يوم الخامس و العشرين من شهر يونيو،يوم يعني الكثير...هكذا أريد أن أبدأ : ....كان يوم 25 يونيو 1998 نهاية مؤلمة و فاجعة مقرفة... رصاصات التطرف والغدر تخترق جسد رمز التحرر بالمغرب الكبير،رمز اختار التمرد على كل شيء، لتنطفئ برحيله إحدى أهم و أقوى شرارات النضال في تامازغا...انه معتوب الوناس. كتب هذا الزعيم الظاهرة سيرة ذاتية عن حياته بكل الجزئيات،في كتاب بعنوان (المتمرد)، استعرض فيها عالم طفولته وقريته وظروف الثورة الجزائرية ضد الإستعمار الفرنسي ثم فترة ما بعد الاستقلال والتي تميزت بانقلاب شركاء الامس ضد الأمازيغ الذين ساهموا بأكبر الجهد والجهاد في أشعال نار الثورة الجزائرية ضد الفرنسيين. منذ سنوات طفولته الاولى أبان هذا "الطفل المشاكس" عن موهبة كبيرة في الشجاعة و الاقدام،خصوصا أن وضعه العائلي جعل منه طفلا مشاكسا حيث كان “الرجل” الوحيد في "عالم نساء" و هو ما جعل منه طفلا مدللا. كان دوما يقدم على أعمال تتجاوز سنه بكثير، ترعرع في جبال دجردجرة وسط عائلة متواضعة و كان أبوه مقيما بفرنسا، مما جعل والدته تقوم بدور الأب والأم في نفس الوقت في تربية المتمرد الصغير،فضل المتمرد الحقول واللعب بالقرية بديلا عن قاعة الدرس. كان يحس بالملل والضجر داخلها و كان يعتبرها سجنا يفقده حريته المطلقة. تعود على التسكع عوض الذهاب إلى المدرسة، يقضي معظم أوقاته في نصب المصائد للأرانب بدل الاهتمام بالدروس. بدأ وعيه بالهوية الأمازيغية مع الروايات التاريخية التي كان يسمعها عن الملوك الأمازيغ من أمه، الشيء الذي أدى إلى ولادة شعور هوياتي مبكر لديه. دأب على القيام بألعاب حربية مقلدا رجال المقاومة و كانت رغبته في التواجد ضمن صفوف المقاومين كبيرة، يتفاعل مع كل صغيرة وكبيرة تأتي من ساحة القتال، بل ويقدم على مغامرات بفعل شجاعته الكبيرة، حيث يقول في الفصل الأول من كتابه “المتمرد”: »في يوم ما، قدم عندنا جندي فرنسي ليبتاع منا أرنبا وبعد ذلك بأيام شاهدنا الأرنب نفسه لدى ذلك الجندي وهو لا زال على قيد الحياة، ساعدتني أمي لتسلق حائط الثكنة من أجل استعادة الأرنب، أسبوع بعد ذلك، أعادت أمي الأرنب نفسه لذلك الجندي، وبمثل هذا الفعل كنا نعتقد أننا شمتنا الفرنسيين، ربحنا مرتين ضعف مبلغ مالي دون ضبطنا ونحن متلبسون. في الأيام الموالية كنت أترصد المعسكر لكن لا أثر لأرنب فيه«. ما بين (1963-1964) التي تميزت بسن سياسة التعريب، تنامى التاريخ والوعي بالهوية الأمازيغية لدى معتوب فوقف رافضا سياسة التعريب التي نهجها النظام الجزائري و التي كانت تهدف إلى محو الإرث التاريخي الأمازيغي،فاستعرض لوناس القمع الذي تعرضت له الهوية الجزائرية من طرف النظام العروبي الحاكم، وتمسكه بأمازيغيته. ويروي معتوب لوناس أيضا فترة خدمته بالجيش الجزائري بالتفصيل ويبين صورا من الحرب بين النظامين المغربي والجزائري ،فقد صادف التحاقه بالجندية، انفجار قضية أمغالا،حيث وجدت الجزائر نفسها مرة أخرى في مواجهة المغرب وتشابكت القوتان.وعين فقيدنا في مصلحة المعدات العسكرية، وهو ما أتاح له معاينة كل عايش الفقيد كل أشكال الشطط في الثكنات العسكرية. تولى مهمة الحراسة وتألم لرؤية آلاف المغاربة يغادرون الجزائر بعد قرار بومدين بطردهم. أحس معتوب وهو يرى المغاربة يهاجرون الجزائر بقرار سياسي ووصمة عار كبيرة في جبين الجزائر، تنبأ بحرب "عبثية" بين الطرفين، و أكد أنه لو أرسل إلى جبهة القتال فلن يكون قادرا على إطلاق ولو نصف رصاصة على أشقاء له من القطر الجار.كانت العقوبات و الإهانات ما ناله لونيس من خدمته العسكرية مما ولد بداخله حقدا عظيما للجندية وللعدوان اللذين يختلفان عن قناعته ورغبته. ككل الفنانين الموهوبين و بعيدا عن المعاهد الموسيقية الراقية،كانت قيثارته الأولى من القصدير وأوتارها من خيوط الصيد، عبرها أبحر في عالم الموسيقى يحيي الحفلات بتيزي وزو، و قد جعل منها أداة لإيصال رسالته فغنى عن الأوضاع الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي كانت تعرفها القبائل خاصة والجزائر عامة، لم تكن واقعة 20 أبريل 1980 لتمر دون أن تؤجج حماس و التزام معتوب و الذي جعل الربيع الأمازيغي الذي نظمته الحركة الثقافية الأمازيغية والقمع العنيف من طرف النظام بداية الشرارة التي أطلقها عبر غنائه ضد التطرف والقمع والعنصرية، تفاعل معتوب لوناس كان بينا... وكانت قيثارته وسيلته في ذلك. معتوب لوناس اذا يعتبر من أشهر المغنين والموسيقيين في شمال أفريقيا بسبب لونه الغنائي وصوته المميز وأيضا بسبب مواقفه السياسية المعارضة للدولة وسياسة التعريب القسري، ولمساندته القضية الأمازيغية الجزائرية وفكرة اللامركزية. تعلم لوناس الغناء بشكل ذاتي وهاجر لفترة إلى فرنسا ثم عاد إلى الجزائر. وأصدر العديد من الألبومات الغنائية الأمازيغية الناجحة آخرها ألبوم أمازيغي بعنوان "رسالة إلى..." والذي صدر بعيد اغتياله. كان الراحل يجهر بأفكاره حول العلمانية والحرية والديموقراطية والأمازيغية مما أدى إلى ازدياد سخط النظام الجزائري والجماعات الإسلامية والأحزاب العروبية . في أكتوبر 1988 بدأت الأحداث تتوالى في الجزائر والمواد الغذائية الأساسية تشهد زيادات صاروخية في الأثمان، كانت بوادر أزمة اقتصادية خانقة بامتياز ما أدى الى ارتفاع حركة الاحتجاج أسفرت عن قتلى وجرحى، و بحكم طبيعة الشخصية القبائلية،التي تعودت على الانتفاضات الشعبية ،تم اعلان حالة الطوارئ، لكن معتوب لم يتوان في توزيع المناشير إيذانا بانطلاق الثورة ،ليبدأ مسدس النظام في ترصده، قبل أن يتمكن من اصابته برصاص غادر انتهى به في غيبوبة قبل أن يخرج من المستشفى وهو يشكو من إعاقة جسدية. و بفعل الضغط الجماهيري تم نقله الى فرنسا بعد رفض تام للفكرة،هناك تمت معالجته وعاد يحمل كيسا طبيا، انفجر وهو يتابع مباراة في كرة القدم في القبائل، معتوب ذاق المرارة و الالم أكثر من أي آخر لكن ذلك لم يمنعه من الغناء من أجل الحرية والعدالة والمساواة وضد القمع والتطرف الديني الأعمى. معاداته للتطرف الديني جعل الاسلاميين يترصدونه، توصل بعدة رسائل مجهولة تحمل عبارات شديدة اللهجة،بطريقة مباشرة أو عبر بعض معارفه ،كتب اسمه وصار واحدا من المسجلين في القائمة السوداء لدى هؤلاء و قبل اختطافه بثلاثة أشهر علقت مناشير على شوارع تيزو وزو تنذر بالفاجعة التي كانت منتظرة. أثناء عودته من الجزائر العاصمة في 25 شتنبر 1994، في جو مطر، وقف معتوب في إحدى المقاهي في الطريق لأخذ قسط من الراحة ، لكن عصابة التي تنتمي إلى "الجماعة الإسلامية المسلحة" اقتادته إلى مكان مجهول في معسكر هذه الجبهة المتطرفة. و كان الضغط الشعبي مرة أخرى مفتاح خير على المغني المتمرد و اطلق سراحه ليطلع الناس على فظائع تلك المخيمات، حاملا معه رسالة من المتطرفين بأنهم "ليسوا قتلة وكل ما يريدونه قيام الجمهورية الإسلامية ويطلبون من سكان القبائل الكف عن الوقوف في وجههم" وبدأت الأصوات تتعالى معبرة عن فرحتها لإطلاق سراحه . في 25 يونيو 1998، على الطريق المؤدية إلى قرية تاوريرت ن موسى قرب تيزي وزو، كانت اللحظة الأخيرة في حياة المناضل الأمازيغي الكبير “معتوب لوناس” الذي اغتالته أياد منتنة و عقول لا يتعدى تفكيرها الأحادية والفكر المطلق والتعصب الديني. يوم فقد فيه الاحرار أحد أبرز المناضلين الأوفياء للقضية الأمازيغية، اتخذ من الأغنية الملتزمة والشعر الهادف أداة للدفاع عن الهوية والثقافة الأمازيغية.كانت نهايته حلما يتحقق لأعدائه من الاسلامويين والنظام العسكري الجزائري، كان كتابه «المتمرد» وثيقة تاريخية حية تشهد على تحولات الجزائر المعاصرة بآلامها وآمالها وطموحاتها ومفارقاتها أيضا، أسد لا يتعامل مع الهدن الممنوحة من جماعات ظلامية و أنظمة غاشمة يجمعهما التطرف والعنصرية، كانت الفاتورة التي دفعها لوناس غالية جدا...انها حياته التي تبقى أغلى ما يملك بني البشر، إيمانه الراسخ بالقضية الأمازيغية جعله يعتبرها مسألة حياة أو موت .تعلمنا منه دروس الإقدام والحرص على الشرف والسير قدما حتى تحقيق كل المطالب المشروعة، وكما كان يقول دائما “إني أفضل أن أموت واقفا على قدمي ومدافعا عن هويتي أفضل من أن أموت طريح الفراش”. تم اغتياله اذا من طرف مسلحين ملثمين حينما كان خارج مدينته وهو يقود السيارة،وتم اتهام و سجن أحد أكبر المعجبين به و المسمى "مالك مجنون" لمدة 12 سنة بتهمة اغتياله في أغرب قضية و محاكمة في تاريخ القضاء الجزائري،تمويه لم تصدقه جماهير الفنان و لا عائلته.وتسبب اغتياله في قيام مظاهرات احتجاج كبرى في المناطق الأمازيغية الجزائرية أدت إلى مواجهات بين آلاف قوات الأمن وعشرات الآلاف من الأمازيغ الغاضبين التي اتهموا الحكومة الجزائرية بقتل مغنيهم المحبوب.وتم تنظيم جنازة مهيبة له حضرها عشرات الآلاف من الجزائريين. وتصدر خبر اغتيال معتوب لوناس الأخبار في وسائل الإعلام المستقلة في الجزائر والمغرب وأهم وسائل الإعلام الدولية..