هذا هو الصيف الثاني الذي تعيشه البشرية تحت وطأة "كوفيد 19′′، وانتشاره تارة وانحساره تارة أخرى؛ وهو ما يجعل من الصعب التخطيط لأمور عديدة بدقة من قبل، مثل الإجازة. إن المشكلة في الحقيقة ليست في المرض أو الفيروس وحده؛ وإنما في فوضى القرارات والإجراءات المتخذة من قبل الدول، والتي جعلت الناس في حيرة من أمورهم. ومن أهم مشاكل الناس والمسافرين، خاصة في التعامل مع هذا المرض، هو عدم وجود معيار واحد لإجراءات السفر الاحترازية في جميع الدول؛ فهناك دول تطلب إجراء فحص "بي سي آر" 48 ساعة قبل السفر، وأخرى قبل الصعود إلى الطائرة باثنتين وسبعين ساعة، وفئة ثالثة من الدول تفرض الإجراءات نفسها والمدة نفسها؛ لكن قبل الوصول إلى تلك الدولة، وهذا في حد ذاته تحد كبير. فمثلا، إذا كان السفر يستغرق ثمان ساعات بالطائرة فهذا يعني أنه على المرء أن يقوم بهذا الفحص أربعين ساعة قبل السفر، وتزداد الأمور سوءا في بعض البلدان التي يتطلب الحصول على نتيجة الفحص يوما كاملا. المسالة الأخرى هي قضية التطعيم أو التلقيح؛ فهناك دول تلزم الأشخاص المطعمين بالفحص، وهناك دول أخرى لا تلزمهم، ودول تشترط أن يكون الفحص لدى مركز صحي مرخص من لدن وزارة الصحة في ذلك البلد، فكيف لمواطن عادي يزور دولة ما أن يعرف ما هي المراكز المخولة لها رسميا أن تقوم بهذه المهمة؟ وهذا حصل معي في إحدى الدول، حينما سألت أحد موظفي المركز عما إذا كان مخولا من المسؤولين، فأحس بالإهانة وطلب مني المغادرة فورا. هناك دول تلزم المسافرين بتعبئة طلب قبل السفر وطباعته، وهناك دول تشترط أن يتم تقديم الطلب خلال اثنتين وسبعين ساعة وأن تأتي الموافقة.. وبما أن الموافقة قد لا تأتي فإن المسافر يجب أن ينتظر الموافقة على طلبه ليبدأ إجراءات الفحص ومتطلبات السفر الأخرى، وكل هذا في غضون ساعات ويبقى المسافر في وضع المنتظر لا هو من المسافرين ولا هو من القاعدين. أما بالنسبة إلى الأطفال فتلك قصة أخرى: فمن الدول من تفرض فحص "بي سي آر" على كل طفل يفوق عمره ست سنوات، وأخرى عشر سنوات، وأخرى اثنتي عشرة سنة. بل هناك حكومات تقيم إجراءات فورية التطبيق ثم تزيلها بدون شرح الأسباب، كما فعلت حكومتنا المغربية بالنسبة إلى القادمين من دول الخليج؛ وهو ما أرغم العديد من المهاجرين (وأنا منهم) على عدم زيارة المملكة هذه السنة واختيار وجهة أخرى. وحتى حينما رفعت الحكومة الإجراءات عن القادمين من دول الخليج لم تف بوعدها بتخفيض الأسعار؛ وهو ما ألهب تذاكر السفر. كل هذه الإجراءات وضعت الأسر تحت ضغط رهيب لاجتياز هذه الاختبار الجماعي، حتى تظفر بالسفر. فلو أن أسرة من بضعة أفراد، بعضهم حصل على التطعيم وبعضهم أطفال من مختلف الأعمار، أرادت السفر تصوروا كمية التعقيدات: ملء طلب لكل فرد وانتظار الموافقة، بعد الموافقة القيام بفحص "بي سي آر" الذي بدوره يجب أن يكون 48 ساعة قبل السفر، وكل هذا والأسرة تكون قد حجزت تذاكر السفر والفنادق: ولو أن فردا واحدا لم تأته الموافقة يلغى مشروع السفر، وتتكبد الأسرة خسارة مالية ونفسية. وتزداد التعقيدات إذا كان السفر عبر دولة ثالثة، إذ حتى إجراءات الترانزيت (تحويل الرحلات) لا تخضع لمنطق موحد؛ فمن الدول من لا تفرض أي قيود على العابرين لأراضيها، ومنها من تفرض بعض الشروط المخففة، ومنها من تفرض الشروط نفسها على الكل ما دام المسافر العابر قد وطأ أرض الدولة. ولم تخل هذه العملية الاحترازية من إجراءات انتقامية من باب المعاملة بالمثل من طرف بعض الدول، وإلا كيف نفسر أن دولا أوروبية تستقبل كل المطعمين القادمين من دولة أسيوية؛ بينما تقوم دولة إفريقية بفرض الحجر الصحي على كل قادم من الدولة الأسيوية نفسها؟ نتفهم أن تقوم الدول بحماية أراضيها ومواطنيها، وهناك دول قامت بمجهودات جبارة وإجراءات تسهيلية تشكر عليها ويحتذى بها؛ لكن غياب إجراءات موحدة يجعل الأمر صعبا ويفقد المسافر لذة الإجازة والاستمتاع بها. أما إذا جاءت نتيجة الفحص لأحد أفراد الأسرة إيجابية لا قدر الله، عندها تختلط الأوراق ويلغى المشروع كله. نسأل الله السلامة والعافية لكل مسافر وقاعد.