إعداد محمد بوداري أصدرت محكمة الجنايات في تيزي وزو (110 شرق الجزائر) أمس الاثنين حكما بالسجن لمدة 12 عاما على المتهمين في قضية اغتيال المطرب الامازيغي لوناس معطوب سنة 1998.
ويوجد المتهمان الرئيسيان، ماليك مجنون وشنوي محي الدين، في الحبس المؤقت منذ 12 سنة بتهمة المشاركة والتآمر على قتل لوناس معطوب.
واغتيل "لوناس معطوب" في 25 يونيو 1998 في المكان المسمى "ثالات بونان" عند حاجز على طريق جبلي، على الطريق المؤدية إلى قرية "تاوريرت ن موسى"، وعلى بعد خمسة كيلومترات من تيزي وزو، وكان عمره آنذاك 42 سنة، وشارك في عملية القتل عشرة أشخاص فر منهم ثمانية، ولكن قوات الأمن تمكنت من قتلهم.
وبعد سنة من الحادثة تبنت الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي أصبحت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، العملية في ماي 1999.
ويعتبر معتوب لوناس من المغنين الامازيغ الملتزمين بالقضية الامازيغية والمتشبث بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ورغم الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر على إثر إلغاء نتائج الانتخابات التشريعية في بداية التسعينيات، فإن لوناس معتوب ظل في الجزائر وفي منطقة القبايل بالرغم من التهديدات التي كان يتلقاها وبالرغم من عملية الاختطاف التي تعرض لها والتي توجت بإطلاق سراحه على إثر الضغوط والتضامن القوي الذي حضي به من طرف سكان القبائل وكافة الامازيغ في العالم.
ويلف حادث اغتيال المغني معطوب لونيس، غموضا كبيرا بسبب تضارب الروايات حوله، وتتهم عائلته بعض الدوائر الرسمية في الجزائر بالتواطؤ في هذا الاغتيال.
ويعتبر معتوب لوناس، من أشهر المغنين والموسيقيين في الجزائر بسبب لونه الغنائي وصوته المميز وأيضا بسبب مواقفه السياسية المعارضة للدولة وللإسلاميين وسياسة التعريب، وقد ساند "القضية" الأمازيغية الجزائرية وفكرة اللامركزية والعلمانية.
تعلم معتوب لوناس الغناء بشكل ذاتي وهاجر لفترة إلى فرنسا ثم عاد إلى الجزائر. وأصدر العديد من الألبومات الغنائية الأمازيغية الناجحة آخرها ألبوم بعنوان "رسالة إلى..." والذي صدر بعيد اغتياله.
معتوب لوناس كان يجهر بأفكاره حول العلمانية والحرية والديموقراطية والأمازيغية، مما أدى إلى ازدياد سخط النظام الجزائري عليه فتم اغتياله من طرف مسلحين ملثمين حينما كان خارج مدينته وهو يقود السيارة.
وتسبب اغتياله في قيام مظاهرات احتجاج كبرى في المناطق الأمازيغية الجزائرية أدت إلى مواجهات بين قوات الأمن وعشرات الآلاف من الأمازيغ الغاضبين الذين اتهموا الحكومة الجزائرية بقتل مغنيهم المحبوب.
وتم تنظيم جنازة مهيبة له حضرها عشرات الآلاف من الجزائريين. وتصدر خبر اغتيال معتوب لوناس الأخبار في وسائل الإعلام المستقلة في الجزائر والمغرب ومعظم وسائل الإعلام الفرنسية.
كتب معتوب لوناس سيرة ذاتية بعنوان "المتمرد" "Le Rebelle" مفصلة عن حياته استعرض فيها عالم طفولته وقريته وظروف الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي والفترة التي تلت استقلال الجزائر والتي تميزت بما يسميه انقلاب العناصر العروبية ضد الأمازيغ الذين أشعلوا الثورة الجزائرية وساهموا بأكبر الجهد والجهاد ضد الفرنسيين.
واستعرض لوناس القمع الذي تعرضت له الهوية الجزائرية من طرف النظام الحاكم، ويروي معتوب لوناس أيضا فترة خدمته بالجيش الجزائري بالتفصيل ويبين صورا من الحرب بين النظامين المغربي والجزائري. وأدلى معتوب في سيرته بما رآه من طرد الجيش الجزائري لآلاف المهاجرين المغاربة القدماء وسلب أموالهم وشحنهم على شاحنات عسكرية قبل إفراغهم على الحدود المغربية.
كما يبين معتوب لوناس آراءه في القضية الأمازيغية وأسباب إخفاق الأمازيغ في الحصول على حقوقهم. ويعطي صورة حية عن المجتمع الجزائري تحت الاستبداد.
كتب معتوب لوناس سيرته بالفرنسية وترجمها إلى العربية عبد الله زارو تحت عنوان "المتمرد".كما أن الحبيب فؤاد "أيشو" ترجمها إلى اللغة الامازيغية.
تسلم معتوب في دجنبر 1994، جائزة أسعدته كثيرا، إنها جائزة الذاكرة التي تسلم لشخصية طبعت بالالتزام والكفاح، يقف معتوب عند أشعار "جان عميروش" متأثرا حين يقول: قد نجوع الأجساد قد نهزم الإرادات وندك الكرامة بمنجل الاحتقار لكن لن نستطيع تجفيف الينابيع الأعمق حيث الروح اليتيم وعبر عروق صغيرة لا ترى يرضع من حليب الحرية. كان الموت، الشعور الحاضر والغائب في نفس الوقت ومعرفته أكيدة أنه تحت نيران حكم موقوف التنفيذ، عادت إلى ذاكرته لحظات الماضي بآمالها وآلامها.
يقول معتوب في ختام سيرته الذاتية "المتمرد": «أريد أن أعيش وأغني بكامل الحرية، الجزائر الإسلامية لن يكون لها وجود إذا اقتضى الحال أن أهب حياتي في هذا الكفاح فلن أتردد في ذلك، عجزوا عن كسر شوكتي طيلة 15 يوما من الاعتقال والآن سأؤكد لهم، بل وسنؤكد لهم أننا أقوى منهم، لا أحد بمقدوره الوقوف في وجهنا، معركتنا عادلة ونبيلة، أقسم بذلك».
نفذ إذن الحكم الذي كان موقوف التنفيذ في السابق من طرف الأيادي القذرة، أيادي التطرف والعنصرية، ذهب ضحية للعنف الأعمى الذي أنتجه النظام القمعي، رحل وذكرياته بقيت راسخة في أذهان المحبين للحرية، ناضل من أجل قضية عادلة وعليها استشهد، وكانت رصاصات التطرف والغدر في 25 يونيو 1998 قد وضعت نهاية لهذا الرمز التحرري الكبير الذي تمرد على كل شيء، لتنطفئ إحدى شرارات النضال في أرض ثمازغا لتعلن اشتعال شرارات أقوى لمواصلة النضال حتى تحقيق كافة المطالب التي تنادي بها الحركة الثقافية الأمازيغية، وكانت سيرته الذاتية "المتمرد" وثيقة تاريخية حية شاهدة على حياة المناضل الكبير معتوب لوناس بكل آلامها وآمالها.