في سبيل مقاربة جديدة للشعر الملحون، يقدم كتاب جماعي صدر حديثا، دراسة أكاديمية له، تجمع أسماء بحثية مغربية من تخصصات متعددة. وعنون هذا الكتاب الجماعي الجديد ب"الفن المكمول.. نحو مقاربة جديدة للشعر الملحون"، وصدر عن منشورات النادي الجراري في أزيد من 450 صفحة. وهو من بين الإصدارات التي تخلد الذكرى التسعين لتأسيس هذا النادي الثقافي الأعرق في المغرب. أشرف على إعداد وتنسيق هذا العمل الجديد كل من الباحثين: محمد احميدة، ومصطفى الجوهري، ومحمد اليملاحي، ومنير البصكري. استلهم هذا الكتاب عنوانه من قصيدة لشيخ الملحون الراحل في سنة 2020 الحاج أحمد سهوم، معنونة ب"الألفبائية"، قال فيها: "أنا فنّ ملحون امْغرْبي فايَق الفْنونْ اذْ جَمْع الدُّوّال .. وعن اجْناسْ القَوْلْ أنا تَنْصولْ ونْجولْ" إلى أن قال: "أنا اللّي ارسَمْتْ الطّبيعَة بالألفاظْ في اقْصايَدْ ليها بالْ .. كِي اوصَفْتْ اطْباعْ اهْل وَصْفْ مَعقولْ / مَلحونْنّا اتْحَدّث عن نفسه كَالْ في اكْلامُه بَلْسانْ اَلْحالْ .. يا من اصْغاوا أنا اَلْمَلحونْ فَن مَكْمولْ". يتضمن هذا العمل أبحاث كل من محمد المدلاوي المنبهي، منير البصكري، عبد الوهاب الفيلالي، عبد الإله جنان، إبراهيم المزدلي، محمد اليملاحي، خلود بناصر، عبد الرحيم بلكاني، أبو بكر العزاوي، خالد السقاط، أحمد زنيبر، وهيب زنفوخ، مريم الشلح، ومحمد الزين. من هذه البحوث ما يقدم قراءة تركيبية للشعر الملحون، وانتقاله من خطاب التأسيس إلى تأسيس الخطاب، ومنها ما يقرأ مقدمات دواوين موسوعة الملحون التي أشرف عليها الأكاديمي عباس الجراري، ومن بينها ما يتتبع ملامح الشعر القديم فيه، وأوزانه، واستعاراته من الحب والنور وعوالم التصوف، وطرائق تشكيله، وعلاقة الفصحى والعامية فيه، والأصيل المغربي والوافد الأندلسي، وجماليات سرده، وحضور القيم الإنسانية فيه. وفي تقديمه لهذا الكتاب الجماعي، كتب الأستاذ الجامعي منير البصكري أن المشاركين فيه يمثلون جيلين من المهتمين بالأدب المغربي في شقه الشعبي، وينتمون إلى حقول مختلفة ومتعددة، بدراسة شعرية الملحون من أجل فتح آفاق جديدة تسهم في إضافة حقيقية إلى مكتبة الدراسات الشعبية عامة، ومكتبة الملحون خاصة. وأعرب الكاتب عن أمله أن تفتح هذه الإسهامات "آفاقا جديدة، تنظر إلى شعر الملحون بروح أكاديمية، تتوسل بمناهج حديثة، تُسعف في تقديم قراءات قد تكون أعمق وأغنى". وزاد متحدثا عن بحث هذا المؤلف الجماعي في "الملحون" أنه "شكل إرثا حضاريا مغربيا مهما، يعكس هوية وثقافة المغاربة كافة، نبع من صميم المجتمع المغربي من خلال إبداعات الحرفيين الذين استطاعوا إغناء الرصيد الثقافي الوطني بشكل يدعونا اليوم إلى رد الاعتبار لهم عبر تثمين هذا التراث وإعطائه المكانة التي يستحقها". وتابع المقدم للكتاب بأن "الملحون ظل ديوان المغاربة، ارتبط حميميا بالإنسان البسيط ولهجته القريبة من الفصحى ليكون خير تعبير عما يخالج هذا الإنسان في أعماقه"، وهو "بطبيعته الإبداعية، تعبير حي عن واقع القدرات الإبداعية للمجتمع، كما أنه إبداع يعتمد في أسسه على موروثات ثقافية وحضارية عاشها الشعراء في تواصلهم مع الجماعة التي ينتمون إليها، وهو أيضا تعبير عن ثقافة المجتمع بمعطياته الفنية والحضارية والثقافية. وهذا التواصل يتم أساسا من خلال عملية الإبداع". ووقف تقديم الكتاب عند عمل الأكاديمي عباس الجراري، رئيس لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، واعتبر هذا المنشور الجديد "تتويجا علميا لجهوده الحثيثة، وللاهتمام المتنامي بفن الملحون"، علما أن اهتمام الجراري بالملحون ينطلق من منبع "الحرص على ترسيخ الذات ورفض التبعية الفكرية ومجابهة الغزو الثقافي الذي أصبح يتهددنا من حين لآخر". وذكر التقديم أن البحث في شعرية الملحون "مدخل مهم لإدراك ما لهذا التراث الشعري من قيمة أدبية وفنية، وهو بحث يستمد أهميته، أولا، من كونه يتناول موضوعا أدبيا في ظاهره، فكريا ثقافيا تاريخيا حضاريا في جوهره، ومن انضوائه، ثانيا، تحت حقوله الشعرية، على اعتبارها موضوعا يعنى بصياغة قوانين الإبداع، أي أنها تبحث جوهر الإبداع في ذات الإبداع". ويسعى هذا المؤلف الجماعي إلى "تقديم مشهد متكامل لشعرية الملحون كما استوت في أعمال شعراء هذا التراث الأصيل، مراعيا في ذلك عنصر التنوع، وذلك في سياق مقاربة جديدة لقصيدة الملحون وما لها من خصائص، بدءا من الوقوف عند موضوع الشعر الملحون في المغرب، من خلال تقديم دراسة تركيبية تكشف عن المنجز العلمي في مجال الملحون وحدود إسهامه في تقوية ودعم الثقافة المغربية عموما".