية للمقاولة عند إقرارها؛ – الاستراتيجية الإنتاجية للمقاولة ووسائل رفع المردودية؛ – وضع مشاريع اجتماعية لفائدة الأجراء والسهر على تنفيذها؛ – برنامج التدرج والتدريب من أجل الإدماج المهني ومحو الأمية والتكوين المستمر للأجراء. يتم تزويد أعضاء لجنة المقاولة بكل البيانات والوثائق الضرورية لتمكينهم من القيام بالمهام الموكولة إليهم). 4- تعيين الممثل النقابي داخل المقاولة : يقوم الممثل النقابي بدور كبير في التنسيق بين مناديب العمال والمكاتب النقابية وتوفير الشروط للتعاون بين الجميع لما فيه مصلحة المقاولة، غير أنه لا يتم احترام هذه المسطرة ولا يتم تعيين الممثلين النقابيين في جل المقاولات. حيث نصت المادة 470 على : (يحق للنقابة الأكثر تمثيلا والتي حصلت على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المهنية الأخيرة داخل المقاولة أو المؤسسة أن تعين، من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة، ممثلا أو ممثلين نقابيين لها، حسب الجدول المبين أدناه. من 100 إلى 250 أجيرا ممثلا نقابيا واحدا؛ من 251 إلى 500 2 ممثلين نقابيين اثنين؛ من 501 إلى 2000 3 ممثلين نقابيين؛ من 2001 إلى 3500 4 ممثلين نقابيين؛ من 3501 إلى 6000 5 ممثلين نقابيين؛ من 6001 فما فوق 6 ممثلين نقابيين). 5- هيكلة لجان السلامة وحفظ الصحة : رغم الدور الكبير الذي تقوم به لجنة السلامة وحفظ الصحة، وقد اتضح ذلك أكثر مع اجتياح فيروس كورونا غير أنه مع الأسف جل المقاولات لا تقوم بهيكلة هذه اللجان، وحتى عند هيكلتها لا تشتغل وفق ما تنص عليه مقتضيات مدونة الشغل. حيث نصت المادة 336 على : (يجب إحداث لجان السلامة وحفظ الصحة لدى المقاولات الصناعية والتجارية ومقاولات الصناعة التقليدية والاستغلالات الفلاحية والغابوية وتوابعها، والتي يشتغل فيها خمسون أجيرا على الأقل). كما نصت المادة 337 على : (تتكون لجنة السلامة وحفظ الصحة من : – المشغل أو من ينوب عنه، رئيسا؛ – رئيس مصلحة السلامة، وعند عدم وجوده، مهندس أو إطار تقني يعمل بالمقاولة، يعينه المشغل؛ – طبيب الشغل بالمقاولة؛ – مندوبين اثنين للأجراء يتم انتخابهما من قبل المندوبين المنتخبين؛ – ممثل أو ممثلين نقابيين اثنين بالمقاولة عند وجودهما. يمكن للجنة، أن تدعو للمشاركة في أشغالها كل شخص ينتمي إلى المقاولة يتوفر على الكفاءة والخبرة في مجال الصحة والسلامة المهنية، خاصة رئيس مصلحة المستخدمين أو مدير إدارة الإنتاج بالمقاولة). كما نصت المادة 338 على : (يعهد إلى لجنة السلامة وحفظ الصحة، القيام خاصة بما يلي: – استقصاء المخاطر المهنية التي تتهدد أجراء المقاولة؛ – العمل على تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية في مجال السلامة وحفظ الصحة؛ – السهر على حسن صيانة استعمال الأجهزة المعدة لوقاية الأجراء من المخاطر المهنية؛ – السهر على الحفاظ على البيئة داخل المقاولة ومحيطها؛ – الإيعاز باتخاذ كل المبادرات التي تهم على الخصوص مناهج الشغل، وطرقه، وانتقاء المعدات، واختيار الأدوات، والآلات الضرورية والملائمة للشغل؛ – تقديم الاقتراحات بشأن إعادة تأهيل المعاقين من أجراء المقاولة؛ – إبداء الرأي حول سير المصلحة الطبية للشغل؛ – تنمية الإحساس بضرورة اتقاء المخاطر المهنية، وروح الحفاظ على السلامة داخل المقاولة). 6- إصدار مذكرة في الموضوع : إن من شأن توسيع النقاش بين مندوبي الأجراء داخل المقاولات ووسط الفاعلين الاجتماعيين أن يساعد على تسريع هيكلة هذه اللجان والآليات والتي يجب أن تنتهي خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أشهر على أبعد تقدير، بدءا من تاريخ إجراء الانتخابات، وهي مسؤولية تقع على عاتق الجميع كل من موقعه حسب ما هو محدد في مقتضيات مدونة الشغل، ويمكن لوزارة الشغل والإدماج المهني أن تقوم بإصدار مذكرة في الموضوع تتضمن القضايا التي أشرنا إليها على غرار ما قامت به عند إجراء الانتخابات، على أن يتم تعميمها على المركزيات النقابية والاتحاد العام لمقاولات المغرب وأرباب المقاولات، كما يمكنها تنظيم ندوات ثلاثية جهوية لاستكمال الأهداف التي تم من أجلها تنظيم هذه الانتخابات.