يستخدم مصطلح العجز الديمقراطي للإشارة إلى المؤسسات التي هي ديمقراطية إلى حد ما، ولكنها ليست ديمقراطية كما كان ينبغي أن تكون وفي هذا المجال يضرب المثل بالأمم المتحدة التي تعاني من العجز الديمقراطي، نظرا لتحكم الدول الكبرى من خلال الفيتو في قراراتها على حساب الدول المتوسطة والصغرى، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي يعاني بالمثل -نتيجة أسباب متعددة- من العجز الديمقراطي أيضاً. كما يشار بهذا المصطلح إلى الحكومات الديمقراطية و لكنها لا تستجيب لانتظارات و تطلعات الناخبين. و يثير العجز الديمقراطي النقاش من جديد حول دور جماعات المصالح les groupes des intérêts » " في القرار السياسي. و لا يشكل النظام السياسي المغربي استثناء من هذه القاعدة ، فقد استند عبر تاريخه على مشاركة جماعة المصالح سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي في القرار السياسي . وفي أعقاب أعطاب الحكومة و غياب الفاعلية في القرار السياسي الحكومي المغربي منذ ما يقارب تسعة عشر شهرا بسبب عوامل داخل الأغلبية الحكومية خصوصا الخلاف بين حزبي العدالة و التنمية و حزب الاستقلال منذ تولي السيد حميد شباط مسؤولية الأمانة العامة للحزب، أو بسبب عوامل خارجية تكمن أساسا في تعثر إدارة الحوار مع جماعات المصالح كالاتحاد العام لمقاولات المغرب و بعض المركزيات النقابية " كالنقابة الديمقراطية للعدل " يجعل التساؤل مشروعا حول دور الفاعل السياسي من جماعات المصالح، فبالرغم من أنها لا تمثل سوى مصالح أقلية من الناس فهي يمكن أن تجعل النظام السياسي أكثر ديمقراطية من خلال مشاركتها في المداولات السياسية و المجتمعية ، و يمكن على طرف النقيض أن تؤدي إلى فشل ذريع للحكومة في القرار السياسي. إن تحليل الأداء الحكومي لحكومة السيد بنكيران منذ تاريخ تعيينها 3 يناير 2012 إلى اليوم تجعلنا نستخلص بعض أسباب العجز في الأداء الحكومي، و التي تكمن في عدم استطاعة الحكومة استمالة جماعة المصالح كشريك و فاعل أساسي في القرار الاقتصادي و الاجتماعي، فنتذكر جيدا جولات الشد و الجذب بين رئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب و السيد رئيس الحكومة طيلة شهور، حيث انتقدت بشكل لاذع طريقة تدبير الشأن الاقتصادي المغربي، و توج هذا الكر و الفر بإعلان الاتحاد العام لمقاولات المغرب مقاطعة الاجتماعات مع رجال الأعمال الأتراك و اعتبرت هذه المقاطعة لدى المحللين الاقتصاديين من بين مؤشرات فشل زيارة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للمغرب، مما أهدر على المغرب فرصة حقيقية لتنمية مشتركة و متوازنة بين البلدين و تعزيز التعاون الاقتصادي في ظل اقتصاد وطني محتاج إلى جرعات أو لنقل إلى كميات كبيرة من الإنعاش. إن عرض هذه الوقائع لا يرمي إلى تحميل المسؤولية لطرف دون اخر بقدر ما يروم إلى الحث على ضرورة تبني مقاربة تشاركية من الطرفين بعيدا عن منطق الإقصاء، فمن الوهم الاعتقاد بأن الدولة محايدة، فهي نفسها تحاول الهيمنة على المجموعات أو الجماعات المشاركة في التنافس على السلطة. النموذج الثاني الذي سأسوقه في سياق تأثير جماعات المصالح على الفاعل السياسي، هو بين وزارة العدل والحريات و المكتب الوطني للنقابة الديمقراطية للعدل ، حيث هاجم هذا الأخير السيد وزير العدل والحريات ووصفة بالحقوقي المزعوم و السادي، ثم الخلاف الثاني مع نقابة المحامين بالمغرب و انسحابها من ورش الحوار الوطني لإصلاح العدالة ، في الوقت الذي يعتبر فيه إصلاح قطاع العدل في المغرب من أولوية الأولويات تفرض تكاثف جميع الجهود، الأمر الذي يؤدي و الحالة هاته إلى تعطيل تنزيل مقتضيات الإصلاح. و نفهم في هذا السياق دعوة محمد يتيم الكاتب العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، الذراع النقابية لحزب العدالة و التنمية، رئيس الحكومة إلى الجلوس في أقرب وقت إلى طاولة الحوار مع الفر قاء الاجتماعيين والاقتصاديين، و حمل المسؤولية في الدعوة إلى هذا الحوار للحكومة، وفق الأجندة التي سبق التوافق عليها، كما حمل محمد يتيم الحكومة مسؤولية تفعيل الأرضية المتوافق عليها، من حيث الانعقاد المنتظم للجنة العليا للتشاور واللجنة الوطنية ولجنة القطاع العام و القطاع الخاص و احترام دورية الانعقاد و مواصلة الجهد الإيجابي لرئاسة الحكومة في مجال تتبع النزاعات في القطاع الخاص و السعي لحلها. إن المؤشر الثالث هو أن تحليل نمط الاقتراع في المغرب يؤدي بدوره إلى نوع من العجز الديمقراطي، فالاختيارات الانتخابية للناخبين ينبغي أن تترجم إلى نواتج انتخابية بكل إخلاص وصدق بواسطة النظام الانتخابي، غير أن نمط الاقتراع في المغرب لا يمكن أن يؤدي سوى إلى فسيفساء من الأحزاب السياسية، يضطر معه الحزب الحاصل على الأغلبية إلى التحالف مع أحزاب سياسية أخرى، و إلى التشاور و التشارك مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين و الاجتماعيين، وصولا إلى ممارسة السلطة من طرف الحكومة و تحمل المسؤولية في اتخاد القرارات. إن هذه المؤشرات تسمح لنا بأن نخلص بأن على حكومة السيد بنكيران في نسختها الثانية، أن تتجاوز النظرية الديمقراطية التي ترتكر على التمثيلية الترابية إلى الديمقراطية التشاركية مع جميع الفاعلين بالنظر إلى قوة تأثيرهم في القرار الاقتصادي و الاجتماعي بشكل يؤدي إلى تفعيل أوراش الإصلاح الكبرى ( صندوق المقاصة، الصندوق المغربي للتقاعد ، قطاع العدل ...) التي لم تعد تحتمل التأجيل أكثر، فكفى من هدر الزمن السياسي المغربي، و ليتحمل الجميع مسؤوليته كل من موقعه.