اسمها عالجية ويناديها أهل توريرت موسى، القصية ب15 كيلومترا عن مركز تيزي وزو، المنطقة الأمازيغية التابعة ل "قبايل" الجزائر ب"نَانَّا عالجية" (يسارا في الصورة).. ورغما عن وصولها لسن ال83 لازالت السيدة محافظة على العزيمة القوية والرغبة الأكيدة في كشف حقيقة مقتل فلذة كبدها الذي ليس إلا المناضل الأمازيغي والمغني الشهير معتوب لوناس. وفي الوقت الذي فارق الرمز لُونَاس الحياة في عملية اغتيال نفذت عام 1998 على أيدي من تقول الروايات الرسمية إنهم عناصر من الحركة الإسلامية المسلحة بالجزائر، ما زالت "نانا عالجية" تنتظر الحقيقة الكاملة عمّا طال ابنها الوحيد، رافضة رواية الدولة، ومطالبة بالكشف عن الواقفين وراء اغتيال معتوب. عالجية هي أم أيضا لمليكة معتوب (يمينا في الصورة)، الشاعرة ومؤدية الأغاني الأمازيغية العريقة والتي تعشق ترديدها ضمن كافة وقفات الاحتجاج التي وقفت بها الأسرة منذ اغتيال لُوناس، وسبق للفقيد أن قال في كتابه "المتمرّد" إن والدته تملك صوتا أجمل منه. قوّة العلاقة التي جمعت عَألجية بابنها لُونَاس جعلتها تنذر حياتها من أجل النضال لكشف حقيقة مقتله، حيث أصرت بعد وفاته على دفنه وركن سيارته التي قتل بداخلها أمام بيت العائلة، وتجلس يوميا، على امتداد ساعات طوال، لإستقبال زائريها والباحثين عن بصمات لوناس معتوب في ما عاشه، وكذا نضاله من أجل مطلبَي الديموقراطية وحقوق إمازيغن. عندما اغتيل لوناس ذهبت "نانا عالجية" لرؤية جثته، وحاول المحتشدون منعها من ذلك، إلاّ أنها قامت بإبعادهم من أجل نيل نظرة عميقة في وجه ابنها قبل مسح وجهه وإطلاق الزغاريد القويّة تجاه السماء.. ""انتهى زمن السجن وأنت الآن حرّ" قالت حينها الأمّ لابنها قبل حمل بندقية وتطلق رصاصاتها نحو زغاريدها السابقة وهي تورد: "مات لوناس معتوب ووُلد الآلاف منه"، عَالجية ترفض البكاء على فقيدها، لحد اليوم، و تصر دائما على القول: "لا تبكوا، إنه لا يحب ذلك.. قوموا وناضلوا، احملوا المشعل". في توريرت موسى يحترمها الكل لعقلانية قرارتها، كما يخشون إغضابها، أمّا "نانا عالجية" فتسمع الجميع و تنصح كل سائل، ولا تقبل أن يؤذى محتج أو يطاله اعتقال، وفي حالة وقوع ذلك تنتقل بخطواتها المتثاقلة نحو مقر الشرطة وتعتصم امامه حتى إطلاق سراح من عبّر عن غضبه بسلميّة، أمّا كرهها فهو لجهاز الدرك الوطني الجزائري لأنها تعتبره قاتل ابنها لوناس . عالجية معتوب، كما تسمى عند العموم نسبة لكنية زوجها، تقول: "عند وفاة ابني، واتخاذي لقراري بدفنه أمام البيت، قال القيادي الإسلامي الجزائري محفوظ نحناح: أشكر ساكنة منطقة توريرت موسى لأنهم دفنوا معتوب لوناس وحيدا لأنه ملحد.. فرد عليه إمام المنطقة: نحن لا ندفن ميتا وحيدا إلا إذا كان وليّا صالحا". نانا عالجية ترفض تماما الحديث عن شيء اسمه "حدود" بين المغرب و الجزائر، وتقول في هذا الصدد لهسبريس: "لا حدود بين إيمازيغن، فتلك حدود حكومات، أما قلوبنا فلا يستطيعون لجمها أو تفرقتها بأسلاك أو متاريس".. وتسألها مليكة، ابنها الوحيدة الحاضرة معها هذه الأيام إلى مدينة طنجة، مازحة: "أمي، هل تستطيعين العودة من جديد إلى المغرب؟"، لتردّ عَالجية بدون تفكير: "طبعا، هذا أكيد".